من الأهداف الخفية غير المعلنة لحرب إسرائيل وتحالفها مع أميركا العدوانية على غزة أن تصبح إيران هي العدو، وأن تغدو إسرائيل صديقة ورفيقة، وربما حبيبة إلى قلوب من يقبل بهذا المنطق المقلوب والرخيص من العرب.
ترى هل أضحى بين العرب من عميت بصائرهم إلى درجة فقدان القدرة على التمييز بين الصديق والعدو؟ «إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».
هل أصيب هؤلاء بمرض عمى الألوان بالفعل؟ وهل بين العرب هؤلاء من يجهل تاريخ مئة سنة أو تزيد من الاعتداءات والحروب اليهودية الصهيونية على أمنهم التي قد لا يوجد أحد من أبنائها لم يصب على أيديهم بعزيز؟ أم تراها المصالح الضيقة الآنية هي التي أعمت بصائر هؤلاء فصرفتهم عن النظر قليلاً إلى مستقبل أبنائهم وأحفادهم إذا ما قُيّض لإسرائيل النجاح في مراميها البعيدة المدى من النيل إلى الفرات، ألم يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا تعادي إسرائيل وأميركا إيران؟ هل هناك من سبب غير موقف إيران من القضية العربية الفلسطينية، وهي التي من أجلها تحديداً ناصبت إسرائيل وأميركا إيران العداء؟
رأى الإيرانيون بعد زوال عهد الشاه، وانتصار الثورة الإسلامية، أن بلادهم عادت إلى وضعها الطبيعي تجاه القضايا العربية الإسلامية، فبادرت إيران عند قيام الثورة والخلاص من ملك إيران السابق محمد رضا بهلوي «شاهنشاه إيران» إلى إغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران، لتحل مكانها سفارة لفلسطين، ومنذ ذلك الحين درجت إيران على إقامة يوم للقدس في كل عام، يقع في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، الأمر الذي لم تقدم عليه أي من الدول العربية، صاحبة الشأن الأول في القضية الفلسطينية.
دافع إيران إلى هذا التوجه الإسلامي هو إيمانها بأن فلسطين قضيتها هي أيضاً، بوصفها بلداً إسلامياً، وأن رابطة العقيدة الإسلامية بين إيران وفلسطين هي الإسلام وفلسطين عاصمتها القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، حاضنة المسجد الأقصى الذي بارك اللـه حوله، فهي إذاً أرض مقدسة بالنسبة للإيرانيين، يقع عليهم واجب الدفاع عنها، والجهاد في سبيل نصرتها وتحريرها سواء بسواء كها هنا تماماً، ومن ثم فهي تناصر أيضاً المقاومة الإسلامية في لبنان وتدعم بالمال والسلاح والرجال «حزب الله» في حربه المتصلة مع العدو الصهيوني وكيانه الغاصب المحتل.
إيران تعرف أن اليهود كانوا منذ الفتح الإسلامي، وحتى يومنا هذا هم الأعداء الألداء للإسلام والمسلمين، وهي بذلك لا تفرق بين أحد من المسلمين، جميعهم لديها سواء، وهذا التوجه الإيراني ذاته هو السبب من دون غيره، الكامن وراء معاداة الغرب الأوروبي والأميركي وصنيعته وحليفته إسرائيل، لإيران المسلمة.
إذاً كيف يشايع بعض العرب، وبعض المسلمين الغرب وإسرائيل فيناصبون إيران العداء؟ كيف يوالون العدو المشترك لنا ولإيران وينساقون وراء سعيهم لاستبدال المواقع، فيصبح العدو صديقاً والصديق عدواً؟
بوادر هذا التوجه لوحظت سافرة في الآونة الأخيرة لدى فريق من الأنظمة العربية التي باتت معروفة، بل إن من بين هؤلاء من يأخذ على إيران تقديم العون للفلسطينيين في معركتهم مع العدو المحتل لديارهم، ويعد ذلك عملاً مداناً، بدعوى تدخلها في قضايا تخص العرب وحدهم! ويتناسى هؤلاء أنهم يسمحون بالتدخل السافر، بل الاعتداء المباشر من الذين يوالونهم من أميركيين وإسرائيليين، ويحدث هذا بدلاً من إزجاء الشكر لإيران على مواقفها النبيلة الجليلة الفاعلة، إذ هي تمد إخوتهم بالعون المادي والمعنوي على كل صعيد، وكان حرياً بهم وأجدر وأولى أن يبادروا إلى فعل ما تقوم به إيران.
ولقد عملت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس على تأجيج نيران هذا العداء لإيران، متخذة من حكاية التسلح النووي الإيراني «المحتمل» سبباً لتخويف بعضهم، مع أن هذا التسلح هو في مصلحتهم قبل غيرهم، إذ إن من شأنه أن يكون رادعاً لإسرائيل التي تملك الآن، وفي هذه الساعة ما لا يقل عن أربعمئة قنبلة نووية هي أكبر أثراً وأعظم تدميراً من قنبلتي هيروشيما ونجازاكي المعروفتين. أليس الأولى بالعرب أن يخشوا قنابل إسرائيل النووية على مدنهم وحواضرهم وبواديهم، على حين أن قنبلة إيران الأولى مجرد احتمال قد يقع وقد لا يقع؟ هذا إذا كنا أو كان بعضنا غير مقتنع بجدوى القنبلة النووية الإيرانية في خدمة المصالح العربية التي أسلفنا الإشارة إليها للتو.
أميركا وإسرائيل لا تريدان لأي بلد عربي أو إسلامي من دون سائر خلق اللـه أن يمتلك سلاحاً نووياً، هذا مع أن إيران حتى الآن ما برحت تعلن على الملأ بأن أبحاثها لم تتجاوز ولا تنوي أن تتعدى حاجز استخدام الذرة في المجالات السلمية، وأنه ليس في نيتها على الإطلاق العمل على إنتاج سلاح نووي بدافع من حرصها على الإنسان، كائناً من كان، من منطلق ديني يحرم استخدام سلاح فتاك كهذا من شأنه أن يدمر البشرية فيما لو أفلت من عقاله.
إنه ليمكننا القول إن سلاحاً نووياً في حيازة العرب والمسلمين هو ضمانة الردع التي تحول دون استخدام إسرائيل لسلاحها النووي إذا ما كانت هي مالكته الوحيدة في المنطقة. لا تخشى رداً من المستوى نفسه، فالسلاح الذري ردع أكثر منه استخداماً، ولنا في ثنائية المعسكرين الشرقي والغربي في فترة الحرب الباردة بينهما خير مثال، فلقد امتدت هذه الحرب الباردة إلى ما ينوف على أربعين سنة من دون أن يلجأ أي من الطرفين إلى استخدامه، ونذكر بهذه المناسبة أزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا، التي أوشكت أن تسفر عن حرب ذرية لولا تراجع الزعيمين آنذاك السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي السابق نكيتا خروتشوف والرئيس الأميركي السابق جون كنيدي.
الغرب يسمى قنبلة الباكستان النووية بالقنبلة الإسلامية ويعلن مجاهرة، أنه ضد إنتاج قنبلة إسلامية! هذا في حين أنه لم يسم القنبلة الهندية التي أعلن عنها في الهند في وقت متزامن مع القنبلة الباكستانية بفارق يوم واحد، كانت فيه الهند هي السباقة، وإعلان الباكستان عن قنبلتها جاء رداً على القنبلة الهندية، لم يسمها الغرب بالقنبلة البوذية أو الهندوكية، ولم يسمِ القنبلة الأميركية أو الفرنسية بالقنبلة المسيحية، أو السوفييتية بالشيوعية ولا هو سمّى القنبلة الإسرائيلية بالقنبلة اليهودية! فما معنى هذا إذاً إن لم يكن العداء الغربي السافر لكل ما هو عربي وإسلامي؟ هو العداء الغريب الموروث منذ حروب الفرنجة الصليبية الغربية على هذه الأمة، وعلى منطقتنا التي ابتليت بهم على الدوام إلى اليوم.
الوطن
Views: 1