عاود الدولار في سوريا ارتفاعه ليصل اليوم إلى عتبة 680 ليرة للدولار الواحد، وسط اقتراحات من قبل بعض الخبراء تؤدي إلى تعزيز استقرار سعر الصرف من خلال إجراءات تجذب حوالات المغتربين المقدرة بالمليارات سنويا إلى أقنية المصرف المركزي.
وصل سعر صرف الدولار في السوق السورية اليوم إلى 680 ليرة للدولار الواحد، بالرغم من مرور شهر ونصف على الإعلان عن مبادرة دعم الليرة من قبل فعاليات اقتصادية سورية، في الوقت الذي يقترح فيه عدد من الخبراء رفع سعر صرف حوالات المغتربين (المقدرة بمليارات الدولارات سنويا) إلى الداخل السوري ليصبح مشابها لسعر السوق أو أكثر بواحد في المئة، وهذا سيجذب حوالات المغتربين والمصدرين، وسيوفر القدرة على تمويل المستوردات ويساهم بتعزيز دور المصرف المركزي في التحكم بسوق الصرف بشكل أقوى.
فيما اقترح آخرون أن تعمل السياسة النقدية على إيجاد وسيط بين المغتربين السوريين (وهم بالملايين وتقدر حوالاتهم اليومية ما بين 3 – 4 مليون دولار) وبين المصرف المركزي، بما يمكن من إضعاف قدرة المضاربين على التلاعب.
في هذا الخصوص، أكد الخبير المصرفي عامر شهدا، في تعليقه لوكالة “سبوتنيك” أن “تحويلات المغتربين السوريين في عام 2016 إلى سورية بلغت 4 مليار يورو وهذا الرقم ساعد في دعم توفر القطع في سوريا وتثبيت سعر الصرف . إلا أنه وبعد فترة بدأ الدولار بالصعود حتى بلغ الفارق السعري بين سعر السوق والموازي والسعر الرسمي ما يقارب 200 ليرة سورية. هذا أدى إلى إحجام المغتربين عن التحويل وتفضيل تسليم الحوالات نقدا خارج إطار المؤسسات المرخصة. فتراجع توفر الدولار وأضعفت إمكانية المصارف لتمويل احتياجات الاستيراد. وبالتالي أضعف ذلك إمكانية خلق أدوات ليستخدمها المركزي في التأثير على السعر.
وأضاف الخبير: “نحن اليوم نطرح قضيتين توفران أدوات تساعد في تنفيذ سياسة نقدية مؤثرة في سعر الصرف. أولهما توفير موارد القطع. وتشجيع التصدير. لذلك أعتقد أن رفع السعر الرسمي للتشجيع على التحويل ضمن الأقنيه الرسمية واعتماد هذا السعر بشكل خاص لحوالات المغتربين والمصدرين سيؤدي إلى توفير موارد قطع للبلد تساعد كثيرا في خلق أدوات تمكن المركزي في التأثير على سعر الصرف والقوة الشرائية لليره السورية”.
واقترح الخبير السوري ما يلي:
1 – خلق أدوات ترفع من قدرة المركزي في التأثير على السعر بالسوق.
2 – تمويل المستوردات وتخفيض تكلفة الإنتاج مما سينعكس على سعر المنتج في السوق.
3 – الحد من دور المصارف في رفع تكلفة الحصول على القطع لتسديد قيم المستوردات وهنا لا بد من الإضاءة على الإجراءات التي تتبعها المصارف والتي تؤثر سلبا على الأسعار وترفع من نسبة التضخم وتستفيد من غياب الرقابة على أعمالها . فما تتقاضاه المصارف لقاء تأمين القطع للمستوردين عمولة مستندات 1.25 بالألف عمولة شراء قطع المركزي2.5% فائدة على الدولار8.5% عمولة تجاوز السقف الممنوح 2% عمولة أعلى رصيد، 3 بالألف تحويل من دولار إلى يورو ويتم إضافة 4.5 نقطة على سعر الشاشة وبهذه الحالة يصبح سعر الدولار لتمويل المستوردات 640 ليرة سورية ووزارة التجارة الداخلية تطلب تسعير البضائع على أساس سعر المركزي 436 ليرة دون علمها بهذه الفوائد والعمولات . فبحساب بسيط نكتشف الدور الذي تلعبه المصارف في التأثير على القوة الشرائية لليرة السورية ورفع الأسعار ورفع نسبة التضخم وتحقق أرباح على حساب المواطن السوري
4 – إمكانية ترميم الاحتياطي من القطع الاجنبي.
5 – دعم التصدير.
كما اعتبر رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشعب السوري، رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، أن الفكرة إيجابية وقال: “هذه الفكرة من مطالبنا للحكومة السورية”، وعبر الشهابي عن صعوبتها بسبب العقوبات المفروضة على سوريا.
الدكتور عابد فضلية رئيس هيئة الأوراق المالية في سوريا أيد الفكرة أيضا، ورأى أن الفكرة هامة جدا، وأيد: “تحديد سعر الدولار أو اليورو في الحوالات الخارجية النقدية ليكون أعلى من سعر السوق السوداء بـ 1 بالمية تقريبا”.
وأكد أن “هذا لن يؤثر على سعر الصرف في السوق السوداء إلا لفترة قصيرة وسيكون ارتفاع هذا السعر مقصودا وكيديا من قبل التجار لإحراج المركزي وثنيه عن ذلك وحتى لو حدثت حالات من الفوضى والتأجيج فستكون محدودة وقصيرة الأجل .. لكن بالمقابل يكون المركزي قد فتح بابا يُؤْمِن له القطع الذي يمكن أن يستخدمه في دعم المستوردات الاستراتيجية وفِي التدخل الإيجابي عندما يتطلب الامر”.
من جهته اعتبر الأستاذ الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين باسم غدير في تعليقه لوكالة “سبوتنيك”، أن خطوة رفع سعر صرف الحوالات صحيحة ولكن ليس في الزمن الصحيح نتيجة العوامل الخارجية المؤثرة، واقترح البحث عن طرق تحتاج لمرونة من قبل المركزي، مثل فكرة إيجاد وسيط “علني” يأخذ المبادرة من وسطاء “الظل” الذين يتم التحويل من خلالهم الآن.
وقال: “لن أتحدث فقط عن تحويلات الأهالي بل عن كل أشكال التحويلات التي تتم بالخفاء، وأركّز في المثال على التحويلات ذات الطابع الاستثماري أو التجاري، بالعموم أرى أنّها خطوة صحيحة في الوقت غير الصحيح ومبرر ذلك: أنّ الموضوع في معظم تفاصيله عائد إلى عوامل لن يفيد معها رفع سعر المصرف المركزي مجاراة للسوق، وذلك لأنّ تقلّبات الأسعار تعود إلى عامل المضاربة كعامل تفرزه تذبذبات سياسية وعسكرية متأججة حالياً، وبالتالي فإنّ حجة المصرف صحيحة من حيث وهمية الفرق ما بين سعر المركزي وسعر السوق والتي يمكن لرفع السعر أن يقود إلى توازن وتقارب مابين السعرين تماما كما هي نظرية الأواني المستطرقة التي تحتاج إلى استقرار آنيتيّ الميزان ومن المعروف أنّ هذا الاستقرار لن يؤتي ثماره مع وجود رياح هائجة كما يحدث مع الظروف السياسية والعسكرية ، وهذا يعني أنّ استحضار الحوالات بهذه الطريقة لن يكون حلاً ناجعا”.
وأضاف الدكتور غدير: “أعتقد أنّ هناك طرقاً أخرى لاستحضار التحويلات من الخارج لكن تحتاج إلى ضبط قانوني ومرونة هائلة من قبل المركزي، مبدئيا وربما تحتاج الفكرة إلى إنضاج: من الطرق التي يمكن استخدامها هو وجود وسيط معتمد من المركزي ومن الطرف الآخر يعمل على تدفق العملة ضمن دورة مغلقة أطرافها (المركزي – الوسيط- الفعالية الاقتصادية) وكمثال لمايحدث في السوق السورية هو الآتي: معظم الحوالات تتم بشكل خفي وغير معلن (بالظل) وعبر وسطاء يصعب جدا معرفة أهدافهم وارتباطاتهم، وأعتقد أنّ لهم دوراً بارزاً في موضوع العبث بقيمة العملة والمضاربة في السوق، العملية التي تحدث بالواقع تتم وفق متتالية: من الخارج شخص يرغب بتحويل مبلغاً من الدولار إلى شخص في سورية تغطيةً لقيمة صادرات مثلاً أو لنشاط اقتصادي آخر غالباً مايكون المتلقي في سورية راغباً بالحصول عليها بالدولار، ويعمل على اكتنازها أو إعادة تدويرها (بالدولار أيضاً) خوفاً من انخفاض قيمة الليرة أكثر أمام الدولار هذه العملية التي تتم بالخفاء كاقتصاد ظل وتهرّب تترك المجال للوسطاء المخفيين وضع معادلة التوازن من عندهم، والغريب أنّ انعكاس هذه العملية – من الناحية الفعلية- على سعر الدولار بالليرة يكون ضئيلاً، لكن دور هؤلاء الوسطاء في تقييم الموازنة بين الطرفين يكون لجهة رفع سعر الدولار أمام الليرة من جهتين: جهة كون الدولار هنا سلعة يتجاذبها العرض والطلب وجهة لها علاقة بنزاهة الوسيط نفسه.
وتابع: “لذلك فإنّ اقتراح وجود وسيط علني معتمد من قبل المركزي ويتم التنسيق معه سوف يجعل من عملية التحويل دارة مغلقة بين الأطراف ويخفف للحد الأعظمي من فعل المضاربة الذي يقوم به -حسب فهمي- هذا الوسيط المخفي وهنا لن نكون بحاجة إلى تغيير سعر المركزي بل على العكس سيسهم هذا الأمر في تطويع سعر الحوالات باتجاه سعر المركزي حسب نظرية الأواني المستطرقة كما تحدثت آنفاً لن تستطيع القوانين الحالية والضوابط المتعارف عليها في السوق السورية لجم العملية أتوماتيكيا كما يحدث في السوق الحر عادة، بسبب وجود تدخل “غير اقتصادي” بالموضوع عادة في ظل ظروف السوق المعزولة نسبيا عن التجاذبات السياسية والعوامل غير المباشرة فإنّ الأمر ناجع ويمكن أن يؤدي إلى نتيجة جيدة أما في ظل الوضع القائم فهذا الأمر ربما سيؤدي إلى نتائج أكثر سوءا وأرى أن المشكلة ستتجاوز قضية سعر المركزي أنا سميتها دارة مغلقة لأنها تُرسل بالدولار وتحفظ عند المستقبل بالدولار ليعيد تدويرها أنا لا أركز على تحويلات الأهالي فهي ضئيلة إذا ماقيست بالتحويلات ذات الطابع الاقتصادي والتي من المفترض أن تقاس بسعر المركزي لكنها للأمانة تتم بصورة لا تغير من صورة العملة يعني دولار دولار وكل من يستثمر أو يتاجر في سورية سيفهم هذا بدقة”.
أما الدكتور سنان ديب اعتبر إن هذه الفكرة تشكل اعترافا بسعر السوق وقال: “المركزي ونحن لم نقر بواقعية سعر السوق السوداء وهو بنظرنا حصيلة مضاربات متوازية مع أدوات إرهاب اقتصادي مترافقة بالحصار والعقوبات”.
وأضاف: “اللجوء لخيار تسعير الحوالات بما يساوي هذا السوق الأسود لا ينطلق فقط من غاية جذب أكبر حجم من الدولارات فقط ولكنه يقع ضمن محصلة الأدوات النقدية و الانعكاس على المؤشرات الاقتصادية الكلية و يبقى المعيار الحاجة للعملة الصعبة ومدى عمقها فإن لم نكن بحاجة جادة فلماذا نلعب بالمؤشرات ونقونن هذا السعر و نقوي سوق مضاربة التي يجب تجفيفها وإن كنا بحاجة فالمركزي يستطيع التنبوء بالسعر المناسب مع العلم بأن كتلة كبيرة من الدولارات منطقيا ستعود إلى الداخل بحكم الحالة الأمنية والاقتصادية بلبنان.
“سبوتنيك”
Views: 1