الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين وصلت إلى مرحلة خطيرة تهدد الاقتصاد العالمي ككل بل وتهدد السلم والاستقرار ككل، فكيف وصلت تلك الحرب إلى هذه النقطة وكيف يمكن نزع فتيلها أو بمعنى أدق هل لا يزال من الممكن نزع الفتيل؟
قصة تلك الحرب تناولتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية في تقرير لها بعنوان: «كيف وصلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى هذه المرحلة؟»
كيف كانت البداية؟
خرج القتال في الحرب التجارية المحدقة بالاقتصاد العالمي من الخنادق ليصبح وجهاً لوجه، أو منتجاً لمنتج. كانت الشرارة هي تلك التعريفة التي فرضتها الولايات المتحدة على الصادرات الصينية من «أمشاط الحرث (باستثناء الأقراص)، وأدوات العزق الزراعية، والمسالف الزراعية، وأدوات إزالة الأعشاب الضارة ومعازق تجهيز التربة الزراعية». ثم تحول ذلك إلى تهديدات بفرض تعريفات جمركية على ألعاب الأطفال والملابس، مع جولات متتابعة من المفاوضات والهدن. ووراء تلك التفاصيل الدقيقة هناك قضايا أوسع وأشمل؛ مثل الوصول إلى الأسواق، والملكية الفكرية، والدور المناسب للحكومات في الاقتصاد. ويتصاعد الصراع بين القوى العظمى الصاعدة والراهنة إلى جانب تعميق المنافسة من أجل الاستفادة من التقنيات الناشئة.
لماذا نحن في خضم حرب تجارية؟
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يطلق على نفسه «رجل التعريفات الجمركية»، يقول إن الصين وشركاء تجاريين آخرين استفادوا لفترة طويلة من الولايات المتحدة، وهي الحجة التي تلقى رواجاً ودعماً كبيراً بين المشرّعين الأميركيين. وأشار ترامب إلى أن العجز التجاري (الفارق بين الواردات والصادرات) دليل على تفريغ الصناعة الأميركية وفقدان الولايات المتحدة لقوتها. لأكثر من عام، رفع رسوم التعريفات الجمركية، الضريبة التي تفرض على الواردات، وشجع الشركات الأميركية المتضررة من التعريفات الجمركية على نقل إنتاجها ومصانعها وإعادتها إلى البلاد. وردت الصين بمطالبها الخاصة، من بينها رفع الولايات المتحدة لكل التعريفات الجمركية في حال التوصل إلى اتفاق، في إشارة إلى أنه يجري التجهيز لذلك منذ فترة طويلة.
من يستهدف ترامب بتلك القرارات؟
الصين بشكل رئيسي، حيث يغطي ذلك معظم العجز التجاري، ولكن ترامب انسحب أيضاً من اتفاق تجاري مقترح مع اليابان و10 دول أخرى بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، واصفاً تلك الاتفاقيات بـ»غير العادلة» للعمال الأميركيين، وبدأ مفاوضاته مع اليابان مباشرة بدلاً من ذلك التحالف. وهدد بفرض تعريفات جمركية بقيمة 25% على ملايين السيارات وقطع غيار السيارات المستوردة من أوروبا واليابان، وأصر على إعادة التفاوض (وإعادة تسمية) اتفاقية التجارة الحرة لأمركيا الشمالية الموقعة مع كندا والمكسيك عام 1994، والمعروفة باسم (نافتا). كما برزت تهديدات فرض التعريفات الجمركية في نزاع ترامب مع المكسيك بشأن الهجرة.
ما الذي يميز الصين؟
أدّى انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، بموجب القواعد التي منحتها تنازلات بوصفها دولة نامية، إلى تسريع عملية تكاملها مع الأسواق العالمية وسلاسل التوريد. وأظهرت الدراسات أن الصادرات الصينية أدت إلى خفض الأسعار للمستهلكين الأميركيين، وساعدت في انتشال ملايين الصينيين من الفقر. وأدى صعود وترقّي البلاد أيضاً إلى فقدان ملايين الوظائف في المصانع الأميركية. ووصلت قوة الصين، وبراعتها التقنية بشكل خاص، إلى مرحلة أصبحت تمثّل فيها تهديداً للتفوق الأمريكي عسكرياً واقتصادياً. وتصر الصين على أن تلعب بقواعد التجارة العالمية، وترى إن الولايات المتحدة تسعى لقمع واحتواء صعودها.
ماذا حدث مع التعريفات الجمركية؟
بدأ ترامب في عام 2018، بفرض رسوم على الغسالات وألواح الطاقة الشمسية لحماية المنتجين الأمريكيين. ثم هاجم صادرات الصلب والألومنيوم من مجموعة مختلفة من البلدان لأسباب تتعلق بالأمن القومي، قائلاً إن ذلك سوف يضعف الصناعة الأميركية ويجعلها أقل قدرة على بناء الدبابات وغيرها من الأسلحة. وبدأ فرض التعريفات الجمركية على البضائع، خاصة الصينية، في يوليو/تموز 2018.
وردت الصين بالمثل. ودُعي إلى هدنة في ديسمبر/كانون الأول، وبدا أن الاتفاق لا يزال قائماً حتى شهر مايو/أيار، عندما رفع ترامب التعريفات الجمركية مجدداً وبشكل غير مسبوق منذ عقود، مما أثار حفيظة الصين. واتفق ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ على بدء المحادثات في قمة مجموعة العشرين المنعقدة في اليابان يوم 29 يونيو/حزيران الماضي.
ولكن سرعان ما تبدد هذا الهدوء في يوليو/تموز عندما هدد ترامب، الذي ادعّى إن الصين لم تفِ بوعودها بشراء المزيد من المزارعين الأميركيين، بفرض تعريفة جمركية بقيمة 10% بدءاً من أول سبتمبر/أيلول على بقية الواردات الصينية.، بما في ذلك بضائع مثل الملابس، والأحذية والإلكترونيات. (ثم قسّم قائمة البضائع لاحقاً، ليؤخر فرض الرسوم الجمركية على بعض الفئات حتى 15 ديسمبر/كانون الأول). وعندما ردت الصين بالسماح لليوان بتخطي مستوى رئيسي عند سبعة يوانات مقابل الدولار، وصف ترامب الصين رسمياً بـ» المتلاعب بالعملة».
من يدفع التعريفات الجمركية؟
يقوم الوسيط، المستورد الأميركي، بدفع التعريفات الجمركية عندما تصل المنتجات إلى البلاد، وقد يستوعب المستورد تلك التكلفة من حصته أو يمررها إلى تاجر الجملة، الذي قد يمررها بدوره إلى تاجر التجزئة، الذي يرفع السعر بدوره على العملاء. وفي تلك الحالات، يدفع الأميركيون تلك الرسوم. أو ربما يخفض المُنتِج الصيني أسعار المصنع للتعويض عن التعريفات الجمركية، أو نقل إنتاجه إلى خارج الصين تجنباً للتعريفات الجمركية. وفي مثل هذه الحالات، سيتحمل الاقتصاد الصيني عبء تلك التعريفات الجمركية.
هل تنجح استراتيجية ترامب؟
ارتفع العجز التجاري للولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له خلال السنوات العشر الأخيرة، ليصل إلى 621 مليار دولار عام 2018. ويقول اقتصاديون إن الحرب التجارية ساعدت فعلياً على توسيع الفجوة من خلال المساهمة في التباطؤ الاقتصادي في الصين وأوروبا. وفي نفس الوقت، خسر المزارعون الأميركيون أسواقهم الخارجية وانخفضت دخولهم بسبب رفع الصين وشركاء تجاريين آخرين تعريفاتهم الجمركية رداً على قرارات ترامب.
وعلى الرغم من تحذيرات بعض الاقتصاديين من مخاطر الركود الاقتصادي، يتمسك ترامب برؤيته ويصر على أن الحرب التجارية تساعد الاقتصاد الأميركي. وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة نسبة 2.1% خلال الربع الثاني، أبطأ من الشهور الثلاثة الأولى التي بلغ فيها النمو 3.1%. وتشير التحليلات التي شملتها استطلاعات مشروع Bloomberg إلى تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة سنوية ليصل إلى 1.8% خلال الربع الثالث بسبب سياسات ترامب التجارية وبطء النمو العالمي الذي يجعل الشركات أكثر تردداً في التوظيف والإنفاق.
ماذا عن الوضع داخل الصين؟
أظهرت تحليلات Bloomberg Economics إنه مع فرض التعريفات الجمركية على آلاف الفئات من البضائع الصينية من يوليو/تموز 2018، انخفضت الواردات الأميركية خلال الربع الأول من عام 2019 بمقدار 26% عن العام السابق.
وخلال نفس الفترة، شهدت تايوان وكوريا الجنوبية تسارعاً في مبيعات المكونات الإلكترونية، وشهدت فيتنام نفس الظاهرة مع الأثاث، في إشارة إلى انتقال التصنيع الأقل جودة وسعراً بشكل متسارع إلى خارج الصين بسبب التعريفات الجمركية. وبدأت شركة Giant Manufacturing Co.، كبرى شركات صناعة الدراجات في العالم، نقل إنتاجها الخاص بالطلبيات الأميركية من الصين إلى قواعدها الأصلية في تايوان بمجرد سماع تهديدات ترامب بتطبيق التعريفات الجمركية من سبتمبر/أيلول المقبل. وفي علامة تحذير أخرى للصين، انخفضت أسعار المصانع في شهر يوليو/تموز للمرة الأولى منذ حوالي ثلاث سنوات.
من أيضاً عرضة للخطر؟
حذرت الشركات الأميركية، بما فيهم Walmart Inc. وNike Inc. من ارتفاع الأسعار. بينما تعرضت Apple Inc. لضربة من الجانبين، إذ يجري تجميع جهاز آيفون الشهير في الصين جزئياً بمكونات صُنعت في الولايات المتحدة. بينما عارضت شركات Dell Technologies، وHP، وIntel وMicrosoft التعريفات الجمركية التي يقترحها ترامب على أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية، بحجة إنها ستزيد الأسعار على المستهلكين وتضر الشركات الصغيرة. وفقاً لـ Bloomberg Economics، قد يخسر الاقتصاد العالمي 1.2 بليون دولار من الإنتاج بحلول عام 2021 في حال استمرار تصاعد الحرب التجارية. ويستند هذا التقدير على فرض تعريفة جمركية قيمتها 25% على كل جميع الأعمال التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وانخفاض 10% في أسواق الأسهم. حتى إن بعض الاقتصاديين توقعوا ركوداً عالمياً.
هل هناك أي نهاية لذلك تلوح في الأفق؟
قال لاري كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، بعد إحباط الهدنة التجارية في يوليو/تموز، إن المباحثات قد تستمر في سبتمبر/أيلول. وفي نفس الوقت، أثارت تهديدات ترامب باستخدام التعريفات الجمركية للضغط على المكسيك بشأن أمن الحدود، بالرغم من التوصل مؤخراً إلى اتفاق التجارة الحرة، تساؤلات عدة حول قيمة ومصداقية أي اتفاقيات مع الولايات المتحدة. كما قال ترامب إنه يرغب في الاحتفاظ بالتعريفات الجمركية كما هي حتى يتأكد من امتثال الصين والتزامها بأي اتفاق يتوصلون إليه، مما يعني إنها قد تظل قائمة لسنوات. وهذا ما لا ترغب الصين بسماعه.
Views: 3