- حربي محسن عبدالله
«الزَّهير» رواية للكاتب الأرجنتيني باولو كويلو صاحب «الخيميائي»، وهي الرواية التي نالت شهرة واسعة في طول العالم وعرضه. كان كاتباً مسرحياً ومديراً لمسرح، وإنساناً هيبيّاً، ومؤلف أغانٍ شعبية لأشهر نجوم البرازيل. نشرت مؤلفاته في أكثر من 150 دولة. وترجمت إلى 58 لغة، وبيع منها أكثر من 56 مليون نسخة ونال العديد من الأوسمة والجوائز. صدرت رواية «الزّهير» عن «دار المطبوعات للتوزيع والنشر» بترجمة رنا الصيفي. ومعنى «الزّهير» حسب المراجع اللغوية وكما أشارت المترجمة: هو صيغة مبالغة من اسم الفاعل لفعل زَهَرَ، ومعناه سَطَعَ وتلألأ وأشرق، حاجباً رؤية كل شيء آخر ومنه اشتقّ اسم كوكب الزهرة لشدة لمعانه وسحره. وبالاستناد إلى الكاتب الأرجنتيني خورخيه لويس بورخس «يعني الزّهير ماهو ظاهر، حاضر، ذاك الذي لا يمر مرور الكرام. إنه شخص أو شيء، ما إن يحدث اتصال بينه وبين الإنسان، حتى يستحوذ تدريجياً على فكره، ليتملكه في النهاية. تعد هذه الحالة، إما جنوناً وإما قدسية».
تجدر الإشارة إلى أن باولو كويليو خصّ سلسلة رواياته الصادرة باللغة العربية بمقدمة موحدة يكرر فيها قصة جميلة مقتبسة من موروث التصوف في الإسلام جاء فيها (كان أحد كبار متصوفي الإسلام يحتضر، وسوف ندعوه هنا حسن، عندما سأله تلميذ من تلاميذه:
– من كان معلمك أيها المعلم؟
أجاب: بل قل المئات من المعلمين. وإذا كان لي أن أسميهم جميعاً، فسوف يستغرق ذلك شهوراً عديدة، وربما سنوات. وسوف ينتهي بي الأمر إلى نسيان بعضهم.
– ولكن، ألم يكن لبعضهم تأثير عليك أكبر من تأثير الآخرين؟
استغرق حسن في التفكير دقيقة كاملة، ثم قال: (كان هناك ثلاثة في الواقع تعلمت منهم أموراً على جانب كبير من الأهمية، أولهم كان لصّاً والثاني كان كلباً والثالث كان صبياً)..
يتعلّم الشيخ من اللص الذي لم يستسلم لليأس عندما يعود من مشواره صفر اليدين، بأن يواصل الاستغراق في تأمله يوماً بعد يوم من دون أن يحدث أي شيء، ومن دون أن يحقق اتصاله بالله. كان الشيخ يستعيد كلمات اللص: لم أوفق بشيء هذا المساء، لكنني، إن شاء الله، سأعاود المحاولة في الغد.
وتعلّم من كلب عطشان كان يواجه صورته في النهر فيفزع ويتراجع وينبح، وفي النهاية وبعد أن اشتد به العطش قرر أن يهاجم ويبعد الكلب الذي في النهر بأن ألقى نفسه في النهر.
وأخيراً تعلم من صبي يسير باتجاه الجامع وهو يحمل شمعة بيده، فبادره الشيخ بالسؤال: هل أضأت الشمعة بنفسك؟ فرد عليه الصبي بالإيجاب. فسأله أتستطيع أن تخبرني من أين جاءت النار التي تُشعلها؟
ضحك الصبي، وأطفأ الشمعة، ثم سأل الشيخ: وأنت يا سيدي أتستطيع أن تخبرني إلى أين ذهبت النار التي كانت مشتعلة هنا؟ فيقول الشيخ «أدركت حينها كم كنت غبياً. من ذا الذي يشعل نار الحكمة؟ وإلى أين تذهب؟…يقول كويلو إن إحدى أقدم الطرق التقليدية، التي اعتمدها الإنسان لنقل معرفة جيله كانت القصص والروايات».
في رواية الزّهير ثمة كاتب شهير تهجره زوجته بلا مسوغ، وبدل أن يتابع حياته الصاخبة بالعلاقات والمصالح المتشابكة والبدائل المتعددة، يسيطر عليه هاجس وحيد يؤرقه ويقضّ مضجعه: «لم هجرتني زوجتي؟». من هنا تبدأ الأسئلة الوجودية ومن هنا ننجرف بسلسلة من الشلالات المترابطة للأفكار الفلسفية العميقة، تلك الأفكار التي شغلت البشرية جمعاء:
كيف أن هاجساً ما ينتصب فجأة في وجه امرئ، فيسيطر عليه فلا يلبث أن يغدو الهاجس كل شيء، ولا شيء سواه. وكيف أن الحرب، وحدها الحرب، تعرّي المشاعر الإنسانية الخبيئة بل تصل بها إلى أبعد مدى. وكيف أن مجموعة من القيم الموروثة يؤمن بها الإنسان تستعبده، فيكرّس نفسه وما له، وما ليس له في سبيلها، وتصبح هي مسوغ استمراره وكفاحه. ولا يعود بإمكانه التوقف ليسأل: هل يشعر بالسعادة أم لا؟
هربت زوجة الكاتب الشهير تبحث عن الطريقة الفضلى للحب وعن معنى للحياة في سهوب آسيا الوسطى. هناك تطرح بعض الأسئلة على السماء، الأسئلة عينها التي كانت تطرحها على أمها وهي طفلة:
لماذا نحب أشخاصاً معينين ونكره آخرين؟ إلى أين نذهب بعد الممات؟ لماذا نولد، ما دمنا في النهاية، نموت؟ ما معنى الله؟
«تجيب السهوب بصوت الريح الثابت. وهذا كافٍ: معرفة أننا لن نلقى إجابات عن الأسئلة الحياتية الجوهرية. ولكننا، مع ذلك، نمضي قدماً».
يقول الكاتب في ختام الرواية «ربما خسرت المرأة التي أحبها إلى الأبد، ومع إني أدرك ذلك، فلابد لي محاولة الاستمتاع بكل النعم التي أغدقها الله عليّ اليوم… يعلم الله أننا جميعاً فنانون في الحياة تارة يقدم لنا مطرقة لنصنع بها منحوتات، وتارة أخرى يقدّم لنا فرشاة لنصنع بها لوحات أو ورقة وقلم رصاص لنكتب. لكن يستحيل أن أصنع لوحة بمطرقة أو منحوتة بفرشاة رسم. من هنا، ومهما يبدو ذلك عسيراً، ينبغي أن أتقبل بركات اليوم الصغرى، حتى وإن بدت لعنات، لأنني في عذاب، لأن اليوم جميل، والشمس ساطعة والأولاد يغنّون في الشارع. إنها الطريقة الوحيدة التي تمكنني أن أخلف ألمي ورائي وأعيد بناء حياتي».
في رواية الزّهير، سعي دؤوب إلى الحب يكشف قصة الحياة بالتفاصيل المثيرة للدهشة والأسئلة التي لم ترو لنا وتسلّط الضوء على الجانب الغامض في نفوسنا.
Views: 7