( الجزء الاول )
حرب تشرين كما عشتها .. د.تركي صقر
افتخر أنني من الذين عاشوا وعايشوا ميدانيا أيام حرب تشرين بدقائقها وتفاصيلها فقد كنت في عداد الدورة الأولى التي أعلنت عنها الإدارة السياسية للجيش والقوات المسلحة التي بدأت في مطلع عام 1973 للضباط الجامعيين المخصصة للعمل في التوجيه السياسي في القوات المسلحة وبعد تأهيلنا عسكريا التحقنا بدورة توجيه سياسي أوسع لضباط مختارين من مختلف صنوف الأسلحة للإعداد في مجال الحرب النفسية والدعاية المضادة بإشراف ضباط خبراء كبار من الجيش السوفيتي آنذاك وكان هذا قبل أشهر من السادس من تشرين الأول ضمن خطة في غاية السرية عملت عليها القيادة العامة للتحضير لحرب تشرين التحريرية .
لم نكن نعرف أن الحرب ستندلع لكن كانت هناك بعض الإشارات إن عمل عسكري كبير يلوح في الأفق ربما يعلن عنه في أية لحظة وكانت القيادة حريصة على ألا يشار إلى إي نية بنشوب حرب واسعة لا من قريب ولا من بعيد وهكذا أمضينا معظم عام 1973 في الدورات والإعداد وفي حالة من شد الأعصاب والترقب ولا ندري هل ستكون هنالك حرب أم لا وفجأة ظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في لحظة لا أنساها ما حييت عندما تلقيت في ذلك اليوم التشريني البهيج أمرا عسكريا بالانتقال إلى والوكالة العربية السورية “سانا ” وكان مقرها في ذاك الوقت في حي المزرعة الدمشقي وذلك في مهمة تنسيق عمل لمجموعة إعلامية من أعضائها الإعلامي المميز الزميل العزيز فؤاد بلاط الذي كان في الخدمة الإلزامية والملازم المجند الدبلوماسي البارع الأستاذ ميخائيل وهبة ومهمتها أن تتلقى بلاغات المعارك من الناطق العسكري في غرفة عمليات الجيش وتقوم بتوزيعها بحرفية إعلامية على وكالات الأنباء العربية والأجنبية وعلى رهط من الصحفيين الذين توافدوا من مختلف إنحاء العالم لتغطية وقائع الحرب .
وكانت ساعة الصفر التي سجلت تلك اللحظة التاريخية الفارقة في حياة السوريين والعرب أجمعين لأول حرب يقررها العرب وتقودها مصر وسورية ضد العدو الصهيوني وكان القول الفصل الذي فجر الحدث المزلزل في تمام الساعة الثانية من بعد ظهيرة السادس من تشرين الأول علم 1973عندما تحلقنا كتفا إلى كتف أمام شاشة تلفاز بالأبيض والأسود آنذاك وهي تبث خطاب رئيس الجمهورية القائد العام للجيش والقوات المسلحة الفريق حافظ الأسد معلنا فيها ساعة الصفر وقائلا فيه : إننا اليوم نخوض معركة الشرف والعزة دفاعاً عن أرضنا الغالية، عن تاريخنا المجيد، عن تراث الآباء والأجداد، نخوض معركة الإيمان بالله وبأنفسنا وبعزيمة صلبة وتصميم قاطع على أن يكون النصر حليفنا .. لسنا هواة قتل وتدمير، إنما نحن ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير. لسنا معتدين ولم نكن قط معتدين، لكننا ولا نزال ندفع عن أنفسنا العدوان نحن لا نريد الموت لأحد، إنما ندفع الموت عن شعبنا إننا نعشق الحرية ونريدها لنا ولغيرنا، وندافع اليوم كي ينعم شعبنا بحريته نحن دعاة سلام، ونعمل من أجل السلام لشعبنا ولكل شعوب العالم .
” يتبع “
Views: 1