هناك العديد من الأسئلة المهمة والصعبة وأهمها من وكيف سيُجبر الرئيس إردوغان على سحب قواته من غرب الفرات وشرقه وإنهاء دعمه للفصائل والجماعات والأطراف السوريين العسكريين منها والسياسية والشعبية ما دام أنه يعرف جيدًا أن عامل الزمن لصالحه ويخدم حساباته في سوريا والمنطقة عموماً.
ويبدو واضحاً أن هذا المصير لن يكون قريباً مع استمرار الموقف التركي الحالي على جميع الجبهات العسكرية والأمنية والسياسية، وهو ما سيشجع وفد المعارضة في اللجنة الدستورية على مزيد من التعنت والاستفزاز.
فقد أكّد إردوغان ويؤكد في كل خطاباته التزام بلاده بوحدة واستقلال وسيادة سوريا إلا أنه يتصرف عكس ذلك غرب الفرات والآن شرقه. فالوجود العسكري والأمني والإداري التركي الفعال غرب الفرات منذ آب /اغسطس 2016، يرى فيه الكثيرون حتى في تركيا انتهاكاً صريحاً وعلنياً للسيادة السورية بعد أن ساعد هذا الوجود أنقرة على التدخل في كل صغيرة وكبيرة في سوريا وفق تفاهمات أستانة في كانون الأول/ يناير 2017 ومن بعدها في لقاءات واتفاقيات سوتشي بين اردوغان وبوتين.
ولا يعلم أحد إلا الخالق الجبار خفايا وأسرار علاقاتهما الثنائية وهي على الأقل حتى الآن على حساب الدولة والشعب السوري بكل فئاته وأطيافه .
فإذا لم تتضمن هذه الأسرار المعالجة الشاملة والنهائية للأزمة السورية على المدى المتوسط والبعيد، فالمعطيات تشير إلى نجاح إردوغان في تنفيذ مخططاته في سوريا غرب الفرات والآن في شرقه. فقد عرقل إردوغان المعالجة النهائية للأزمة في إدلب وهو ما غضّ بوتين النظر عنه، والله أعلم بالسبب، كما أنه نجح في توحيد جميع الفصائل المسلحة تحت راية ما يُسمى “الجيش الوطني السوري” الذي اعتبره العديد من الأتراك إشارة مهمة على عدم رغبة أنقرة في حل المشكلة السورية.
ولأن دمشق تعتبر عناصر هذا الجيش خونة وعملاء وإرهابيين، فيما يعتبرهم الرئيس إردوغان أبطالاً يقاتلون من أجل تحرير وطنهم.
كما تتبنى أنقرة علنا تدريب وتسليح وتمويل هذا الجيش الذي قال عنه العديد من المحللين الأتراك إنه لا فرق بين عناصره وعناصر داعش والنصرة الذين قاتلوا ويقاتلون ضد الدولة السورية.
ولم تكتفِ أنقرة بكل ذلك فتوغّلت شرق الفرات “بمباركة” روسية أميركية ستساهم باستمرار الوضع الراهن هناك في ترسيخ اللا حل للأزمة السورية وهو ما عبّر عنه الرئيس إردوغان الأسبوع الماضي بشكل غير مباشر.
فقد قال “إن عملية غصن الزيتون شرق الفرات ستستمر كما أن أنقرة لن تعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم حتى يموتوا بالبراميل المتفجرة التي هربوا منها أساساً”. فإذا لم تتغير قناعة الرئيس اردوغان تجاه الرئيس الأسد فلن يكون سهلا على أحد إجباره على المصالحة معه من أجل مجمل الأمور المعلقة بين الطرفين والتي تعرقل الحل النهائي للمشكلة السورية. وبات واضحاً أنها ستزداد تعقيداً بنقل عشرات الآلاف من السوريين الذين جاؤوا إلى الشمال السوري من مناطق المصالحة في الغوطة الشرقية ومخيم اليرموك وجوار درعا ومحيط حمص وغيره إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي بين رأس العين وتل أبيض بهدف إسكانهم هناك حتى يشكلوا ومعهم العشائر العربية حزاماً أمنياً يمنع أي عمل كردي مستقبلي ضد تركيا.
ويتوقع العديد من الجنرالات المتقاعدين لهذه الفكرة أن تساعد الرئيس اردوغان على تنفيذ مخططاته الخاصة بالشمال السوري بشقيه الكردي والتركماني، وهو ما كان بفضل الرضا الروسي والأميركي المشترك وعلى الأقل حتى الآن .
كما ترى أنقرة في الوجود الأميركي والروسي وأحياناً الإيراني مبرراً لاستمرار وجودها غرب الفرات والآن شرقه بما أن الحل ما زال مؤجلا في سوريا والسبب في ذلك هو حسابات الرئيس اردوغان الإقليمية والشخصية وعقده النفسية تجاه الرئيس الأسد، وهو ما اعتبره زعيم الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو “السبب الرئيسي في تدخله المباشر في سوريا ودعمه المستمر لكل المجموعات المسلحة هناك” .
فلو تخلّص إردوغان من هذه العقد، والقول لكليجدار أوغلو، وآخرين من الشخصيات السياسية والأكاديمية والعسكرية، لكان سهلاً جداً على دمشق تجاوز كل العقبات وحل كل المشاكل المعلقة خلال فترة أقصاها ثلاثة أشهر ما دام الجانب السوري مستعداً لنسيان كل شيء بعد أن دفع الثمن غالياً خلال السنوات الثماني الماضية. فقد تعرضت سوريا لحرب إقليمية ودولية لم يشهد التاريخ لها مثيلًا بعد أن تآمرت العشرات من الدول وفي مقدمتها الخليجية على سوريا التي جاءها عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب الذين لو كانوا قد دخلوا السعودية لكانوا قد أزالوها عن الخارطة.
ويبقى هناك العديد من الأسئلة المهمة والصعبة وأهمها من وكيف سيُجبر الرئيس إردوغان على سحب قواته من غرب الفرات وشرقه وإنهاء دعمه للفصائل والجماعات والأطراف السوريين العسكريين منها والسياسية والشعبية ما دام أنه يعرف جيداً أن عامل الزمن لصالحه ويخدم حساباته في سوريا والمنطقة عمومًا .
ويفسّر ذلك اتفاقياته العسكرية والاستخبارية والاستراتيجية الأخيرة مع قطر وليبيا بانعكاسات ذلك على المنطقة والتوتر شرق الأبيض المتوسط بسبب حقول الغاز الموجودة في محيط قبرص.
ومن ثم من وكيف سيقنع الرئيس إردوغان للتخلي عن مخططاته ومشاريعه إن لم نقل السياسية والعسكرية بل العقائدية والتاريخية التي أراد لها أن تساعده لإحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية بعد ما يُسمى الربيع العربي وهو ما يفسر تحركاته الإقليمية “من المحيط إلى الخليج” بل “من البحر الأدرياتيكي الى سد الصين المنيع”.
وكما قال الرئيس الراحل تورغوت آوزال بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واستقلال الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي في آسيا الوسطى والقوقاز .
ومن وكيف سيقنع الرئيس إردوغان للتراجع عن مجمل سياساته الداخلية التي يريد لها أن تساعده لتحقيق هدفه الأكبر وهو أسلمة الأمة والدولة التركية والتخلص من إرث أتاتورك العلماني ولكل ذلك علاقة مباشرة بسياساته العقائدية في سوريا والعراق وليبيا والمنطقة عموماً ؟
ومن وكيف سيقنع إردوغان حتى يعود إلى ما قبل 2011 عندما كان صديقاً بل أخاً للرئيس الأسد ومن خلاله والبوابة السورية دخل العالم العربي وهو لا يريد أن يخرج منها الآن بخسارة فادحة يسعى لتعويضها داخلياً حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية التي تذرّع بها فتدخّل في سوريا. فقد رفض الأسد، والقول لإردوغان، دعواته لتغيير الدستور الذي يسعى الآن هو لصياغته على مزاجه عبر اللجنة الدستورية .
فقد صاغ إردوغان دستور تركيا على مزاجه فسيطر على جميع مؤسسات ومرافق وأجهزة الدولة وأهمها الجيش والمخابرات والقضاء والمال و95٪ من الإعلام الحكومي والخاص فأصبح الحاكم المطلق للبلاد وبصلاحيات لم تكن حتى في أيدي السلاطين العثمانيين الذين أراد إردوغان أن يكون مثلهم فخلق لتركيا وسوريا بل للمنطقة عموماً مشاكل معقدة لا حل لها إلا إذا أراد هو ذلك !
وكل المعطيات الحالية تقول إنه لن يفعل ذلك لأسباب عديدة أهمها أنه لا يريد أن يُقال عنه إنه قد هُزم أمام الأسد ما دام اسمه اردوغان ومعناه بالتركية ‘الذي وُلد جندياً أو شجاعاً أو بطلاً!!
المصدر : الميادين نت
Views: 2