القديس حنانيا هو إحدى الشخصيات الواردة في الكتاب المقدس ففي أعمال
الرسل (1:9-26 و22 : 4-16) يذكر حنانيا كشخص دمشقي من أصل يهودي . ولما
عمد شاؤول الطرسوسي كان قد سبق هو وتنصر وكان يتمتع بشهرة وتقدير عظيمين
في كنيسة دمشق الفتية وله كشف السيد المسيح المهمة التي عينها الله لرسول
الأمم فأعظم شهرة القديس حنانيا أنه قبل في الكنيسة الناشئة شاؤول الذي
كان يضطهد الكنيسة وعلمه مبادئ الدين المسيحي .
ويؤكد لنا التقليد الشرقي أن حنانيا كان أحد تلاميذ المسيح الاثنين
والسبعين الذي يكلمنا عنهم القديس لوقا (10 :1) وأنه قدم إلى دمشق بعد
رجم القديس استفانس ثم رسمه الرسل أسقفا ً لكنيسة دمشق .
كان حنانيا يبشر بالأيمان المسيحي البلاد السورية لما قبض عليه الحاكم
الروماني ليسينيوس وحكم عليه بالموت ومات حنانيا مرجوما ً بالحجارة خارج
سور دمشق في اليوم الأول من شهر تشرين الأول ونقل المسيحيون جثمانه إلى
داخل المدينة .
أما عن بيت القديس حنانيا فانه معترف به عند الجميع منذ القدم انه في
مدينة دمشق القديمة داخل السور ومنذ القدم تحول هذا البيت إلى كنيسة
الصليب . إننا نجهل تاريخ هذا التحول ولكنه أكيدا ً قبل الفتح الإسلامي
(636) .
وفي المجلة العلمية سورية العدد الخامس 1924 ورد أن الكونت أوستاش دى
لوريه مدير البعثة الأثرية في سوريا قد قام بحفريات سنة 1921 في مدينة
دمشق في منطقة كانت تعرف باسم حنانيا بالقرب من الباب الشرقي كانت هناك
كنيسة باسم كنيسة الصليب المقدس أو بالأحرى المصلية أحدى الكنائس التي
سمح وليد الأول للمسيحيين باستعمالها بدلا ً من الجامع الكبير أن السيد
دى لوريه أكتشف موضوع الهيكل وحفرياته أظهرت أن هذه الكنيسة كانت سابقا ً
هيكلا ً وثنيا ً كما تشهد على ذلك كتابة يونانية وجدة بالحفريات تقول :
إلى إله دمشق السماوي وهيكل حيث يرى ثور محدوب تحت بلوطة .
وفي نفس المجلة العدد السادس 1925 يحدد أن هذا الهيكل الوثني هو للقرن
الثاني أو الثالث بعد المسيح .
أن اكتشاف هيكل وثني في مكان عبادة للمسيحيين ليس بأمر غريب فالتاريخ
يخبرنا أن الإمبراطور أدريانوس 117-138 بنى هياكل وثنية على جبل الجلجلة
وفوق مغارة بيت لحم خصوصا ً لإبعاد المسيحيين عن هذا المكان المقدس ليس
إلا إثبات لوجود زيارة مسيحية قديمة وتثبت أيضا ً أنها كانت كنيسة
بيزنطية تحولت بعدها إلى جامع فتحول أماكن العبادة في الشرق من مذهب
لمذهب في نفس المكان ما هو إلا برهان واثبات قوي أن ذلك المكان هو حقيقة
مكان عبادة .
وبعد بضعة قرون يتكلم أحد الكتاب العرب ابن عساكر 1105-1176 عن كنيسة في
دمشق باسم الكنيسة المصلية أي كنيسة الصليبويقول أن هذه الكنيسة هي قرب
السور بين باب توما والباب الشرقي وأنها هدمت نحو سنة 700 وعن بيت حنانيا
يتكلم أيضا ً الراهب الفرنسيسكاني بوجيبو نسي سنة 1374 قائلا ً أنه على
أيامه كانت قد تحول إلى جامع .
وبعد بضعة سنوات أي سنة 1363 يقول الكاتب العربي ابن شاكر أن الخليفة
وليد الأول 702-712 أعطى المسيحيين خربة كنيسة الصليب بدلا ً من كنيسة
القديس يوحنا المعمدان التي حولها إلى جامع أي الجامع الأموي الحالي .
والأب بونيفاس دى راكوسا حارس الأرض المقدسة زار هذا المكان في القرن
السادس عشر ويقول : أنه ينزل إلى هذه الكنيسة بعدد من الدرجات وفي أول
القرن السابع عشر الأب كواريسميو الفرنسيسكاني هكذا يصف بيت القدس حنانيا
:
هذا البيت موجود في القسم الشرقي من المدينة وهو بيت تحت الأرض ينزل إليه
من الجانب الشرقي من باب ضيق ودرج وهو مثلث الشكل وضيق جدا ً طوله من
الجانبين عشرين قدما ً وعرضه عشرة ويدخله النور من أعلى من نافذتين
مدورتين .
وفي سنة 1630 يثبت الأب أنطونيو ديل كاستيليو الفرنسيسكاني أن بيت القديس
حنانيا مكرم من قبل المسيحيين والأتراك المسلمين .
في سنة 1820 أستملك الآباء الفرنسيسكان التابعون لحراسة الأرض المقدسة
هذا المكان المقدس وبنوه وكرسوه للعبادة .
أما هذا البناء كله فقد هدم في ثورة 1860 وفي سنة 1867 أعيد بناء هذا
المعبد وفي سنة 1973 رمم على الشكل الحالي وبيت القديس حنانيا هو عبارة
عن مغارة مكونة من غرفتين من درج ذي أحدى وعشرين درجة . وهذا الوضع هو
بسبب ارتفاع الأرض بسب الهدم والردم أثناء عشرين قرنا ً في هذه البقعة
الصغيرة من المدينة وهذا الوضع يمكن مشاهدته في الباب الروماني الباب
الشرقي .
وبيت القديس حنانيا الحالي الذي يعرضه الآباء الفرنسيسكان اليوم على
الزائرين للعبادة هو بدون شك جزء من الكنيسة البيزنطية كنيسة الصليب
المقدس للجيل الخامس والسادس التي اكتشفها دى لوريه أثناء حفرياته .
وتحديد هذا المكان المقدس هو مطابق من جميع النواحي لاعتراف المسيحيين به
منذ أوائل المسيحية بأنه بيت القديس حنانيا أول أسقف لمدينة دمشق .
عبد الرحمن جاويش
Views: 9