لماذا نتمنّى أن تُقدِم السعوديّة على المُبادرة نفسها؟ وكيف جاء الموقف الأمريكيّ مُخجِلًا وفاقدًا لكُل القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة؟
في نداءِ الإغاثة الذي وجّهه السيّد محمد جواد ظريف، وزير الخارجيّة الإيراني، إلى دول العالم وحُكوماتها طالبًا فيه المُساعدة لمُواجهة وباء كورونا المُنتَشِر بسُرعةٍ في بلاده، قال عبارةً على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة وهي “الفيروس لا يُميِّز، وعلى الانسان أن لا يُميِّز أيضًا”.
قليلةٌ هي الدّول التي تجاوبت مع هذا النّداء العاجل، كان على رأسها دول عربيّة مِثل الكويت والإمارات وقطر، حيث تبرّعت الكويت اليوم بعشرة ملايين دولار، أمّا دولة الإمارات فأرسلت يوم الاثنين طائرتيّ مُساعدات إلى طِهران تحمِلان إمدادات طبيّة ومعدّات إغاثة مُتقدِّمة لمُكافحة الفيروس القاتل، أمّا الشيخ تميم بن حمد، أمير دولة قطر، فوجَّه بإرسال مُساعدات طبيّة عاجلة إلى الجار الإيراني قبل أيّام.
كان لافتًا أنّ وزير الخارجيّة الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد بادر بالاتّصال هاتفيًّا بنظيره الإيرانيّ جواد ظريف في مُبادرةٍ تضامنيّةٍ مع الشعب الإيراني، رُغم الخِلافات الكبيرة بين البلدين، وهو اتّصالٌ نادرٌ لقِيَ تقديرًا من الحُكومة الإيرانيّة والوزير ظريف مِثلَما جاء في الصّحف الإيرانيّة.
كُنّا نتمنّى لو أنّ المملكة العربيّة السعوديّة كانت على رأس الدول المُبادِرة لإرسال مُساعدات إلى الشعب الإيراني الذي يُواجه انتشارًا خطيرًا لهذا الوباء، ويعيش تحت حصار أمريكيّ خانِق، وظروف اقتصاديّة صعبة، ويحتاج إلى 172 مِليون كمّامة، و100 مليون قفّاز و200 ألف مجموعة فحص واختِبار للكشف عن الفيروس، وألف جهاز للتنفّس الصّناعي، ولكن يبدو أنّ الحُكومة السعوديّة لا تُريد الفَصل بين الخِلافات السياسيّة والكوارث الإنسانيّة، وهذا في تقديرنا خللٌ كبيرٌ، فالشّعب الإيراني يظلُّ شعبًا مُسلِمًا، ويجب الوقوف إلى جانبه في هذه المِحنَة، والترفّع عن كُل الاعتِبارات السياسيّة الأخرى، مِثلما فعَلت دول خليجيّة أخرى كما ذكرنا آنفًا، فالسعوديّة أقدمت على مُبادراتٍ مُماثلةٍ تُجاه إيران عندما ضرَبتها زلازل وتحتل مكانةً خاصّةً لوجود الحرمين الشريفين على أرضها.
موقف الولايات المتحدة الرّافض لإرسال المُساعدات، ورفع العُقوبات عن إيران في هذا الظّرف الصّعب، أو تخفيضها على الأقل، ولو مُؤقّتًا، حتى يتجاوز الشعب الإيراني هذه الأزَمة، يبدو مُخجِلًا ويفتقد إلى الحد الأدنى من الإنسانيّة، ويتّسم بطابعِ التشفّي، وهذا أمرٌ مُؤسِفٌ خاصّةً أنّ الحُكومة الأمريكيّة تدّعي أنّها تقود العالم الحُر، وتُلقِي مُحاضرات علينا ومُعظم دول العالم الثّالث حول ضرورة احتِرام حُقوق الإنسان.
تستحق جميع الدول التي وقفت مع إيران في هذه المِحنَة، وعلى رأسها الصين التي بادرت بإرسال طائرات مُحمّلة بالخُبراء والمعدّات الطبيّة إليها لمُساعدتها وشعبها في حِصار الوباء وفيروسه، وإنقاذ أرواح المُصابين، لكنّ الشُّكر الأكبر يجب أن يُوجَّه إلى الدول الخليجيّة، التي تجاوز بعضها خِلافاته وسارعت إلى إرسال المُساعدات، مُقدِّمةً الاعتِبارات الإنسانيّة على الاعتِبارات السياسيّة، ومن لا يَشكُر النّاس لا يَشكُر الله.
“رأي اليوم
Views: 1