تُقدّر فجوة لبنان التمويلية الأساسيّة لهذا العام بنحو 10 مليارات دولار. صحيح أنّ العجز في ميزان المدفوعات قد تقلّص بفعل الضوابط على رؤوس الأموال والتي باتت كنوع من الحجز على الودائع، لكنّ ذلك حصل على حساب الاقتصاد، كلّ الاقتصاد المنتج، وعلى حساب حاجات المواطن ومستوى عيشه ونمط حياته وبالتالي “عزله” عن العالم…
حُجزت أموال اللبنانيين ومدّخراتهم ولكن من دون أي إصلاحات يمكن أن تُنسيهم كلّ التدابير الخانقة، والمترافقة مع زيادة الانكماش وارتفاع نسب البطالة على نحو هستيريّ.
نعم، ربما يكون عجز ميزان المدفوعات قد انقبض ولكن من دون تحقيق أي تقدّم في عجز الموازنة، ومزاريب الهدر وملفات الفساد، والأهم من دون إيجاد حلّ لأزمة الثقة بالنظام المصرفي، ولسعر صرف العملة الوطنية التي فقدت، حتى الآن، حوالى نصف قيمتها. بحسب الخبراء، “تكمن المشكلة الرئيسية في عدم معرفة الارقام الحقيقية لاحتياطات مصرف لبنان القابلة للاستخدام. التضارب بين الارقام واضح خصوصاً وأنّ البنك المركزي لا ينشر بياناته. من هنا، يمكن القول إن الفجوة التمويلية واضحة والدليل عدم دعم البنك المركزي الا لهذه المواد الاساسية الثلاث”.
بين “التشرينَين”
لا يمكن الحديث عن الفجوة في الحاجة التمويلية من دون التطرق الى التخوفات من مصير النظام المصرفي. في هذا الصدد، تتكاثر الوقائع التي تثير التخوفات لناحية مصير النظام المصرفي الذي يعاني من ضعف في نشاطه. فبين تشرين الثاني 2018 وتشرين الثاني 2019 تراجعت الاعتمادات المستندية للاستيراد بنسبة 69% وتراجعت بوالص التحصيل للاستيراد بنسبة 48% والاعتمادات المستندية للتصدير تراجعت بنسبة 64% والبوالص للتصدير 40%. وبين تشرين الثاني 2018 وتشرين الثاني 2019 تراجعت ودائع المصارف بنحو 10 مليارات دولار بينها 6 مليارات ودائع المقيمين و4 مليارات ودائع غير المقيمين، وقد حصل ذلك خلال شهر واحد، أي بين “التشرينَين”. في المقابل ارتفعت ايداعات المصارف في مصرف لبنان 26 مليار دولار في الفترة عينها.
كثيرة باتت العقبات التي تواجه القطاع المصرفي والتي تعيق إمكانية استمراره، ضمن التركيبة الحالية. حيث بلغت ديون القطاع الخاص، والمشكوك بتحصيل الجزء الأكبر منها (بسبب الافلاسات التي طالت الشركات، والركود التجاري) في تشرين الثاني الماضي 52 مليار دولار أي أنها تعادل نحو 100% من الناتج المحلي. لا بدّ من الاشارة الى أنّ هناك جزءاً كبيراً من هذه الديون شخصية ومن الصعب أن تُحصّل مع موجة الصرف وخفض الرواتب. ذلك يعني أن القطاع مهدّد بخسائر فادحة، هذا في الشق المتعلق بالقطاع الخاص.أما ديون المصارف للقطاع العام، وبعد خفض تصنيف لبنان الائتماني، فخسرت أكثر من نصف قيمتها. كلّ ذلك، من دون التطرق الى دين مصرف لبنان بالعملات الاجنبية والتي لم يتبقَّ منها سوى 30 ملياراً.
تقتضي كلّ هذه الخسائر رسملة كبيرة، وهو من الصعب تحقيقه في ظلّ الظروف الحالية، المقترنة بعدم تطبيق معيار الـ IFRS9، ما يتطلب إعادة تنظيم القطاع الضروري للاقتصاد.
“ورقة” سلامة
في لقائه مع رئيس الجمهورية، أواخر الأسبوع المنصرم، سلّم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “ورقة” قيل إنها تبيّن الوضع المالي الحقيقي. وبحسب المعلومات، تبيّن الورقة الورطة التي تحاصر المصارف. وقد أبلغ سلامة رئيس الجمهورية أنه اضطرّ الى إقراض المصارف بين الاول من كانون الثاني 2020 و15 شباط، 7 مليارات دولار، للايفاء بالتزاماتها للخارج وذلك من ضمن الاحتياطي الموجود لديه والذي يقال إنه 30 ملياراً وذلك بفائدة 20%.
الى ذلك أعرب سلامة عن عدم استعداده للتصرف بالاحتياطي الالزامي والبالغ 19 ملياراً (وهو ما يشكّل) 15% من الودائع.
تشير هذه الارقام الى أنه لم يتبقَّ للقمح والدواء سوى 4 مليارات دولار، وبالتالي لن تتمكن الدولة اللبنانية في جميع الاحوال من الايفاء باليوروبوندز. تحمل المصارف اللبنانية حوالى 15 مليار دولار أميركي واليوروبوندز التي يحملها المصرف المركزي بقيمة 5.7 مليارات دولار. في الاطار عينه، أصدرت د. سهام رزق الله من جامعة القديس يوسف ورقة بحثيّة، حملت عنوان “تدعيم الجهاز المصرفي أولاً… حفاظاً على حقوق المواطنين”، تطرّقت فيها الى القلق الذي يصيب الجهاز المصرفي اللبناني من خطر الانكشاف السيادي. بالنسبة الى رزق الله، فإنه “بالاضافة إلى سندات اليوروبوندز التي يحملها القطاع المصرفي، تظهر أرقام وكالة بلومبرغ أن المصارف اللبنانية اشترت شهادات إيداع بالدولار الاميركي من المصرف المركزي حتى بات عليه إلتزامات بقيمة 52.5 مليار دولار على شكل ودائع بالعملات الاجنبية وشهادات إيداع بالدولار الاميركي ويعود معظمها الى المصارف اللبنانية؛ أي أنها توظيفات من مجموع مدخرات المودعين اللبنانيين بالعملات الاجنبية”.
ولا بدّ من الاشارة ايضاً الى أن “معدل الاحتياطي الالزامي على الودائع بالعملات الاجنبية لدى المصارف هو 15% ما يعني أن مقابل مجموع الودائع بالعملات الاجنبية لدى المصارف وهو حوالى 120 مليار دولار، ثمة 18 مليار دولار على شكل إحتياطي إلزامي بالعملات الأجنبية، تضاف الى الاعباء بالعملات الاجنبية التي يفترض أن تكون لدى المصرف المركزي إمكانية تغطيتها”.
كلّ ذلك يعني أن حالة القلق المستشرية باتت نوعاً ما مبرّرة، لا سيّما وأن حاجة لبنان التمويلية الضرورية تُناهز الـ 10 مليارات دولار في حين لم يتبقَّ لـ “المركزي” من الاحتياطي القابل للاستخدام سوى 4 مليارات… فقط لا غير
Views: 4