ربما
ليست مصادفة أن تبدأ الناقلة غريس1 بالتحرّك من مضيق جبل طارق في ذات
اليوم الذي يقوم الجيش العربيّ السوريّ بخوض معارك بطولية في جنوب إدلب
وتحرير بلدات هناك والاستعداد لتحرير خان شيخون،
في حين يحيي جمهور المقاومة ذكرى انتصار حرب تموز وتلتقي هناء المحاميد وملاك خالد من قناة الميادين على الحدّ المصطنع الفاصل بين أجزاء هذه الأرض الطاهرة في لحظة تختصر الأزمان وتثير أعمق المشاعر في وجدان كلّ عربيّ شريف. هي ليست مصادفة بالتأكيد لأن الصمود على هذه الجبهات الثلاث وتحدّي قوى الشرّ التي تنفق المليارات لإلحاق الهزيمة بمحور المقاومة ليس بالأمر السهل لولا الإيمان العميق بالأرض والكرامة والإنسان ولولا وجود شرفاء مؤمنين بالله والوطن ولا يخشون في اللـه لومة لائم. ويأتي تحقيق هذه الانتصارات رغم السياق الإعلامي الغربيّ المتصهين الذي يشنّ حرباً نفسيّة مستمرة كعادته محاولاً إيهام العالم أن المعركة محسومة لمصلحة المعتدين وأنّه ضرب من الجنون أن يتصدى البعض لهذه القوى العالمية الاستعمارية الكبرى، وأنّ «العين لا تقاوم المخرز».
فقد كانت الحرب الكونيّة على سورية مثالاً
تاريخياً لسيطرة الصهيونية على الإعلام المعادي للأمّة العربيّة وتبنّي
دورها في التشويه الإعلامي والسياسي للأحداث، حيث واكبت آلاف المحطات
الفضائية والصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي أكاذيبهم وتوقعاتهم
بانهيار الدولة العربيّة السورية والنظام الوطني في سورية، فيما برّرت كلّ
الأعمال الإرهابية التي موّلها اتباعهم أعراب النفط وأشرفت على تنفيذها
مخابراتهم وجيوشهم من بعد وكانت حربهم الإعلامية لا تقلّ خطورة وفتكاً من
المعارك الدائرة على الأرض. ومع ذلك دحرت سورية العربيّة وحلفاؤها الإرهاب
العالمي وهي مستمرة في معارك التحرير والنصر حتى تحرير آخر ذرة من ترابها
الطاهر. وحين بدأ استهداف إيران جدياً منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد
ترامب من الاتفاق النووي الإيراني أعادت القنوات المرتهنة شحذ أبواقها لدبّ
اليأس في قلوب الصامدين وكانت تصريحات المسؤولين الغربيين بمثابة قوى
إسناد للعدوان المبيت ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهدف دبّ الذعر في
قلوبهم ودفعهم للخضوع إلى شروط السيد الأميركي. ولكنّ الأداء الإيراني أثار
خيبة أملهم وإعجاب المخلصين لأوطانهم حيثما كانوا. فمنذ أن انتظر الرئيس
ترامب أي اتصال من إيران إلى أن دفعهم غرورهم إلى قرصنة ناقلة نفط إيرانية
في مضيق جبل طارق وإلى إصدار عقوبات بحقّ وزير خارجية دولة عضو في الأمم
المتحدة وهم يتخبطون ويعبّرون عن حنقهم من إخفاق إجراءاتهم وخطواتهم ولا
يجدون مجالاً إلا بفرض المزيد من العقوبات الإجرامية والتعبير عن مزيد من
الغطرسة التي لا تُترجم على أرض الواقع إلا هزيمة وخزياً. فها هي ناقلة
النفط الإيرانية تعود لمسارها وتثبت إيران أنها دولة قوية واحدة صلبة، وأنّ
كرامتها الوطنية فوق كلّ اعتبار وأنّها قادرة على الصمود والمواجهة
والانتصار أيضاً لأن الحقّ منتصر في النهاية وهذا وعد اللـه عزّ وجل، «ومن
أصدق من اللـه قيلاً».
ولاشكّ أن انتصارات المقاومة في لبنان وسورية وإيران واليمن والعراق
مترابطة ومتفاعلة مع بعضها البعض، ولاشكّ أن انتصار تموز قد أسّس لانتصار
سورية وأنّ انتصار سورية قد أسّس لانتصار إيران وأنّ قوّة هذا المحور تكمن
في ثباته وتعاضده وتمسكه بالثوابت مهما روّجوا ولفقوا من أكاذيب وأوهام.
فالمؤكد في التاريخ هو أن أصحاب الحقّ المدافعين عنه بعزيمة وإرادة منتصرون
في النهاية لا محالة، وأنّ كلّ زبد الإعلام المعادي يذهب جفاءً في النتيجة
ولكنّها معركة طويلة ومستمرة ومؤلمة تتطلّب التضحيات والصبر والإيمان ومع
ذلك يبقى ثمنها أقلّ بكثير من ثمن الاستسلام والهوان.
من هذا البعد الإقليمي ننطلق إلى البعد الدولي فنفهم بشكل سليم وصحيح ما
يجري في فنزويلا والصين وحجم الاستهداف الأميركي لهاتين الدولتين وحجم
الثبات والصمود من أجل كرامة وسيادة الأوطان أمام محاولات النهب
الاستعمارية. فبعد أن فشلت كلّ محاولاتهم لمقارعة الصين تكنولوجياً وعلمياً
واقتصادياً استداروا للأسلوب الذي طبقوه على بلداننا العربيّة ألا وهو
إثارة حرب مجتمعية من الداخل وهذا ما يفعلونه اليوم في هونغ كونغ في محاولة
منهم لتفتيت عضد المجتمع الصيني وإلهائه بمشاكله الداخلية، ولكنّهم وفي
كلّ هذا وذاك في إقليمنا وفي فنزويلا وفي الصين يغفلون حقيقة مهمة جداً وهي
أن الشعوب نضجت وأنّ أساليب الغرب قد انكشفت على حقيقتها وأنّ المقولات
التي روّجوا لها من «ديمقراطية» و«حرية» و«حقوق إنسان» و»إعلام غربي حرّ»
قد سقطت في نار المعارك على الأرض العربيّة وأثبتت أنها جوفاء ولا وجود لها
في قاموسهم ولذلك أخذت الشعوب تبني نظمها وديمقراطياتها بالشكل الذي
يناسبها بعيداً عن الديمقراطية الليبرالية التي تمّ تقديمها من الدول
الاستعمارية للعالم على مدى عقود على أنها الشكل الأوحد للديمقراطية وأنّ
المعيار والتقييم لهذا الأسلوب من الحكم حقّ حصري للغرب لا يجرؤ أحد على
الاقتراب منه أو محاولة امتلاكه. اليوم كلّ بلد يبني نظامه بالشكل الذي
يناسب ثقافته وتاريخه وتطلعات أجياله المستقبلية.
صحيح أن هذه الحروب قد كلّفتنا دماء وألماً ودماراً اقتصادياً وهدراً لغرض
التطوّر والبناء، ولكنّها أسّست لمبادئ ومفاهيم سوف تخدم بناء دولنا
ومجتمعاتنا لعقود وربما لقرون قادمة. الأمر الذي يجب أن يكون محسوماً اليوم
من أجل أي معارك قادمة هو أن إعلامهم المزيف للحقائق يشنّ حروباً استباقية
للتمهيد للأهداف التي يرجون تحقيقها، وأنّ هذا الإعلام يواكب عقوباتهم
الإجرامية ويبرر إجراءاتهم واستهدافاتهم، ولذلك يجب أن نقرّر جميعاً أنه لا
يعنينا وأنّنا لا نستقي معلوماتنا أو معنوياتنا أو أخبار ميداننا منهم
أبداً بل نعتمد بشكل مطلق على إعلامنا المقاوم لأنه لاشكّ أحد وسائل
الانتصار في المعركة. علينا أن نقول اليوم بعد ما سجّله محور المقاومة وما
أثبته في لبنان وسورية وإيران واليمن والعراق، هذا فراق بيني وبين كلّ من
لا يزال يراوده الشكّ في قدرة الحقّ على الانتصار أو من مازال يعتقد أن من
يستهدفنا من المستعمرين يؤمن «بديمقراطية» أو «حقوق» لنا مساوية لحقوقه أو
أن إعلامه «موضوعي» ينقل الحقائق.
ترسيخ هذه القناعات أدوات مهمة للاستعداد للمرحلة القادمة من بناء
المجتمعات والدول على أساس الكرامة الوطنية والقرار الوطني المستقلّ،
المرحلة التي يلجها اليوم محور المقاومة بكلّ ثقة واقتدار.
Views: 2