
سمير المحمود
من المعروف أن الثقافة الفلسفية بدأت عند اليونانيين واستمرت إلى الوقت الحاضر وبالطبع كان من الفلاسفة الرواد سقراط وأفلاطون وأرسطو ثم فيتغينشتاين ومارتن هايدغر وهانز جورج غادامير وسارتر وسيمون دي بوفوار وألبيرت كامو ثم جاء بعدهم دونالد ديفيدسن ودانيال دينيت وجيري فودور ويورغن هابرماس وساول كريبكي وتوماس كون وتوماس نايجل ومارثا نوسباوم وريتشارد رورتي وهيلاري بوتنم وجون راولز وجون سيرل وبالطبع كانت الأنساق المعرفية الأكثر شيوعاً في الفلسفة هي الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة وعلم الأخلاق وعلم الجمال وكذلك المنطق وفلسفة العقل وفلسفة اللغة والفلسفة السياسية ولقد كان الفلاسفة فى العصر اليوناني وحتى عصر النهضة ينظرون إلى الفلسفة على أنها علم العلوم لأن موضوعها كان يشمل كل المعارف فكانت الفلسفة عندهم تضم موضوعات إلهية وطبيعية وإنسانية إلى جانب المنطق وعلم النفس والأخلاق والرياضيات والموسيقا والفلك وغيرها من العلوم التي كانت ترتد عند القدماء إلى الفلسفة ولكن مع بداية عصر النهضة واكتشاف المنهج التجريبي وازدياد تقدم العقل البشرى وانتشار مبدأ التخصص بدأت مجموعات من العلوم تنفصل تدريجياً عن الفلسفة لعدم ملائمة منهجها التأملي العقلي مع طبيعة العلوم فانفصلت العلوم الطبيعية عن الفلسفة واستخدمت المنهج التجريبي كما انفصلت الرياضيات بمنهجها التحليلي الرياضي وانفصل كثير من العلوم الأخرى عنها وبالطبع يرجع استقلال العلوم عن الفلسفة إلى أسباب كثيرة منها تراكم المعلومات وتعمّق البحث في تفرعات جزئيّة جعل التخصص في العلوم لازماً إضافة إلى زيادة الاهتمام بدراسة الوقائع الماديّة والجزيئات والمعطيات وهذا يناقض الفلسفة وكذلك تطلُّب المنهج التجريبيّ الذي يقوم على دراسة الجزيئات للوصول إلى الكليّة الاهتمام بالمعطيات والوقائع الماديّة والجزيئات.
وهذا في طبيعة الحال ينافي المنهج الفلسفي إلا أنه وبالرغم من كل هذه الأسباب التي دعت إلى استقلال العلوم عن الفلسفة كانت الحاجة إلى الفلسفة بعد استقلال العلوم عنها لم تزل في أوجها حيث برزت إشكاليات بحجم التقدم العلمي والنهوض الحضاري وهذه الإشكاليات أعادت للفلسفة مكانتها وأظهرت الحاجة لها وذلك لدورها في تحفيز العقل وجعله قادراً على التمحيص والبحث العلمي وكذلك كشف الأوهام وإزالة الخرافات التي تضلل البحث العلمي وبالتالي حاجة العلم ما زالت مستمرة إلى فحص فلسفي لأن العلوم تعتمد على منهج ليس نتاجها ومبادئ غير متعلقة بها كما أن جرأة الفيلسوف مهمة لموضوعية البحث العلمي إضافة إلى أن ترشيد العلوم لغايات اجتماعية تعود على المجتمع بالنّفع وربط العلم بالأخلاق لتحول دون صيرورة العلم ضد المجتمع وكذلك إخضاع الاكتشافات العلمية للقيم الإنسانية.
Views: 6