كان الإنسان اليوناني في الفترة ما بين “ألف وخمسمئة عام قبل الميلاد وثمانمئة عام قبل الميلاد” يجنح بخياله جاهداً لوضع صورة عن الكون يستطيع من خلالها معرفة وإدراك ما يدور حوله سواء على مستوى الطبيعة أو حتى على المستوى الإنساني نفسه وعلى الرغم من أن الصورة التي رسمها كانت أسطورية إلا أنها كانت قابلة للتصديق من الآخرين وثابتة حيث استطاع من خلالها أن يعبر عن نفسه وأحاسيسه ومشاعره نحو المجتمع..
فالأوديسة مثلاً تظهر بكل وضوح أن الشاعر قد حدد في تلك الملحمة معالم العالم الذي يحيط به بكل أبعاده حيث مثلاً الآلهة لها أدوارها، وكذلك الإنسان والحيوانات كل منهم تحددت أدوارهم مع الأخذ بالحسبان الفرق بين طبيعة كل منهم..
وبالطبع إن هوميروس كان يعرف هدفه تماماً من الأوديسة والطريقة التي عمل على حياكتها بها حيث إنه كان يعرف جيداً وقع النهاية السعيدة على سامعيه وقرائه فهو مثلاً يشيد بالناموس الكوني الذي لا يتغير في عالم متغير ومتحول ولم يتجاهل أن هناك صفات لا بد من توافرها في المجتمع حتى يثبت فمثلاً ركز على الثقة والأمانة والوفاء كصفات ضرورية لضبط المجتمع والتي نجد أمثلتها تتجسد في مواضع عدة من تلك الملحمة، فمحافظة بنيلوبي على عهد زوجها طيلة عشرين عاماً حفظ عودة أوديسيوس من الانهيار وحافظ على عائلته وعرشه، كما صور إيجابيات حب الوطن وحب العائلة والإخلاص والوفاء طبعاً إضافة إلى ذلك العرض الفني المتقن لنموذج العلاقة الزوجية المبنية على الحب والاختيار وهذا ما جعل من الأوديسة لها تأثيرها على الأجيال المتتالية لأنها ارتكزت على تصوير مشاعر وعواطف جوهرية لدى كل إنسان.
Views: 4