السقوط المدوي للمشروع السعودي!

بقلم الدكتور تركي صقر
أحسنت إحدى الكاتبات صنعا عندما عنونت مقالتها "الدعوة السعودية : اتحاد أم مرض توحد ؟"
وتساءلت : هل تعاني المملكة العربية السعودية من مرض التوحد؟ وأضافت : …كثيرا ما تُفهم الدول من خلال سلوك الافراد، وفي العادة فإن سلوك الفرد يحدد طباعه وأمراضه. لا يسمع مريض التوحد محدثه، فيفقد الاتصال بالآخر وينكمش على نفسه، ونراه يكرر السلوكيات والحركات نفسها. وعلامات المرض تبرز بوضوح في السياسة السعودية، لا نصائح تتقبلها او تسمعها المملكة، وفي حين يتقن جيرانها فن التواصل مع الخصوم، تفقد المملكة حتى قدرة ملاقاة الجار في مد يده، أما عن تكرار السياسات فحدث ولا حرج عن دعم للتطرف وتهويل بمشروع الاتحاد الخليجي !
وانا اضيف هنا ان المملكة العتيدة اصيبت بالخرف وليس التوحد فقط حيث أضاعت مملكة السعوديين المتخبطة في توجهاتها وقراراتها وافكارها العقيمة البوصلة السياسية فتوالت الصفعات التي تلقتها في الآونة الاخيرة من صدمة إلغاء العدوان العسكري الامريكي على سورية الى مفاجأة الاتفاق النووي الايراني مرورا بغصتها وفشلها في احتواء مصر واليمن وباقي مايسمى دول الربيع العربي الى ان كانت الصفعة الاشد التي جاءت من داخل البيت الخليجي نفسه عندما احبطت سلطنة عمان الدعوة السعودية الى الانتقال بدول مجلس التعاون الخليجي الى الاتحاد والتي كانت على رأس جدول اعمال قمة المجلس التي عقدت في الكويت قبل ايام .
ولعل قوة الصفعة العمانية اتت من قوة صراحتها ووضوحها عندما أعلن يوسف بن علوي وزير الشؤون الخارجية العماني بجملة واحدة : "نحن ضد الاتحاد" وذلك خلال مؤتمر للامن الاقليمي على هامش مشاركته في "منتدى حوار المنامة"، قائلاً إن بلاده ضد قيام الاتحاد الخليجي الذي تطرحه السعودية، مهدداً بالانسحاب من المجموعة في حال قيام الاتحاد.
وسرعان ما ظهر الخرف السياسي ومرض التوحد السعودي على لسان الرئيس السابق للمخابرات السعودية تركي الفيصل خلال المؤتمر نفسه مؤكداً أن "الاتحاد لا محال منه ويعود لهم (العمانيين) ان يقرروا ما اذا كانوا يريدون ان ينضموا الان او لاحقا ..
كما تجلت قوة الصفعة العمانية في توقيتها فالمملكة في الوقت الراهن هي أحوج ماتكون للاتحاد الخليجي من اجل الاستقواء به في الرد على الاتفاق النووي الايراني الذي كان مفاجئا لها والتحصن بدول الخليج ككتلة موحدة لمواجهة العزلة الاقليمية والدولية لتي بدأت تطوق السعودية نتيجة سياساتها الداعمة علنا للارهاب التكفيري المتناغم مع تنظيم القاعدة اضافة الى ان الاتحاد يعطي السعودية سلطة الالزام السياسي على اعضائه كأكبر دولة فبه بعد ان ظهرت بوادر الاختراق الايراني لدول الخليج نتيجة تغيير الموازين لصالح إيران التي بدأت السعي لتكثيف طوقها الدبلوماسي حول السعودية، بغية فك الاشتباك معها في أفضل الأحوال أو الضغط دبلوماسياً في أسوأها.. فمن خلال العلاقة الجيدة مع سلطنة عمان أعادت طهران خطوطاً جيدة مع عدد من دول الخليج خصوصاً بعد الاتفاق النووي مع الغرب، كانت الإمارات المختلفة أصلاً مع إيران على ثلاث جزر أول من هنأ طهران بالاتفاق ثم كرت الحلقات وذهب وزير الخارجية الإيراني لزيارة عدد من الدول الخليجية، وحتى انه طلب مراراً زيارة السعودية التي لم تجرؤ دبلوماسيتها المتحجرة على الاستجابة حتى الآن .
لم يكن كثير من المتابعين يتوقعون ان تخرج السلطنة عن صمتها وهدوئها الديبلوماسي والسياسي المعروف وتأخذ موقفا اعتراضيا حادا وعلنيا في وجه دعوة المملكة السعودية الى الاتحاد الذي كان هو هدف الرياض من وراء تشكيل مجلس دول التعاون الخليجي اصلا منذ عام 1980 لكي تقف هذه الدول موقفا موحدا ضد ايران بحجة منع امتداد ثورتها ولدعم النظام العراقي آنذاك في القضاء عليها واستمرت في تخويف دول الخليج منها والعداء لها ودأبت على التلويح بالانتقال من التعاون الى الاتحاد الاندماجي كلما رأت تناميا في القوة الايرانية واسقاط عمان المدوي للمشروع السعودي باقامة الاتحاد الخليجي ليس مجرد اعتراض طارئ على فكرة الاتحاد فحسب وانما اعتراض شديد على سياسة حكام السعودية الاستعلائية والاستفزازية ايضا وتعبير عن امتعاض عماني وخليجي متراكم يعلن بأعلى صوت انه طفح الكيل وانه لم يعد ممكنا تحمل هذه السياسة المتخلفة الخشيبة .. ومهما قللت ماكينة الاعلام السعودية من هذه الخطوة فانها ستترك آثارا كبيرة وعميقة منها :
1- فقدان المملكة القدرة على وضع دول الخليج تحت عبائتها وربما تشجع الخطوة العمانية دول خليجية اخرى على التمرد ورفض الاملاءات السعودية وهناك بدايات ظهرت في الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي من قبل الكويت وقطر والامارات التي وافقت على شطب بند اقامة الاتحاد بلا تردد من جدول اعمال الدورة مما وجه في هذه الظروف الحساسة والقلقة التي يعيشها حكام السعودية بعد الاتفاق النووي الايراني ضربة قاصمة لاحلامهم في الاستمرار بلعب الدور الاول والمحوري في الخليج والمنطقة ولاسيما بعد تواتر الاخبارعن فتور العشق الامريكي للسعودية .
2- اهتزاز صورة ومكانة السعودية بشكل خاص وصورة مجلس التعاون الخليجي بشكل عام وخروج خلافات اعضائه الى العلن مع احتمالات تشظيه وتفككه وانهياره وهو ما يؤدي الى شطبه من حسابات القوى الكبرى ويقلل من اهميته وتأثيراته في قرارات المنطقة ولعل عدم اعطاء الولايات المتحدة للسعودية او باقي دول المجلس اي دور في الاتفاق النووي الايراني يؤسس لمرحلة طويلة من تجاهله واشراكه في المتغيرات السياسية الكبيرة المقبلة على الصعيدين الاقليمي والدولي .
3- اضحت فكرة الاتحاد بين اعضاء مجلس التعاون الخليجي بعد الاعتراض العماتي الشديد غير واردة على المدى المنظور على الاقل كما اضعفت اللاءات العمانية الثلاث : لا للاتحاد ولا للعملة الموحدة ولا لتوسعة درع الجزيرة اي فعالية للمجلس وفرغته من محتواه وحولته الى مشروع اجوف لاقيمة له وهو ما ينسف الفكرة التي قام على اساسها وهي التعاون والتكامل وصولا الى الاتحاد .
4- افشلت الخطوة العمانية التي صدمت حكام السعودية مشروعهم القائم على توجيه كل العداء لايران وزج كل طاقات دول الخليج ضمن الاتحاد الذي استمات المملكة لتحقيقه في اتون هذا العداء الذي ارادته المملكة حربا طائفية ومذهبية على ايران وفي عموم المنطقة واستبدال العدو الاسرائيلي بالعدو الايراني ونبش واستحضار جميع مخلفات التاريخ حول الصراع العربي الفارسي والصفوي التركي لتأجيج نار الحقد على الايرانيين .
من هنا لانستغرب تعالي اصوات خليجية في الامارات وقطر والكويت وحتى في البحرين تجهر بان الالتحاق بالسعودية يعد انتحارا سياسيا .. لكن الانتحار الاكبر الذي ينتظر السياسة السعودية المتخبطة سيكون فيما اذا نجح قسم من امراء العائلة الحاكمة بدافع من حقدهم وفشلهم وعلى رأسهم بندر في جر المملكة الى تحالف شيطاني وعلى المكشوف مع الكيان الصهيوني للاستقواء به كورقة اخيرة لشن حرب على سورية وايران بتمويل سعودي كامل ورضا امريكي مخفي وملتبس ..!!
[email protected]

Views: 17