الجزء الثاني
حرب تشرين كما عشتها .. د.تركي صقر
سنوات طويلة مرت تقترب من النصف قرن على الحرب لكن ذكرياتها لا زالت محفورة في أذهان العرب والسوريين ولا شك أنها أعمق بكثير لدى من عاشها وعايش أحداثها وغني عن القول أن الذكرى أي ذكرى تؤجج في النفس مشاعر فياضة وغامرة فكيف إذا كانت ذكرى حرب وطنية وعربية بحجم حرب تشرين لذلك ليس من فراغ التأكيد أن ذكريات حرب تشرين هي ذكريات امة بكاملها وصفحات فخر واعتزاز تضيء تاريخ الوطن وتنير إرثه التليد وهي راسخة على مر الأيام ومحفورة في وجدان المواطنين العرب وفي وجدان المواطنين السوريين على وجه الخصوص مهما تباعدت الأيام إذ لا يمكن لأي مواطن سوري أن ينسى ذلك اليوم المجيد الذي اهتزت فيه المنطقة والعالم والذي فتح بابا لانتصار الإرادة العربية وأغلق أبوابا لحالة الإحباط والقنوط والهزائم النفسية التي تركتها حرب عام 1967، وهذا ما يجعل الحديث عن حرب تشرين التحريرية وذكرياتها مبعثا للعزة والأنفة والكرامة في نفوس الجميع، فعلى أرض سورية دارت رحى الحرب، وفي بيوتها ذكريات يرويها كبار السن ويتوارث الحديث عنها صغارهم جيلا بعد جيل .
بفرح وأعصاب مشدودة عشت الساعات الأولى من الحرب التي حملت أخبارا سارة للغاية من الجبهة السورية والجبهة المصرية وكان الخبر الأول الذي استلمته من الناطق العسكري أن قواتنا المسلحة دكت تحصينات العدو في الجولان وبدأت بتحطيم خط ألون باتجاه عمق الأراضي المحتلة وبالتوازي بثت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية خبر عبور وحدات من الجيش المصري قناة السويس وتدمير استحكامات الجيش الإسرائيلي واختراق خط بارليف باتجاه سيناء وللتو انقلب المشهد الإعلامي فطغت أنباء الجبهتين السورية والمصرية على جميع الأحداث وأضحى الخبر الأول في العالم ما يرد منهما .
وشهدت وكالة الإنباء ” سانا ” بعد ظهيرة اليوم الأول للحرب حركة صاخبة وتحولت إلى خلية نحل تضج بالصحفيين العرب والأجانب وان المكتب الذي اتخذته مجموعتنا الإعلامية العسكرية فيها أضحى مركز استقطاب الجميع نظرا لوصول احدث أخبار المعارك إليه المرسلة من الناطق العسكري التي كنا نوزعها أولا بأول وتشكل بالنسبة للمراسلين سبقا صحفيا فريدا وازداد ضخ الأخبار مع اشتداد المعارك ولم نعرف طعم النوم طوال الليالي الأولى للحرب
Views: 6