يبدو أن الصقيع الذي تسلل إلى دمشق منذ أيام، وجد طريقه إلى صالة الشعب، هناك تقف اللوحات المشاركة في أربعينية الفنان نذير إسماعيل، وحيدة، كأنها تستقبل كلمات المعزّين بإيماءة، والكل يدرك ضمنياً أن التحية المفترضة عبر معرض جماعي لا تليق بمن رحل إنساناً وفناً.
قبل أيام من افتتاح المعرض، يأتي الإعلان عنه، في صفحة اتحاد الفنانين التشكيليين على الفيسبوك، تحت عنوان «تحية وفاء من أصدقاء الفنان الراحل نذير إسماعيل، لكن هل يجوز أن تقتصر الفكرة على ما يفترض أنه معرض جماعي أو تجميعي كما درجت العادة مؤخراً؟!، ألا توجد أفكار أخرى تحتفي بما قدمه إسماعيل وتتناسب مع مكانة الاتحاد، الجهة المعنية بالتشكيل وفنانيه في سورية؟!.
كان في الإمكان مثلاً عرض فيلم عن تجربة الفنان التي تستحق الاهتمام والدراسة، وربما أمكن إفساح المجال لنقاش علني عن أبحاثه التي غيرت مسار التشكيل السوري عامة، ولا سيما أنه أغنى المشهد التشكيلي بتجربته الثرية بتعبيراتها الإنسانية المشغولة بعوالم النفس والصمت، مع تحرره من سلطة الأكاديمية نحو تفكير مختلف في اللوحة، بدل الاقتصار على تحية شكلية.
يقول د. إحسان العرّ رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين رداً على ما سبق: المعرض نوع من الوفاء والتكريم، فكرة أرادت مجموعة من أصدقاء الفنان تحيته عبرها، علماً أن حفل تأبين الراحل سيتم الإعلان عنه قريباً، برعاية وزارة الثقافة، لكننا لم نتسرع أبداً بإقامة المعرض كما يقول البعض. أما المشاركون، وهم 19 فناناً، منهم «نعيم شلش، فؤاد دحدوح، إدوار شهدا، أحمد أبو زينة»، فيشكلون واجهة الفن التشكيلي السوري حالياً، كما يؤكد منظم المعرض، الفنان محمود الجوابرة.
ما قدمه إسماعيل خلال حياته من إنتاج فني يحمل سمة الحداثة والمعاصرة، شكل نقطة مضيئة في تاريخ التشكيل السوري، وجسراً حقيقياً بين الثقافتين البصريتين في أوروبا وسورية، هو أمر لا يختلف عليه أحد، لكنه سبب يتكئ عليه اختلاف وجهات النظر حول المعرض الذي ضم عدداً من التشكيليين السوريين في أربعينيته، منهم الفنان سعد يكن، الذي رأى فيما تم عرضه أعمالاً جميلة توازي القيمة والتقدير اللذين أراد أصدقاء الراحل تقديمهما، إضافة إلى تنويع جميل في المشاركات، يمثل جانباً مشرقاً من الحركة الفنية والتشكيلية السورية المعاصرة، عدا عن أن التحية جديرة بأن تكون بادرة حسنة تقدم للفنانين الراحلين والموجودين بيننا لتأكيد قيمتهم الإنسانية والفنية في سورية.
من بين المشاركين أيضاً، الفنانة عناية البخاري، زوجة الراحل، اختارت عملاً يحمل خصوصية معينة بالنسبة لها، ومع إنها أشارت إلى احتمال تكرار المعرض سنوياً مع جائزة تحمل اسم «نذير إسماعيل» لكن بعض الفنانين أكدوا أن لديها ملاحظات عديدة تتعلق بالمعرض كتظاهرة فنية من جهة، وبما يخص توجيه الدعوات من جهة أخرى.
النحات غازي عانا لم يكن راضياً عن المعرض، فهو على حد قوله: «كان بمزاج شخصي لأحد أعضاء مجلس الإدارة في الاتحاد، وهو أعلى جهة مسؤولة عن الفنانين في سورية، لم يكن هذا التكريم يليق بالاتحاد كجهة اعتبارية، ولا بالفنان نذير إسماعيل الذي كان حضوره لافتاً في المشهد التشكيلي السوري، فقد اقتصر التكريم على المعرض الذي كان انتقائياً ومشغولاً للأسف على عجلة، عدا عن استبعاده دعوة أقرب الفنانين إلى الغائب المُكرّم».  ورأى عانا أن الفنان نذير إسماعيل كان يستحق أكثر مما تم تقديمه، لكن للأسف، وعلى حد تعبيره سنبقى محكومين بأمزجة بعض الأشخاص الذين كنا نحسبهم أصدقاء وموهومين بمحبّتهم، مع تقديري الشخصي للفنانين المشاركين فيه، الاختلاف حقٌّ وثقافة، علينا أن نتعوّد عليها، أنا أختلف مع الذين قاموا بهذه المبادرة المنقوصة حتى لو كنت مشاركاً في هذا المعرض، لكن للأسف، الفنان الراحل كان يستحق تظاهرة تشمل ندوة وكلمات وأفلاماً وضيافة تليق بغيابه، هذا الشعور في رأيي يقدّره معظم الفنانين المشاركين الذين لم يشاركوا قسراً.. ولا شكّ في أن شخص «نذير» ومحبّته كانت وراء مشاركة العديد من أولئك الذي حضروا وشاركوا . الفنان وضاح الدقر، واحد من أصدقاء الفنان، لكنه لم يشارك في المعرض أيضاً، والسبب برأيه: «إذا راح الغالي لا أسف عالرخيص، التكريم تأخر كثيراً في وقت كان المفروض أن يراه الراحل يوم كان بيننا، عشت معه خمسين عاماً لكن لا توجد لوحة يمكن لها أن تقيّم علاقتي به». وتبعاً لما يراه الدقر فالمعرض نشاط فني لا أكثر، لذا لا يمكن أن يكون ضده حتى إن عدم مشاركته قد تكون تقصيراً منه لكن الأمور لا تقيم بهذا الشكل، «فالتكريم متأخر جداً، ولا معنى أصلاً لتكريم الفنان للفنان، إذ يجب أن يأتي عبر المجتمع، الذي لم يكرم نذير إسماعيل رغم ما بذله من جهد وبحث في الفن التشكيلي السوري».
وإذا ما سلمنا برأي الدقر فهي حقيقة تجعل العتب مضاعفاً، رغم أن الراحل لم يتحدث عن ذلك، على الأقل كما يؤكد أصدقاؤه.
ت: عبد الرحمن صقر