بالطبع هناك الكثير للحديث عنه في ذلك المسلسل لكنّ العبرة الأهم التي نستخلصها من قصتنا هذه أنّ مسلسلاً مثل مسلسلنا السابق صار من الأجدر لنا اليوم أن نترحّم عليه، فاجتماع الناس حول عملٍ بعينه صار أمراً شبه مستحيل، بل إن الدراما السورية تحولت إلى أعمالٍ منفصلة لا تمتلك القدرة على التنافس فيما بينها لشدّ الجمهور إليها، حتى أصبحت باهتةً، لا تشكّل علامةً فارقةً بين المسلسلات الناطقة بالعربية وهكذا تغيرت تغيراً جذرياً، ربما ظروف الحرب ساهمت بانهيارها، ولكن مع وجود أعمالٍ قليلة تحاول صنع الفارق، لم يعد لتلك الحجة أهمية تذكر، وهنا يتساءل متابعو الدراما السورية عن السبب الذي يقف وراء كلّ تلك الرداءة المعروضة على عدّة قنواتٍ محليةٍ وعربية تحت مسمى «دراما سورية».
ومن المعروف أنّ المسلسلات السورية بضاعة رمضانية مرغوبة، يتهافت الناس على متابعتها والإعجاب بها، فهل يعقل أن نكون نحن «السوريين» أو بعضاً منّا لا يعجبنا العجب، وأن مسلسلات الموسم الحالي كانت بأغلبها ناجحة لكنّنا لم نر ذلك النجاح؟! وأن خمس سنوات من الشقاء كانت كفيلةً بأن تحدث تغييرات في الذائقة الفنية العامة للمجتمع السوري، فما الدليل على ذلك؟. ربما يكون الدليل هو إنتاج جزءٍ ثامن من مسلسل «باب الحارة»، العمل الذي أثار ضجةً على مدى سنوات عرضه وأدمن الناس على شخصياته التي تبدلت كثيراً في أجزائه الثمانية، حتى أنّه جعل باحثة إيطالية تدعى «دوناتيلا ديلارتا» تعتزم البحث في أسباب شعبيته، والأغرب من ذلك أنّ السبب الذي جعل تلك الباحثة مهتمة بدراسة نجاح المسلسل هو كتابة الصحف الإيطالية عنه وعن تأثر العالم العربي به! وتقوم على هذا مسؤولية كبيرة قد لا تتحملها رجالات حارة الضبع ولا الحارات الأخرى! خصوصاً ما تم طرحه في الجزء الأخير من المسلسل الذي حاول أن يخرج عن الشكل التقليدي له والدخول في أجواءٍ أكثر تطوراً وانفتاحاً، إلّا أنّ ما ركز عليه جاء معاكساً لكل ذلك، لتبقى مشكلته الوحيدة كامنة في ظهور المرأة «بالقرعة» أمام الأجانب.
لم يفقد السوريون قدرتهم على التمييز بين مسلسل جيّد وآخر رديء، فمسلسل «الندم» خير شاهد على ذلك، بل إنّه تقريباً العمل الوحيد الذي استحق أن يلصق مصطلح الدراما السورية به هذا العام، أو هكذا نتمنى، فمن المؤسف أن تكون حصيلة جهود صنّاع الدراما السورية خلال عامين متمثلة بعملين فقط، ويمكن اعتبارهما «أهداف شرف» نجح السوريون بتسجيلهما على مستوى الدراما التلفزيونية، أمّا بالنسبة للكوميديا فاستطاعت بعض لوحات «بقعة ضوء 12» انتشال العمل من حالة السبات التي وقع فيها منذ العام الماضي، بينما قدّمت أعمال ثانية كوميديا غير ذكية ما جعل الكوميديا السورية تمرّ في أتعس مراحلها.
أعمالٌ كثيرة من الموسم الحالي لم تصنف بـ «ثلاثة نجوم» وأخرى لم تفتتح المجال لانتقادها وثانية لم يتجرأ أحدٌ على إكمال مشاهدتها لشدة رداءتها، والأسوأ من ذلك أن يختصر موسم كامل يحوي أكثر من ثلاثين عملاً بعمل واحد استطاع أن يخفف من عطشنا لدراما سورية جادة مثلما فعل مسلسل «غداً نلتقي» في الموسم الفائت، فلمثل هذه الأعمال قدرةٌ واضحة على تحصين محتواها من النقد السلبي، ومن الجدير ذكره أنّ المسلسلين اهتما بمآسي السوريين خلال الأعوام الأخيرة وبيّنا بذلك أن تغييب الواقع السوري عن المسلسلات التلفزيونية ليس من مسببات نجاحها، وأنّ تجاهل الأزمة والحرب لا يعني الالتفات إلى تقديم حكايات بوليسية ورومانسية ساذجة لم تفلح إلّا بالانتقاص من قيمة الفنانين السوريين الذين شاركوا فيها، ليظهر المتابعون لها مثل تماثيل في حالةٍ من الصدمة تقف حائرة أمام الطرح «المافياوي» الذي طغى بشكل واضح على أغلب تلك الأعمال.
Views: 1