لم يجد الكثيرون أي تفسير منطقي للاتفاق التركي – الروسي الذي سمح بموجبه بوتين للقوات التركية بدخول جرابلس في 24 آب 2016 لتسيطر على الشريط الحدودي السوري مع تركيا غرب الفرات. وكان من الصعب أكثر على هؤلاء أن يفهموا لماذا وافق بوتين على دخول الجيش التركي إلى عفرين وبعدها إقامة 12 نقطة مراقبة تركية حول إدلب والمدن التابعة لها وفق إتفاق سوجي.
وأستغل الرئيس أردوغان بدوره هذه المعطيات وعلاقات أنقرة مع المجموعات المسلحة ليعمل على ترسيخ تحالفه العقائدي مع جميع الفصائل المتواجدة غرب الفرات وتعزيز تواجده العسكري في المنطقة. وهذا ما قاله الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف عندما أنقرة بالتهرب من إلتزاماتها التي تعهدت بها في إتفاق سوجي في أيلول2018. فلم تتخذ أنقرة والرأي لموسكو أي إجراء عملي لنزع السلاح الثقيل من النصرة وحليفاتها الارهابية وفق التصنيف الدولي ولأن أردوغان لم يرضى لنفسه أن يقال عنه بأنه حارب الإسلاميين.
وأستمر أردوغان في حشد قوات إضافية في نقاط المراقبة التي تحولت إلى ممرات إستراتيجية لنقل السلاح الثقيل والمتطور للمجموعات المسلحة، والقول هنا لبثينة شعبان مستشارة الرئيس الأسد. وكانت كل هذه المعطيات تصب في نهاية المطاف في مصلحة تركيا في إدلب والمناطق المجاورة وبالتالي لدعم علاقاتها مع الفصائل والمجموعات والكتل البشرية الموالية للرئيس اردوغان سياسياً وعقائدياً.
وجاء الاتفاق التركي الأخير مع واشنطن التي تدعم بعض المجموعات في إدلب ومنها جيش العزة ليزعج الرئيس بوتين الذي قال الأسبوع الماضي “في إتفاق سوجي كانت النصرة تسيطر على 60% من إدلب والآن على 90”.
وكان كلام بوتين هذا سبباً لزيارة مفاجئة للرئيس أردوغان إلى موسكو الثلاثاء (27 اغسطس) وقد يؤجل بعدها القمة الثلاثية المقررة في أنقرة بسبب الخلافات. مع المعلومات التي تتوقع نسف كل الجسور بين بوتين وأردوغان في سوريا بعد أن بات واضحاً أن دمشق المدعومة من طهران مصممة لحسم مشكلة إدلب هذا العام مهما كلفها ذلك.
وهو ما سيكون كافياً لمزيد من التوتر إذا طلبت دمشق من نقاط المراقبة التركية الـ 12 الانسحاب طالما هي ستستمر في عملياتها على محورين الأول معرة النعمان وسراقب لفتح طريق حلب دمشق والثاني بإتجاه جسر الشغور التي شهدت أول مجزرة نفذها الإرهابيون في 4 حزيران 2011 . فالجميع يعرف أن الجيش السوري سينتقم للشهداء بلا محالة خاصة وأن الجسر المتاخمة للحدود التركية بوابة تسلل الإرهابيين الى الريف اشمالي للاذقية وبالقرب منها حميميم التي سينتقم الروس أيضاً لها بعد أن تعرضت للكثير من هجمات الطائرات المسيرة التي يطلقها الإرهابيون.
وهم الأخطر لأنهم من الشيشان وأزبكستان وداغستان وصمم بوتين للقضاء عليهم بالكامل حتى لا يشكلوا أي خطر مستقبلي على بلاده والصين أيضاً فالبعض من هؤلاء الإرهابيين من مسلمي الاويغور. فيما يبدو واضحاً أن موضوع نقاط المراقبة التركية سوف لن يحسم مصير الجسر ومعرة النعمان وبعدها إدلب بل أيضاً مصير عشرات الآلاف من القوات التركية المنتشرة غرب الفرات على طول الحدود السورية مع تركيا من جرابلس الى عفرين. ويتواجد في هذه المنطقة أيضاً حوالي 50 ألف من عناصر مختلف المجموعات المسلحة التي تقوم تركيا بتدريبهم وتدريب كوادرها الاخرى التي يريد لها الرئيس أردوغان أن تساعده في المساومة مع روسيا وإيران خلال العمل من أجل الحل النهائي للازمة السورية وفق حساباته العقائدية والسياسية والاستراتيجية في سوريا وعبرها في المنطقة عموماً. كل ذلك مع إستمرار تواجد 3.5 مليون سوري في تركيا وأكثر من مليون موجودين في إدلب ومحيطها ومعهم حوالي 50 ألف من إرهابيي النصرة وحليفاتها.
ويراهن الكثيرون هنا على رد الفعل الروسي والإيراني المحتمل على كل هذه الحسابات التركية بعد أن فقد بوتين وروحاني ثقتهما بأردوغان الذي أراد أن يساومهما بإتفاقه مع ترامب وأعترف بإحتلاله لشرق الفرات على الرغم من موقف واشنطن السلبي ضدّ تركيا في موضوع أ-400.
وفي نهاية المطاف يبدو واضحاً أن حسابات أردوغان باتت صعبة أولاً غرب الفرات مع إصرار دمشق على تحرير كامل الأراضي السورية، وثانياً بالفخ الذي نصبه الأميركان له في الشمال السوري بإعتراف العديد من الدبلوماسيين والجنرالات المتقاعدين الأتراك الذين لا يثقون بأمريكا أبداً ويدعون أردوغان للمصالحة مع الأسد فوراً. ويراهن هؤلاء على الخطوة التي قد تكون الأخيرة في مسلسل مناورات ومغامرات أردوغان بعد ما يسمى بالربيع العربي الذي خسر فيه سمعته التي كانت له قبل هذا الربيع. فأراد أردوغان أن يحيي من خلال هذا الربيع ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية فأوصلته الى طريق مسدود وخطير داخلياً في السياسة والاقتصاد والديمقراطية وخارجياً في العلاقة مع الجميع بإعتراف رفاق دربه كعبد الله جول وأحمد داوداوغلو وعلي باباجان.
المصدر : الميادين نت
Views: 3