لايوجد مجتمع في كل أنحاء الأرض يخلو من الفساد.
تلك حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها، كما لا يمكن لأحد أن ينكر الدور والتأثير الكبير لذاك الإخطبوط الذي يضرب بأيديه في كل الاتجاهات، وما يخلفه من إحباط للنفوس العاملة بجد واجتهاد، وتدمير للقيم، التي تربى عليها الناس منذ وعيهم الأول بالحياة، ولا آثاره السلبية على أساس الدول وبنائها.
لكن المشكلة الأخطر من تلك الآثار التي يخلفها الفساد، هي في الصمت عليه، وعدم التبليغ عنه، وترك الأمر كله على الدولة، والاعتقاد بأن أي تدخل لن يفيد في تغيير دفة الأمور. هذا التبرير الذي نقنع به أنفسنا، لم يعد يصلح الصمت عنه، فنحن بتلك العقلية نشارك الفاسدين فسادهم، ونسمح لهم بتكرار الفعلة طالما آمنوا بأن لا أحد غير الأجهزة الرقابية تراقبهم بعد أن فقدوا الإحساس والشعور بعظم مراقبة الله لهم الصمت وعدم الإبلاغ عن الفاسدين هو أيضاً من قبيل عدم العمل بما جاءت به السيرة الكريمة من الأمر، بتغيير المنكر، وأوضحت طرقه التي تبدأ باليد وهذه بالطبع لولاة الأمر، والثانية باللسان وهذه من نصيب من يقدر عليها، وهي متاحة الآن عبر الخطابات التي تُرسل إلى أجهزة الدولة نفسها، وفي مقدمتها هيئة مكافحة الفساد، أما الإنكار بالقلب فقط، فلا يستقيم مع الأمور، كونه يسمح بتفشي الفساد، أكثر وأكثرهناك حالات كثيرة اطلعت عليها أثناء مراجعتي للجهود التي تقوم بها هيئة مكافحة الفساد، لأناس أبلغوا عن أمور تتعلق بالفساد، وإن لم اطلع بالطبع على تفاصيلها أو أسماء المبلغين، كون الهيئة تفرض سياجاً كاملاً من السرية عليها، ولا تسمح حتى لو عرفت الاسم الصريح للمبلغ من التعريف به، وإنما تُخضع ما جاء في البلاغ للتحقيق، والمساءلة، لأن ما يهم هو الفساد، وحجمه ومكانه، وليس المبلغ عنه.
لست هنا في معرض الإسهاب عن آثار الفساد، وما يفعله بالأمم،
الصمت عن الفساد يزيد من فساد الفاسدين، وكما تعلمنا فإن المواطن هو المسؤول الأول عن أمن البلاد وحمايتها من أعداء الخارج، فإنه أيضاً المسؤول الأول عن حمايتها من الفساد الداخلي، وليس فقط الدولة وأجهزتها.
البلاد- محمد عواد الرفاعي.
Views: 3