كان ياماكان في قديم الزّمان حصّة مخصصة للخط العربي في المدارس، يتعلّم فيها تلميذ المرحلة الابتدائية تحسين مهاراته في رسم حروف لغته الأم التي يستخدمها في حياته اليومية ويتلاعب بمفرداتها ومعانيها كما يشاء، وفي قديم الزمان ذاته كان للخط درجات فمن سارت يداه بسلاسة وإحساس نال درجة عالية، أما من خانته أنامله البريئة نال درجة أقل ليدرك أهمية هذه الحروف وأصالتها ويسير على خطا زملائه.
اليوم، وفي زحمة التّقنيات الالكترونية من هواتف جوّالة وحواسيب وما يرافقها من قطيعة للأقلام، صارت الأزرار البلاستيكية أو اللمسية تطبع الحروف من دون التفكير بها وبجماليتها ولا أهمّيتها، ومعها ضاعت جمالية الحرف العربي وهويته العربية، يزيد الطّين بلّة الأخطاء اللغوية والكتابية لبعض الحروف نقصد هاهنا التّشويه اللغوي واللفظي الذي نشاهده على صفحات التّواصل الاجتماعي، وصار المهتمون بجمالية الخط العربي المجرد من اللون قلة قليلة بالكاد تعدّ على الأصابع، طبعاً نستثني هنا اللوحات الحروفية التي يبدع بها التشكيليون السّوريون، ولعل السّينمائي العتيق محمود حديد واحد من الخطاطين القلة الذين حافظوا على هوية الخط العربي واستمروا في هذا المجال حتى يومنا هذا، يقول: دخلت السّينما كخطاط أرسم الأفيشات والدعايات، ولما رأيت أنّ الخط لا مردود فعلي له، اتّجهت إلى السّينما وأبدعت حتى صرت شيخ كار السينما بجمع الأجهزة والاحترافية بالصيانة، ربّما أنا أقدم الخطاطين في سورية المتبقين على قيد الحياة وآخر رعيلهم.
يضيف: حافظنا على الخط العربي لأنّه يدلّ على حضاراتنا ويكفي أنّه لدينا ثمانية عشر نوعاً للخط، نحن نختلف عن كلّ الدّول بأنّ لنا المدرسة الشامية التي يتربع قمتها الخطّاط المرحوم بدوي الدّيراني الذي كتب الخط بروح شامية فكان له بصمته الخاصّة، حيث يمكننا التّعرف على لوحاته من دون أن نرى اسمه عليها.
وخلال المعرض الذي أقامه شيخ كار السينما في سورية وشيخ الخطاطين في المركز الثّقافي العربي بـ”أبو رمانة” اختار محمود حديد ثلاث وستين لوحة ليعرضها من بين ألف لوحة كتبها خلال عام، وتنوّعت مواضيع اللوحات الخطية بين آيات قرآنية وأحاديث شريفة وابتهالات وأقوال مأثورة وأحاسيس تدلّ على روحانية الكتابة، يضيف حديد: كتبت الخط المغربي والجزائري وكتبت عن الخطاط الديراني أيضاً.
يلتزم الخطاط حديد باللون الأسود في كتاباته على خلاف خطاطي هذه الأيام، يقول: لكي تحافظ اللوحة الخطية على قيمتها الأثرية وتاريخها يجب أن تكون بلون واحد، نحن نركّز على عظمة الحرف، حالياً إذا أدخلنا ألوان تضيع الأصول، المعروف أنّ الخطاط فنان لكن العكس ليس صحيحاً، الفنان لايكتب خطاً لكن بإمكان الخطاط أن ينجز لوحة جميلة، منوهاً أيضاً بأنّ من يكتب على الحاسوب لايشعر بقيمة الحرف أو جماليته فالحاسوب يعطي حرفاً ميتاً.
وحتّى لايموت الحرف العربي تمنّى الخطاط محمود حديد على المسؤولين تشجيع الطلاب والدّارسين على كتابته وإعادة معاهد الخط العربي إلى دورها وتقديم جوائز تقديرية للخطاطين المتميزين، مؤكداً أن البداية تكون من المدارس.
Views: 3