كتب المحرر السياسي:
فقد الخطاب السعودي أيّ قيمة في السماع على رغم دويّ الانفجارات الناجمة عن مواصلة طائراته قصف أحياء صنعاء، وعلى رغم ضجيج البيانات الحكومية السعودية من ملاحقة متمرّدين وقصف مستودعات ذخيرة ومنصات إطلاق صواريخ، فقد شكل البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالدعوة إلى الحوار اليمني في الرابع عشر من الشهر الجاري، على قاعدة الاعتراف بوجود فريقين يمنيّين متساويين ومتقابلين وبلا شروط مسبقة، واحد يمثل من جمعتهم الرياض عندها حول الرئيس المستقيل منصور هادي، وآخر يمثله الحوثيون وحلفاؤهم ومن بينهم فريق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومن دون قيامهم بالتعهّد بتنفيذ أيّ شروط أو تقديم أي تنازلات، وهم الفريق الذي صنّفته البيانات السعودية مع إعلان حربها وعاصفتها بين من لا دور له في الحلّ السياسي ومن لا شراكة له في الحوار إلا بشروط الإذعان والاستسلام.
عملياً خاضت السعودية تجربة تموز «الإسرائيلي» بين آذار وحزيران، وجاء موسمها بالنتائج «الإسرائيلية» نفسها وبالوسائل «الإسرائيلية» نفسها، وذلّ البحث عن مخرج، وتسوّل طريق خروج من المأزق، وكان الفارق فقط بين ثمرة «إسرائيلية» ناضجة للهزيمة لم تصمد فيها المكابرة أكثر من ثلاثة وثلاثين يوماً، بينما أنهك السعوديون الشعب اليمني طوال سبعين يوماً وما بقي حتى إعلان الهدنة ووقف النار قد تصل مدة الحرب معها إلى الثمانين يوماً، والهدنة قريبة وفقاً لما أوضح ممثل روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين الذي دعا إلى هدنة عاجلة، بينما قال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، إنّ مساعدات روسيّة عاجلة ستصل إلى اليمن في غضون أسابيع.
غاتيلوف أعلن أنّ مسارات الحلّ السياسي يجب أن تتسارع في ملفات الشرق الأوسط، لأنّ العنف يوفر البيئة المناسبة لنمو الإرهاب، كاشفاً عن رغبة المشاركين في حوار موسكو من الحكومة والمعارضة في سورية بعقد جولة ثالثة من المحادثات.
في المقابل سجل لبنان خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء، في مقاربة الملفات الساخنة، فقرّرت الحكومة في خطوة بدت أكثر من ضرورية وملحة منح الجيش اللبناني التفويض اللازم لدراسة وضع عرسال ومخيمات النازحين واتخاذ التدابير اللازمة، وهذا لا يمكن أن يحدث وفقاً لمصادر مطلعة، خصوصاً بعدما كان رئيس الحكومة في زيارة خاطفة إلى السعودية من دون قرار دولي إقليمي، خصوصاً أميركي سعودي، يسمح بتقييد «جبهة النصرة» ومنعها من استعمال لبنان كمنصة للضغط على حزب الله، بعدما صار الضغط على سورية أصعب مع تقدّم معارك جرود القلمون وعرسال في غير صالح «النصرة»، ووجود عزل لقواتها المتمركزة في عرسال عن الجبهات السورية.
وفقاً للمصادر نفسها، أن يعود الرئيس سلام من زيارة يوم واحد من السعودية، ويطرح الأمر في مجلس الوزراء ويخرج وزير الإعلام ليؤكد أنه طرح الرئيس سلام، فذلك يعني أنّ الزيارة ربما كانت كلها مخصصة لبحث هذا القرار، وما لا يمكن نفيه هو أنّ قراراً بهذا الحجم غير ممكن المرور، من دون تأشيرة سعودية لتأثيره المباشر على الحرب التي تقودها السعودية وتركيا على سورية والمقاومة، والتي تشكل عرسال رئة التنفس فيها للجماعات المسلحة وفي طليعتها «جبهة النصرة» التي باتت آخر أحصنة الرهان السعودية التركية، وباتت عرسال آخر وأهمّ قلاعها لتفجير فتنة مذهبية والعبث بأمن لبنان واللبنانيين واستنزاف حزب الله وبيئته الحاضنة، وقرار الحكومة يعني إغلاق هذه البؤرة ضمن تبدّل في النظرة السعودية، لا يمكن أن تكون واشنطن بمنأى عنه، بينما كان كلّ التحضير والتعبئة من جانب تيار المستقبل قبل القرار يشير إلى توجه سعودي تصعيدي لتكرار تجربة عرسال الأولى بتحصينها في وجه الجيش تحت شعارات مذهبية بدأت ماكينة المستقبل بشحذ سكاكينها استعداداً لها منذ الأسبوع الماضي.
الحكومة وخطوتها إلى الأمام في عرسال، قابلتها خطوتان إلى الوراء في ملف التعيينات، فبعدما تخطت الحكومة تحذيرات العماد ميشال عون من الهروب من مسؤوليتها ودعوته لها إلى تعيين قادة بالأصالة لمنصبي قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي وسواهما من المناصب التي يشغلها قادة بالوكالة أو بالتمديد، قرّرت الحكومة التهرّب من هذه المسؤولية، فكانت خطوتها الأولى إلى الوراء التي سترتب وضعاً حكومياً حرجاً هو أقرب الشلل، على رغم عدم وضوح طبيعة الردّ النهائي للتيار الوطني الحرّ، خصوصاً بعدما قال وزراء ونواب من التيار إنهم لا يرون بصيص أمل للخروج من هذا النفق، الذي شكلت الخطوة الثانية فيه إلى الوراء ما تسرّب عن قيام وزير الداخلية نهاد المشنوق بتمديد ولاية مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص لسنتين.
Views: 9