ما الذي تنتظره المحافظة لتعدّل “عدادت التاكسي”؟
مائة ليرة للكيلومتر سيكون سعراً عادلاً للجميع
فاطمة عمراني
مع كل مطلع شمس، نجر أذيال هزائمنا المتكررة أمام سمّان الحارة، الحلّاق، موزّع المازوت، جابي الكهرباء، سائق السرفيس، وسائق التاكسي.
نطأطئ رؤوسنا المثقلة بالهموم أمام سائق التاكسي “الغلبان”، وعادةً ما نتعاطف معه، فالهموم التي تشغل رأسه أكبر مما نتخيل، الطابور أمام الكازيات يمتد إلى اللّا نهاية، سعر البنزين الحر مرتفع، أسعار قطع الغيار والصيانة تحلّق في الهواء، الطرقات ضيقة وتعجّ بالسيارات، الشوارع غير مؤهلة ومليئة بالحفريات، عدا عن ارتفاع الأسعار الذي طال حتى باقة البقدونس، التضخم، تدني الرواتب، العجز الحكومي، التسرب الدراسي، البطالة، التسوّل، النمو السكاني المفرط، انقراض الحيوانات النادرة، انجراف التربة والتصحر، إزالة الغابات، إدارة المخلفات، التلوّث البيئي، الاحتباس الحراري، وثقب الأوزون!
بأسلوب احترافي متقن، لطالما أفحمنا شوفيرية التكاسي، فرضخنا لمطالبهم، ودفع معظمنا 800 ليرة من البرامكة إلى الجسر الأبيض، و 1000 ليرة من باب مصلى إلى الصالحية، و2000 ليرة من المزة إلى جرمانا، و 4000 من المهاجرين إلى السيدة زينب.
نعم، خسرنا المعركة أمام السائق المحنّك المسلّح بكل حجج الإقناع، ودفعنا ثمن جهلنا وقلة حيلتنا تسعيرةً مضاعفة، بعد فقدان الأمل من جدوى الشكوى واللجوء للجهات المعنية، أو جدوى الوقوف لساعات بانتظار السرفيس أو الباص.
الجهات المعنية قامت بواجبها على أكمل وجه، فدرست واقع الحال وخططت لتحسينه، واقترحت حلولاً لمشاكلنا، مقدّمةً أحدث الأسلحة وأكثرها فاعلية في محاججة خصمنا (شوفير التاكسي): مقترح غير مفعّل لتعديل عدادات تاكسي الأجرة العامة.
حيث كانت محافظة دمشق قد شكّلت في 2018 لجنة من أعضاء المجلس، لتعديل عدادات تاكسي الأجرة العامة في المدينة، بحيث تكون فتحة العداد 60 ليرة للكيلومتر الواحد، بدلاً من 31 ليرة، ويزيد عداد التاكسي، وفق الاقتراح، 40 ليرة بعد أول كيلومتر، وكل 400 متر يرتفع 40 ليرة بدلاً من 19 ليرة في السابق، وسعر كل 15 ثانية انتظار أو توقف في أثناء ركوب السيارة 4 ليرات. وما زال هذا المقترح حبراً على ورق حتى الآن.
من جهة أخرى، تؤكد أحدث الأرقام الرسمية الصادرة عن المكتب التنفيذي في محافظة دمشق أن عدد سيارات التاكسي العاملة في دمشق يصل حالياً إلى 23982 سيارة، فيما لم يطرأً أي تغيير على تسعيرة العدّاد ولا يزال العمل سارياً بالتسعيرة الصادرة وفق قرار المكتب التنفيذي 633 لعام 2014 حيث يتم دفع 35 ليرة على الرقم الظاهر في عداد التاكسي من /6 – 13/، ودفع مبلغ 70 ليرة إذا أظهر العداد الرقم /17.25 – 24/، ومبلغ 100 ليرة إذا كان العداد من الرقم / 28.50- 36 / و140 ليرة في حال كان الرقم الظاهر من /28.75- 47.25/، كما يتم دفع مبلغ 160 ليرة إذا كان العداد من /50- 58.50/، ومبلغ 200 ليرة إذا كان بين /62.25 – 69.75/، ودفع مبلغ 240 ليرة إذا كان بين /73.50 – 81/ و300 ليرة إذا كان الرقم من /96 – 103/ بمعدل زيادة 200 ليرة، إضافة لدفع 400 ليرة إذا كان من /107 – 150/ أي بمعدل زيادة 250 ليرة.
وفي السنوات العشر الماضية، تم إجراء تعديلين على تعرفة التاكسي، عندما كان سعر الدولار في أوجه وأيضاً حينما طرأ ارتفاع على سعر البنزين.
وما بين التسعيرة المعمول بها حالياً وما يتقاضاه السائقون، قد يحتار المواطن في السعر الأكثر عدالة، فالتسعيرة الرسمية المعمول بها حالياً غير عادلة للسائقين، والتسعيرة التي يتقاضاها السائقون غير متناسبة مع متوسط دخل المواطن الذي يبلغ في القطاع العام 30 ألف ليرة، وفي القطاع الخاص 60 ألف ليرة، بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء.
فإذا صادف وكنتَ في البرامكة وترغب بالذهاب إلى المزة شيخ سعد، ولم يحالفك الحظ بإيجاد مقعد فارغ في سرفيس مزة جبل أو مزة فيلات غربية، واضطررت مجبراً لأن تستقل تاكسي، وكالعادة طلب السائق 800 ليرة كأجرة توصيل، ستجادله في البداية، سيشكو من طابور البنزين، ارتفاع أسعار قطع الغيار، أجور الصيانة، وغيرها، ولن تلبث أن تنصاع له.
أداوت المعرفة المفحمة
إذاً، وكي تتمكن لأول مرة في حياتك من هزيمة سائق التاكسي، عليك أن تحفظ التالي جيداً:
تستهلك السيارات العمومية في سوريا نصف وقودها بنزين مدعوم، والنصف الآخر بنزين حر، ويبلغ سعر ليتر البنزين المدعوم 225 ليرة، وسعر ليتر البنزين الحر 425 ليرة، أي أن وسطي سعر ليتر البنزين شهرياً لسائقي التكاسي يبلغ 325 ليرة.
“سابا، داسيا، كيا” هي أبرز أنواع السيارات العمومية المنتشرة اليوم في البلاد، والتي تقطع وسطياً 200 كيلو متر في الصفيحة الواحدة، وبالتالي السيارة تستهلك ليتراً واحداً من البنزين كل 10 كم، ومع مراعاة وسطي سعر البنزين، تبلغ تكلفة استهلاك الكيلو متر الواحد من البنزين 32.5 ليرة.
وبحسب العرف الشائع في مهنة العمل على سيارات الأجرة العمومية، يقسم إيراد السيارة 3 أقسام متساوية: قسم للبنزين، وقسم للسيارة، وقسم للسائق.
أي أن الأجرة العادلة للتاكسي هي تكلفة البنزين مضروباً بثلاثة، أي ما يقارب الـ 100 ليرة للكيلو متر الواحد.
وفيما يشكو سائقو التكاسي من ارتفاع أجور صيانة السيارات وقطع الغيار، وتكاليفها المرهقة سنوياً، تبلغ كلفة فتحة العداد على التعديل الجديد 60 ليرة، ومع عدد وسطي من الركاب يتراوح ما بين 25 إلى 30 راكب في اليوم، يصل مجموع الإيرادات السنوية لفتحة العداد فقط حوالي 500 إلى 700 ألف ليرة سورية، وهو رقم كاف لإصلاح وصيانة أي نوع من أنواع السيارات العمومية الأكثر شيوعاً.
أما السيارة التي تحتاج لأكثر من 700 ألف ليرة سنوياً للصيانة والإصلاحات المختلفة، فهي تحتاج لأن تُسلَّم إلى معمل حديد حماة!.
السيد محمود الديراني (سائق تاكسي)، يبين أن أبرز أعمال الصيانة الدورية سنوياً تكلف كالتالي: تغيير البواجي 10 آلاف ليرة، تغيير الإطارات وسطياً 70 ألف، غيار زيت 100 ألف، شرايط بواجي 5 آلاف، بطارية 30 ألف، دينمو مرش 10 آلاف، تعبئة غاز التكييف 15 ألف، تغيير الفرش 40 ألف، غسيل 75 ألف، كوليات 10 آلاف، وأعطال أخرى متنوعة بالإضافة للتأمين الإلزامي والبالغ للسيارات العمومية 40 ألف.
وبعيداً عن الصيانات المفاجئة الناتجة عن الحوادث (والتي يفترض أن يغطيها التأمين)، فإن مجموع تكاليف الصيانة الدورية لسيارات الأجرة سنوياً لا يتجاوز 250 ألف ليرة.
وعليه، يمكن اعتبار مقترح محافظة دمشق الذي لم يتم العمل به بعد، هو الأكثر عدالة بالنسبة لكل من السائق والزبون.
حينما تستقل تاكسي من المزة إلى باب توما، ستبلغ التسعيرة الرسمية 350 ليرة، ويتقاضى السائقون حالياً 1500 ليرة، فيما تبلغ التسعيرة العادلة بحسب الدراسة السابقة نحو 800 ليرة، ما سيعدل كفتي الميزان بين السائق والزبون في حال تفعيل هذا المقترح.
وبحساب التكلفة الفعلية وما يجري واقعياً، ووفق أسعار اليوم فإن السائقين يتقاضون أربعة أضعاف العداد (وفق التسعيرة القديمة) وضعف حقهم وفق حسابات التكلفة وأسعار البنزين والصيانة ومعدل الأجور, وبناءً عليه فإن إجر التاكسي من المزة إلى جرمانا مثلاً يظهر على العداد 400 ليرة ويأخذ السائق 1500 (بعد أن يطلب 2000 أو 2500 لعل الراكب يوافق) بينما يجب أن يكون فيما لو تم تعديل العداد “بعدالة” 900 ليرة.
ومن كفرسوسة إلى الصالحية يظهر العداد 140 ليرة ويتقاضى السائق 800 بينما يجب ان يكون السعر العادل 350 ليرة.
وهكذا يمكن حساب جميع الرحلات وفق المعادلة التالية: المسافة المقطوعة بالكيلو متر مضروبة بـ 100 ليرة ويضاف على الرقم الإجمالي 60 ليرة، ولمزيد من العدالة فإن الأماكن المزدحمة أو التوقف لسبب أو لآخر، فيجب أن يضاف لكل ثماني دقائق أجر كيلومتر واحد.
ماذا تنتظرون؟
غير مفهوم سبب تأخر المحافظة في تعديل العدادات، ووضع تسعيرة فيها شيء من العدالة، فلا مصلحة لأحد باستمرار هذه الحالة المتوترة بين السائق والراكب، والتي تترك المجال لجشع البعض ليصل حده الأقصى ويسيء لمهنة كاملة، يعمل بها عشرات الآلاف من أخوتنا وأهلنا، معظمهم طيبون وجيدون لكن سمعتهم سيئة.
وهذه الحالة غير النظامية أيضاً تدفع بالراكب لحالة من التوتر والشعور بالعجز، وتزيد على همومه هماً، فتحول المهذب إلى شتّام، والهادئ إلى غاضب.
وهذا الإجراء لن يكلف المحافظة أو دوائر المرور (في الداخلية والإدارة المحلية) أي تكاليف إضافية، بالعكس تماماً، فالسائقون سيدفعون رسوم تعديل عداداتهم.
وقد سبقت محافظة حلب قبل أكثر من عام بتعديل عدادات التاكسي فيها، ووضعت لها تسعيرة قريبة من المعادلة التي قدمناها بناءً على المعطيات الواقعية لاسعار السوق، والجميع هناك راضٍ: السائقون والركاب والمرور والمحافظة.
وتأخر محافظة دمشق في اتخاذ هذا القرار والبدء بتنفيذه فوراً يفاقم من مشكلة صغيرة تحصل كل دقيقة، وتزيد من حجم التوتر في الشارع، وهو الظاهرة التي تحتاج لدراسات معمقة، لفهم أحد الآثار الاجتماعية للحرب، والتي رفعت معدلات العنف ليس فقط على جبهات القتال، بل حتى داخل البيوت وفي الشارع وفي الحي.
جشع السائقين
ما يفوق طمع السائق سوءاً، هو جعلنا نتصرف بسوء مثله، ونفكر بأن “نتشاطر” عليه إذا أتيحت لنا الفرصة وصدفنا سائقاً طيباً، فيما نظنّ ان ننتقم من السائق الشرير الذي صدفناه ف اليوم السابق.
وأسوأ ما يفعله السائق دفعه إيانا للمجادلة والفصال حول مبالغ لا تتجاوز 50 ليرة في بعض الأحيان، وخجلاً من ذاتنا، نرضخ لمطلبه، ونعطيه إياها ونحن نتمتم: “إي ياخدها شو كنت رح اعمل بـ 50 ليرة أصلاً”.
الأيام
Views: 1