الكاتب: نداء الوطن
يُجمع كافة الخبراء الدوليين الذين زاروا العاصمة اللبنانية في الفترة الأخيرة لتقييم الأوضاع الإقتصادية على حقيقة واحدة: عدم تلمّس تفهّم الجهات الرسمية اللبنانية عمق المشكلة الإقتصادية. ولمعظم هؤلاء خبرة طويلة في إدارة ومعالجة أزمات مماثلة في العالم مثل الأرجنتين أو اليونان أو قبرص.
معظم تلك الدول مرت بأزمات إقتصادية حادة وعرفت ما يشهده لبنان اليوم من ركود وتدهور لسعر صرف العملة وتدابير الـ”كابيتال كونترول” وسائر التدابير القسرية التي تخنق الإقتصاد وتكبل الإنتاج.
وما يسترعي انتباه الخبراء الزائرين هو عمق المشكلة الإقتصادية وإتساع نطاقها لتطال القطاعات كافة، ليس فقط قطاعات الإنتاج إنما أيضاً القطاع المالي والنقدي، أي المصارف التجارية ومصرف لبنان المركزي، بالإضافة طبعاً إلى القطاع العام وأزمة ماليته العامة المتمثلة بعجز الخزينة والدين المتراكم.
الحالة اللبنانية فريدة بنموذجها الإقتصادي وقد دخل هذا النموذج مرحلة الإنهيار. القطاعات مترابطة ببعضها البعض والأزمات أيضاً. الدولة ترزح تحت عبء الدين الذي بدوره يثقل ميزانيات المصارف والبنك المركزي ويضعها في دائرة الخطر والإفلاس.
وأي خطة إنقاذية للخروج من الأزمة تتطلب إصلاح القطاعات الثلاثة في الوقت عينه. كل ذلك، والسلطة تمضي بسياسة النعامة متناسيةً أو متجاهلةً عمق الأزمة وآثارها على المواطن الذي دخل مرحلة الصراع على البقاء، سيّما وأنّ مصادر مطلعة على أجواء البنك الدولي الذي اجتمع ممثله الإقليمي بالمسؤولين اللبنانيين أكدت لـ”نداء الوطن” أنّ “البنك الدولي يبدي قلقاً كبيراً جداً على الأوضاع في لبنان”، كاشفةً أنّ المسؤولين في البنك الدولي أبلغوا المعنيين أنّ “لدى البنك سيناريوات كثيرة لإنقاذ لبنان ولكن فقط في حال تشكلت حكومة، وليس أي حكومة إنما حكومة توحي بالثقة باعتبارها معياراً يحتل الأولوية بالتوازي مع وجوب إجراء الإصلاحات اللازمة”.
ورداً على سؤال، تشير المصادر إلى أنّ “البنك الدولي لديه أكثر من سيناريو لسبل درس الأزمة المستعصية في لبنان ولتقديم الحلول اللازمة لها، على أن تُطرح كل سيناريوات الحل عند تشكل الحكومة اللبنانية على طاولة البحث لاختيار الأنسب منها والبدء برحلة تعاون جدي وكبير وسريع مع السلطات اللبنانية لإنقاذ الوضع ومنع انهياره”. وأردفت: “لا البنك الدولي ولا المجتمع الدولي سيكونان قادرين على المساعدة إلا بعد تشكيل حكومة تنال ثقتهما وثقة اللبنانيين أنفسهم، فالحلول جاهزة والبنك الدولي جاهز لتقديمها لكن على لبنان أن ينفذ ما التزم به من إصلاحات خصوصاً بعدما سمع المسؤولون اللبنانيون كلاماً واضحاً وخطيراً ينذر بتدهور الوضع بسرعة وبشكل دراماتيكي على المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية”.
إذاً الوضع ينهار، ولا تزال منظومة السلطة في لبنان “على أعصابها” منشغلة في رسم خريطة التحاصص الوزاري بين مكوناتها السياسية، ويسود في أوساطها حبس أنفاس بانتظار “اثنين التكليف” لقطع الشك بيقين تكليف مرشحها “التكنو – سياسي” سمير الخطيب لتأليف حكومة تستنسخ حكومات ما قبل 17 تشرين غصباً عن إرادة الشعب المنتفض مع إضفاء بعض الإضافات “الاختصاصية” القسرية على تشكيلتها لزوم “تقطيع القطوع” والمرحلة. ولفتت مصادر نيابية الانتباه إلى تعمّد وضع الحريري وكتلة “المستقبل” في مستهل مواعيد استشارات بعبدا “لحشره وامتحان موقفه” بينما التقليد كان يوجب بروتوكولياً تقديم موعد رئيس مجلس النواب نبيه بري فتم إرجاء موعد بري إلى فترة بعد الظهر “بهدف استبقائه في القصر الجمهوري لإعلان مرسوم التكليف مساء الاثنين”.
وعلى بُعد 72 ساعة من موعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا، بدأت معالم المواقف تتضح تباعاً حيال مسألة ترشيح الخطيب من عدمه وسط اتجاه “خليلي” الثنائي الشيعي إلى تكثيف اتصالاتهما ومشاوراتهما بمؤازرة من اللواء عباس ابراهيم للمحافظة على حظوط الخطيب وأسهم تكليفه بغطاء سنّي يؤمنه الرئيس سعد الحريري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقدرات البلد اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، في حين لا يزال رؤساء الحكومات السابقون على موقفهم الرافض لشكل تعاطي رئاسة الجمهورية مع مسألة التكليف والتأليف في سياق خارج عن الأصول الدستورية، وانطلاقاً من هذا الموقف حسم الرئيس نجيب ميقاتي مساءً موقف كتلة “الوسط المستقل” معلناً أنها اتخذت قراراً “بتسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة لكي يكمل المسيرة التي يقودها منذ ثلاث سنوات لأننا لسنا في مرحلة تسمح بإجراء تجارب”.
Views: 3