رأت صحيفة «كاونتر بانش» الأمريكية، أن رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو لم ينتظر طويلاً قبل أن يدعو كافة الأحزاب الأخرى التي دخلت إلى البرلمان لصياغة دستور جديد، إذ جاءت دعوته بعد ساعات من إعلان نتيجة الانتخابات التركية الأخيرة، وفوز حزب العدالة والتنمية بنسبة 49٪ من أصوات المقترعين، مما سيمكنه من حكم تركيا منفرداً.
وبحسب «كاونتر بانش»، يمكن القول إن «الانتخابات التركية استخدمت كوسيلة لسرقة الديموقراطية، ومنح الرئيس سلطة عليا، إذ لم يكد يمضي 24 ساعة على عودة الحزب الحاكم للسيطرة على الحكومة، حتى كرر داوود أوغلو مطالبه بتوسيع صلاحيات الرئيس عبر استفتاء شعبي».
بدوره، قال أردوغان لصحافيين خلال مؤتمر صحافي: «إن قضية كالنظام الرئاسي لا يمكن تقريرها بدون أخذ رأي الشعب، وإن كانت الآلية تتطلب إجراء استفتاء، فإننا عندها سنجري استفتاء، وإن الرئاسة التنفيذية ليست قضية خاصة بمستقبل الرئيس الشخصي، فقد سجل اسمه في كتب التاريخ، وإن الهدف الرئيسي يكمن في جعل النظام في تركيا فاعلاً بقدر المستطاع».
وترى الصحيفة بأنه السلطات الديكتاتورية للرئيس تمّ إرساؤها، بحسب أردوغان، وأن الاستفتاء مجرد مسألة شكلية. و«هذا ما يؤكد، رغبة أردوغان باستخدام الاستفتاء لتعزيز سلطته، وتأسيس حكم الرجل الواحد، والقضاء على مبدأ حكومة ممثلة في تركيا، وهو إسلامي يسعى للقضاء على الديموقراطية، وإنشاء نظام إسلامي يمتد إلى ما وراء حدود تركيا الحالية نحو العراق وسوريا، ولهذا السبب كان مناصراً قوياً للحركات الإرهابية التي تحارب في سوريا».
والأهم من ذلك كله، وفق الصحيفة، ينوي أردوغان استخدام فوزه الساحق لإقناع القيادة العامة للجيش التركي بأنه يتمتع بتأييد شعبي لمواصلة سياسته الخارجية، وهي السياسة التي أدت لتجميع آلاف الجنود الأتراك، المدججين بعربات مدرعة ودبابات على طول الحدود السورية استعداداً لإحتمال تنفيذ عملية غزو
وحتى اللحظة، قاوم الجيش التركي رغبات أردوغان، ولكن تم استبدال قائد الأركان نجدت أوزيل، بآخر أكثر انصياعاً وولاء لأردوغان، وهو الجنرال حولوسي آكار، ومن هنا، تبدو خطة غزو سوريا وتأمين ما يسمى "منطقة عازلة" على طول الجانب السوري من الحدود التركية، خطة قابلة للتحقق.
وتشير الصحيفة إلى أن خطة ضم أراضي سورية واستخدامها منطلقاً لشنّ هجمات على قوات الرئيس بشار الأسد تعود لعام 2012، لكن في عام 2015، طُرحت تلك الإستراتيجية مرة ثانية من قبل المحلّل مايكيل أي أوهانولون في معهد "بروكينز" تحت عنوان «تفكيك سوريا: استراتيجية جديدة لحرب أمريكا الجديدة»، وورد ضمن تلك الخطة ما يلي: «إن المسار الواقعي الوحيد الذي يمكن تطبيقه يتحقق عبر تفكيك سوريا، وفي تلك الحالة يفترض بالمجتمع الدولي العمل على إنشاء جيوب آمنة تشرف عليها سلطة داخل سوريا، وتقوم الفكرة على دعم الأطراف المعتدلة لإنشاء تلك المناطق الآمنة، وسوف تتولى قوات سورية حماية تلك المناطق، فيما تبقى قوات غربية في مناطق أكثر أماناً، وتشرف على تطبيق تلك الخطة».
وتشير الصحيفة إلى أن تلك المحميات سوف تنتج مناطق محكومة ذاتياً، بحيث تكون بمنأى عن أن تحكم ثانية من قبل الرئيس الأسد، وقد يعتمد الهدف المؤقت على إقامة كونفدرالية سورية تلقى دعماً من قوات حفظ سلام دولية.
وتقول «كاونتر بانش» أن تلك هي خطة إدارة أوباما للإطاحة بالرئيس السوري، وتحويل سوريا إلى دولة فاشلة محكومة من قبل أمراء حرب إقليميين، ومتشددين إسلاميين، وأكّد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، تلك الخطة المشؤومة في كلمة ألقاها في معهد "كارنيغي" للسلام الدولي قبل أسبوع، حيث قال «في شمال سوريا، تمكن التحالف وشركاؤه من طرد داعش من مناطق تزيد مساحتها عن 17 ألف كيلو متر مربع، وقد أعطى الرئيس الإذن بتأمين الباقي». وهنا تسأل الصحيفة «لماذا سمح أوباما بتنفيذ عمليات أخرى لتأمين باقي المنطقة؟».
وتقول «كاونتر بانش» أن السبب يعود في ذلك «لأنه لا أحد في واشنطن يعتقد الآن بأن القوات المدعومة من الولايات المتحدة ستكون قادرة على مقاومة قوات تحالف تقوده روسيا، ولذا انتقل أوباما لتطبيق الخطة "ب"، وهي إنشاء محميات داخل الأراضي السورية بمحاذاة الحدود السورية التركية، حيث تستطيع الولايات المتحدة وشركاؤها مواصلة تسليح وتدريب ونشر من يدعمونهم من قوات داخل الأراضي السورية، متى شاء لهم ذلك، ولا شك بأن قوات أوباما الخاصة سوف تشرف على هذه العملية، ولكي تضمن أن كل شيء يسير وفق ما هو مرسوم له».
وتلفت الصحيفة لدور المسلحين الأكراد في هذه الإستراتيجية، وتقول بأن الولايات المتحدة ألقت في الآونة الأخيرة من طائراتها بكميات من الأسلحة والذخيرة لقوات حزب الاتحاد الديموقراطي "بي واي دي"، على أمل أن تساعد تلك القوات الولايات المتحدة في تأمين المنطقة الواقعة على طول الحدود الغربية لنهر الفرات، مما سيؤسس لجيب آمن على الأراضي السورية. لكن أردوغان يعارض بشدّة تلك العملية التي سوف تسهل إنشاء دولة كردية معادية لتركيا على الجانب السوري من الحدود.
وهنا يبرز تساؤل بشأن كيفية حل هذه المعضلة، فهل سيبقى أوباما في صف الأكراد أو يعود للإصطفاف مع أردوغان في مقابل دخول القوات البرية التركية المعركة؟
وفيما لا يملك أحد الإجابة، تقول «كاونتر بانش» بأنه من المؤكد أن التحالف التركي الأمريكي سيكون أكثر تماسكاً وصلابة من تحالف بين الأكراد والأمريكيين، وبالعودة لتاريخ واشنطن الطويل في اختيار أكثر الحلول تأميناً لمصلحتها ومنفعتها، فإنه من المتوقع أن يصطف أوباما مع أنقرة.
وتختم الصحيفة بالقول أن مثل تلك التطورات قد تدفع بوتين للتحرك بسرعة من أجل إغلاق الحدود وتخريب خطة أردوغان، وربما يحتاج الرئيس الروسي لنشر قوات روسية خاصة، وفرق مدرعة شمال سوريا، بهدف منع المغامرة الأمريكية التركية، وتحسباً من تحول حربه وتدخله في سوريا إلى مستنقع لن يعرف كيف يخرج منه.
عن بيروت نيوز