«ليست فكرة ارتجالية بل تعكس رؤيتنا الثابتة حول ضرورة توحيد الجهود لمكافحة تمدُّد الإرهاب». هكذا علّق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على اقتراح تشكيل تحالف إقليمي يضم تركيا والسعودية والأردن والنظام السوري لمواجهة تمدُّد «داعش».
كان لافروف يرى التساؤلات على وجوه الصحافيين في شأن «غرابة» الفكرة كما قال ديبلوماسي عربي. وكان يدرك أن موقف زميله نظيره وليد المعلم لا يُحسد عليه. فالأخير استُدعِيَ على عجل إلى موسكو ليؤيد اقتراحاً يبدو من الصعب تسويقه داخلياً، بل حتى لدى ما تبقى من حاضنة اجتماعية عند النظام. فالمطلوب أن يتحالف النظام الذي حارب «المؤامرة العالمية الكبرى» لسنوات مع مَنْ يتّهمهم بالتورُّط، ناهيك عن أن الاقتراح لم يُطرح مسبقاً للتشاور مع النظام، ووجد المعلم نفسه يقول أن روسيا «بلد المعجزات»!
ما إن أعلنت موسكو «مبادرتها» التي حملها لافروف إلى نظيره الأميركي جون كيري في فيينا، حتى انطلق سيل من التأويلات والتوقعات، وبات السؤال المطروح: هل تنجح روسيا في تسويق مبادرتها؟ لكن خبراء في روسيا يعتبرون أن السؤال الأساس كان يجب أن يُطرَح بالصيغة الآتية: هل هي مبادرة أصلاً أم مناورة ظرفية؟
على الأقل، يكاد المحلّلون الروس القريبون من مطبخ القرار السياسي يُجمعون على أن الفكرة لم تُطرَح لتأخذ طريقها إلى التنفيذ، بل لتفتح أبواباً للحوار مع واشنطن وعواصم أخرى. رئيس معهد الاستشراق ورجل «المهمات الخاصة» لدى الخارجية الروسية، فيتالي نعومكين رأى أن واشنطن لن تتحمّس لـ «المبادرة» مثل العواصم الإقليمية، ما يعني أن الفكرة «مولود ميت». والأهم في رأي الخبير الروسي أن تحركاً من هذا النوع يتطلب وقتاً طويلاً لتتضح مجالات تحوُّله إلى عملية سياسية قابلة للحياة، بينما تنظيم «داعش» يندفع بخطوات سريعة جداً على الأرض.
خبراء روس خرجوا من الفكرة بأسئلة لا تخلو من التشاؤم والغمز، إذ قال بعضهم أن نشاط التحالف ضد الإرهاب أدى إلى نتائج عكسية حتى الآن، ما يدفع إلى مخاوف من أن يُضاعف توسيع التحالف الآثار الكارثية، بينما اعتبر الخبير أندريه سوزدالتسيف في مقابلة نشرتها صحيفة حكومية أن ليس مفهوماً أن تطرح روسيا المبادرة وهي تعلن ليلاً ونهاراً أنها لن تنضم في أي حال إلى تحالف تقوده واشنطن. وزاد أن روسيا لن ترسل طائرات أو مقاتلين إلى أي طرف، لأنها لن تدفع أثمان أخطاء الآخرين، أياً تكن الدوافع. وتساءل محللون آخرون لماذا لم تقترح موسكو إضافة إيران إلى لائحة الدول المدعوة إلى التحالف، على رغم امتلاكها أوراقاً أكثر من غيرها في سورية؟
يقود هذا التشكيك إلى تساؤل عن دوافع روسيا لإطلاق المبادرة – المناورة، وفق وصف مصدر، قال أن موسكو تسعى إلى نقل الكرة إلى ملعب الأميركيين، عبر الإشارة إلى أن النظام السوري تعامل في شكل إيجابي مع فكرتها، وعلى واشنطن أن تضغط على حلفائها ليقبلوا بالفكرة، وهو أمر يبدو مستبعداً… ما يعني تحميل الطرف الآخر مسؤولية تفاقم المشكلة في الحد الأقصى، أو تخفيف الضغط عن النظام في الحد الأدنى. في المقابل، قال ديبلوماسي روسي لـ «الحياة» أن موسكو قد تذهب نحو الدعوة إلى مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب في سورية، تحضره الأطراف المدعوّة إلى التحالف، إذا وَجَدَت تقبُّلاً للفكرة لدى واشنطن والعواصم العربية. وتعني هذه الفكرة إعادة تسويق النظام دولياً، بعدما خسر الكثير بسبب التطورات الميدانية أخيراً.
Views: 9