يخجل القلم حين يبدأ بكتابة ما يجري الآن في الأحداث السورية خاصة , والعربية بشكل عام , ما يجري فاق ما يستطيع العقل البشري إدراكه , لم يكن لأحد أن يتخيل أن من الممكن لأفلام الرعب المصممة في هوليوود تُمثل على أراضينا ونكون المسرح الاكبر , ونحن لسنا سوى أدوات وقرابين لإخراج فيلم أميركي ناجح ب إمتياز لم يكن لأحد أن يتخيل جاره , صديقه على مقاعد الدراسة سوف يطعنه في الخلف ويقتله ويجتث من دمه لإشباع طائفيته وغريزته الوهابية لم يكن لأحد أن يتخيل أرض الياسمين صاحبة الغوطتين ستصبح أرض دمار ودخان لم يكن أحد ان يتصور موت الشباب سيضحى أمر معتاد وروتيني دمشق , عاصمة الياسمين تحولت لعاصمة الخراب , واحسرتاه على هذا الزمن ذلك اليوم من واقع دمشق في الثالث والعشرون من شهر شباط عام 2015 , ذلك اليوم من ايام دمشق الدموية ذو الصباح البارد المقيت والقاسي وعدم توفر ادنى وسائل التدفئة , لم يتوانى رجال الله في الميدان على الوقوف لحماية كل شبر من هذه الارض المقدسة لكن ذلك اليوم بدا هزيلاً خجلاً بما سيفعله , شمس باردة أصدرت أشعتها اللئيمة على ارض دمشق , الطيور لم تكن على طبيعتها لم يجلس اي طائر فوق بيوضه , بل بدا شارداً غائياً في شوارع المدينة الحزينة , السماء باكية تارة , وتارة رمادية ,صباح خجول متألم , اشجار بلا اوراق هزيلة متعبة حالها كحال جميع السوريين , ووجوه كئيبة هياكل دون ارواح هائمة لا تعرف مصيرها , دمشق ذات الطرقات المزدحمة وكأن الحياة تشرق من جديد وطرقات اخرى خالية كأنها مدينة اشباح , لم يكن ك بقية الايام بدأ وبدأت معه الاحداث الجريحة الدامية ها هي سيارة اجرة في الافق متقدمة بداخلها امراة ورجل وطفل كأي سيارة لعائلة سورية فقيرة , آتيه من طرف المدينة المهجورة ورجل مع رفاقه ذو جبين عال وشموخ لا يوصف , واقف كطير باشق ذو عيون حادة ومسحة الصفاء والطيبة على جبهته مع الابتسامه التي لا تفارق شفاهه في الطرف المزدحم والمشرق من المدينة دخلت السيارة بين الناس كأي سيارة طبيعية عابرة , وذاك الشاب يقف مع نظرة عينه الثاقبة منتظر واذ بهاتفه يرن " ألو : صفاء .. الحمدلله انا بخير , هل الجميع بخير ؟ .. الحمدلله انني مشغول الان اراكي مع امي وابي وابنتي في المساء .. اغلق هاتفه وبكامل حواسه يتتبع اخبار سيارة الاجرة الاتية دون ان يعلم انها ستحمل مصيره وقدره تقدمت السيارة عابرة لجميع حواجز الجيش بأمر منه .. واخيرا وصلت لقربه , واتى ذاك الصوت من بعيد , سيدي اطلق النار السيارة مفخخة رفع يده لاعطاء امر الاطلاق ليحمي وينقذ اكبر عدد ممكن من الارواح البريئة , لكن عينه الحنونة رأت ذاك الطفل في السيارة خفق قلبه بسرعة وتذكر ابنته الموعود برؤيتها في المساء , اسدل يديه وامر الامرأة والطفل بالخروج والابتعاد عن السيارة لكن الارهاابيين لا يعرفون ما هي الانسانية , ولا يعلمون من هو الله ولا يفقهون شيئاً عن الحياة الذي اكرمنا بها رب العالمين تنحت الامرأه مع ابنها ذي الوجه اللئيم الحاقد , لتنفجر السيارة اول انفجار والثاني , وسقط الايهم شهيداً بطلاً مدافعاً عن مقام حفيدة رسول الله السيدة زينب عليها السلام, سقط على اسوار بطلة كربلاء وكأن صوتها سُمع في ارجاء ذاك الضجيج حين احست على اخيها عازم على الموت مصمم على الشهادة " واثكلاه , وا حزناه , واحسيناه " سقط ذاك البطل , ذاك الرجل بالف رجل , سقط الايهم ومن الايهم , صاحب القلب الطيب الشجاع , جندي من اجناد الله المبشرين في الارض , شهيد الحق والوعد الصادق , الحنون,ااكبر اخوته عراب وراعي العائلة , استشهد وهو يؤدي واجبه الانساني والوطني , مدافعاً بطلاً ايهم يا ذو الفقار الوطن , ويا غصة عائلتك , يا نجمة تبرق في السماء , تتجلى ابتسامتك بوجه طفلتك الصغيرة المنتظرة عودة ابيها في اي مساء , وبيدي زوجتك الحاضنة لوجعها الكابتة لالمها , وتظهر ملامحك على وجه امك الحزين ودمعتها الخجولة المقهورة , وشجاعتك واقدامك في قوة ابيك الخارجية , وضعفه الداخلي مع رأسه المرفوع بهذا الوسام المعلق على صدره , وتظهر ذكرياتك كل دقيقة في جوف اخوتك , ورائحة عطرك تتناثر بين الحين والاخر في زوايا منزلك الفاقد لصاحبه يعجز الوصف كتابة بطولة وانسانية ذاك الايهم , وكم من ايهم سقط على هذه الارض الطيبة ليروو بدمائهم بذور مستقبل حر مستقبل مليء بالشرف والعز لابنائهم تلك البطولات العظيمة سيخلدها التاريخ على اغلفته وستزول الخطط الوهابية الجهنمية الى مستنقعات الماضي العفن لم يدرك ذاك المخرج الاميركي ان هذه الدماء الطاهرة ليست كأي دماء وليست هذه لارض كأي مسرح عابر من صنعه ولم يدرك ان هذه البلاد لها تاريخ مشرف وعريق كتب بدماء ابنائها ودموع الامهات وانين الفاقدين , لم يدرك ان لها ابناء ك الايهم يبجلونها ويحمونها بجسدهم باموالهم باولادهم رحمة الله على جميع الشهداء , على من دافع وقاتل على من سخر نفسه لخدمة رسالة الانسانية وطهارة الارض والوطن انتم القديسين والشموع التي ستنير لنا هذا الواقع المظلم , سلام على تلك الارواح المستعارة من الجنة , قاتلتم استشهدتم وعدتم لمكانتكم خالدين منعمين في جنان الله
بقلم : ظلال تركي صقر..
Views: 7