استعرت الخلافات بين أنقرة وواشنطن وتدهورت العلاقات بينهما إلى أسوأ مراحلها منذ عقود في ظل تبادل فرض العقوبات والعقوبات المضادة على وزيري الداخلية والعدل في كلا البلدين وفشل اجتماع وزيري الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتركي مولود جاويش أوغلو على هامش قمة سنغافورة لدول «آسيان» في حل الخلاف المتفاقم، ولاسيما حول قضية احتجاز القس الأمريكي أندرو برانسون، حيث أصدر أردوغان بعدها مباشرة أوامره بتجميد حسابات وزيري العدل والداخلية الأميركيين في تركيا.معروف أن الخلافات الحادة ليست حديثة العهد وإنما بدأت منذ الانقلاب الفاشل الذي اتهمت فيه تركيا المخابرات الأمريكية بتدبيره، حيث رفض البيت الأبيض تسليم فتح الله غولن المتهم بأن تنظيمه كان وراء الانقلاب، وبعدها باتت العلاقات الأمريكية- التركية تشهد تدهوراً مستمراً ولم تُجْدِ الاتصالات بين الرئيسين في وقف هذا التدهور، ولكن اللافت في الأمر أن التصعيد الأمريكي مؤخراً جاء فقط بعد سنتين من احتجاز القس وفي وقت شهدت العلاقات فيه بين أنقرة وواشنطن بعض التحسن، حيث تمّ تسليم أولى طائرات «إف35» وتفاهمات التحسن تمثلت أيضاً في تعيين سفير إلى أنقرة، بل إن العقوبات الأمريكية أتت بعد تطور إيجابي نسبياً في ملف القس نفسه، حيث كانت السلطات القضائية التركية قد أخرجته من السجن إلى «الحبس المنزلي» قبل أيام. وهذا يعني أن الموضوع «ليس رمانة وإنما قلوب مليانة» كما يقول المثل الشعبي وأن قضية القس ليست سوى ذريعة للتصعيد وليس سببه الحقيقي المباشر، فالأسباب الحقيقية تبدو أقرب للملفات الخلافية السابقة بين الشريكين الاستراتيجيين، وخصوصاً تقارب أنقرة مع موسكو بما في ذلك شراء منظومة «إس400» ومعارضتها العقوبات الأمريكية على إيران، فضلاً عن الخلافات في عدد من الملفات الإقليمية، وخصوصاً نزوع أنقرة نحو الاستقلالية عن سياسة واشنطن التي ما زالت تحاول التعامل معها وفق منطق الحرب الباردة وتسعينيات القرن المنصرم. طبعاً لا أحد يتوقع أن تصل الأمور إلى حد القطيعة بين أنقرة وواشنطن أو تبلغ نقطة اللاعودة رغم أن بينهما الآن ما صنع الحداد، وقد لا يكون ذلك أكثر من هزّ العصا الأمريكية بوجه أردوغان لإعادته إلى بيت الطاعة الأمريكي والإسرائيلي.
Views: 3