يبدو أن الأسد هو الأقوى الآن في مجمل حساباته الداخلية والإقليمية والدولية، وخصوصاً في مواجهة “عدوه اللدود” الرئيس إردوغان، الذي لم يعد يملك إلا سلاحاً واحداً.
إردوغان سيجد نفسه في وضع صعب جداً في حال الإعلان العربي الرسمي عن التضامن العملي مع سوريا
في اللحظات التي كان فيها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتحدّث عن التدابير التي أعلنها لمواجهة فيروس كورونا، فاجأ ولي عهد الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد آل نهيان العالم بتغريدة على “تويتر”، قال فيها: “بحثت هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
لكلِّ كلمة في هذه التغريدة معانٍ مهمة، بقدر أهمية توقيتها الزمنيّ الذي صادف خطاب الرئيس إردوغان، وكلاهما يتبادلان مشاعر غير ودية بحق بعضهما البعض.
وقد جاء هذا الاتصال في إطار التحركات العربية التي بدأها رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، بزيارته دمشق في 2 آذار/ مارس الجاري، مع تضامن إعلامي مصري غير ملحوظ مع سوريا والرئيس الأسد في حربه ضد الإرهاب المدعوم من “المستعمر العثماني إردوغان”، بحسب وصف هذا الإعلام ومن معه من الإعلاميين المعادين لإردوغان.
بدوره يرى الإعلام المؤيد لإردوغان في محمد بن زايد ومحمد بن سلمان العدوين اللدودين لتركيا، حالهما حال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي في 3 تموز/يوليو 2013. وكان الأخير الحليف الاستراتيجي لإردوغان في مشروعه الإخواني العربي والعالمي الذي أُصيب بانتكاسة كبيرة إثر انسحاب مصر والإمارات والسعودية والبحرين والكويت، ولو بخجل، من التحالف الذي تزعّمه ضد سوريا وعدوّه اللدود الرئيس بشار الأسد.
ويبدو أن الأسد هو الأقوى الآن في مجمل حساباته الداخلية والإقليمية والدولية، وخصوصاً في مواجهة “عدوه اللدود” الرئيس إردوغان، الذي لم يعد يملك إلا سلاحاً واحداً، ألا وهو مسلّحو “جبهة النصرة” وحليفاتها في إدلب، يُضاف إليها عناصر ما يُسمى بالجيش الوطني، الذراع السورية للجيش التركي، الذي يدرّب ويسلّح ويموّل هذه العناصر، وقوامها حوالى 50 ألفاً مدعومين بحوالى 5 آلاف من الدبابات والمدرعات والمدافع والآليات العسكرية المختلفة الموجودة في الشمال السوري من إدلب إلى عفرين، ومنها إلى أعزاز، ثم جرابلس، فالشريط الممتدّ بين تل أبيض ورأس العين في شرق الفرات، وهي جميعاً تحت رحمة الطائرات الروسية التي لا تسمح للطائرات التركية باختراق المجال الجوي السوري، وسيكون بعد الآن أكثر حصانة، ولو نفسياً، بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه بن زايد مع الرئيس الأسد.
ويحمل هذا الاتّصال في طيّاته رسائل هامة جداً، ومنها الضَّوء الأخضر السعودي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وبالتالي تضامن مصري عملي مع سوريا التي قد يزورها قريباً الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بل وحتى التونسي قيس سعيد، وسبق لهما أن أعلنا عن تضامنهما مع سوريا في حربها ضد الإرهاب، والمقصود به مسلّحو “النصرة” ومن معها ومن خلفها جميعاً، وهو ما سيعني الكثير بالنسبة إلى معادلات المنطقة، بعد أن خسر إردوغان الجزائر وتونس، وكان قد عقد آمالاً كبيرة على علاقاته معهما في حساباته الخاصة بليبيا وضد التحالف المصري- السعودي- الإماراتي المدعوم أيضاً بشكل غير مباشر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويعرف الجميع أن القيصر الروسي أدى دوراً أساسياً في المصالحة الإماراتية- السورية بعد أن حقّق انتصاره الأهم على الرئيس إردوغان خلال مباحثات موسكو الأخيرة في ما يتعلّق بالوضع في إدلب، فقد أعلن إردوغان ثلاث مرات “التزامه بوحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها”، وتراجع “عن تهديداته للجيش السوري إذا لم ينسحب من المناطق التي سيطر عليها في محافظة إدلب”، التي ما زالت نقاط المراقبة التركية فيها تحت رحمة القوات السورية والطائرات الروسية .
ومع الإشارة إلى أهمية علاقاته العربية والإقليمية والدولية، بما في ذلك “إسرائيل”، فقد بات واضحاً أن بن زايد، باتصاله الهاتفي مع الرئيس الأسد، والذي جاء بعد أربعة أيام من اتصال مماثل ومهم بين إردوغان وحليفه الإقليمي الوحيد الأمير تميم آل ثاني، أراد أن يوجّه رسائل مهمة لتركيا لإقناعها أو إجبارها على الانسحاب من سوريا، ولاحقاً من ليبيا، وهذا ما سيتطلَّب المزيد من التحرك العربي المتوقع، بما في ذلك زيارة مفاجئة من بن زايد إلى دمشق قبل أو بعد الرئيس عبدالفتاح السيسي، العدو الأكبر للرئيس إردوغان.
ولا شك أن إردوغان سيجد نفسه في وضع صعب جداً في حال الإعلان العربي الرسمي عن التضامن العملي مع سوريا، الّتي أدى ووزير خارجيته آنذاك، أحمد داوود أوغلو، دوراً أساسياً في تعليق عضويتها في الجامعة العربية في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وذلك بالتنسيق المباشر والفعّال مع قطر والسعودية، وبدرجة أقل مع الإمارات.
وسبقت الإمارات شقيقاتها العربيات بإعادة فتح سفارتها في دمشق في 27 كانون الأول/ديسمبر 2018، بعد 10 أيام من الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى سوريا ولقائه الرئيس الأسد. وقال البعض إنه دفع ثمن هذه الزيارة غالياً، إذ أطاح به العسكر في 11 نيسان/أبريل 2019.
ولم تتأخّر الإمارات والسعودية ومصر في الإعلان عن تأييدها حكم الجنرالات الذين فاجؤوا الجميع بلقاء عبدالفتاح البرهان مع رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو في عينتابي في أوغندا في 2 شباط/فبراير الماضي .
ومهما قيل وسيقال عن هذا اللقاء والتآمر العربي والإقليمي ضد سوريا بعد العام 2011، فقد بات واضحاً أن الأيام القليلة القادمة ستحمل معها الكثير من المفاجآت حتى قبل القمة العربية في حزيران/يونيو، التي يتوقع أن تتأجل بسبب وباء كورونا، عدوّ الجميع، كما هو الحال بالنسبة إلى الرئيس إردوغان، الذي لم يعد له أي صديق في المنطقة العربية، سوى قطر وحماس والأحزاب والقوى الإسلامية، السياسية منها والمسلحة، التي تبنّاها، وما زال، منذ ما يسمى بالربيع العربي.
وترى الإمارات، ومعها السعودية ومصر والبحرين، فيها تنظيمات إرهابية تتحمَّل سوريا فقط مسؤوليّة محاربتها ومحاربة الرئيس إردوغان، الذي يرى فيه الكثيرون، باستثناء الإسلاميين، خطراً على الأمن القومي للأمة العربية، وعلى الأقل وفق تعليقات الإعلام الموالي في مصر والإمارات والسعودية ومن معها في الداخل والخارج.
ويبقى السؤل الوحيد: هل وكيف سيسمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهمه الوحيد الآن كورونا، لحلفائه الخليجيين بأن يتودّدوا للرئيس الأسد الذي سيشكل خطراً على حساباته الشخصية شرق الفرات؟
إذ ما زالت القوات العسكرية الأميركية تتواجد هناك لصالح “وحدات حماية الشعب الكردية “السورية، التي ترى فيها أنقرة الخطر الأكبر، على الرغم من حديث ترامب الذي توقّع مصالحة قريبة بينها وبين تركيا، والتي لن يقبل الجانب الكردي بها إلا بعد إخلاء سبيل عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني التركي، وسط معلومات تتحدَّث عن وساطة مصرية وإماراتية بين دمشق وبين هذه الوحدات، التي قد تتحوَّل قريباً إلى ورقة مهمة يراهن عليها البعض ضد البعض الآخر عربياً وإقليمياً، من دون تجاهل دور “إسرائيل”، صديقة الإمارات، والأهم من ذلك ثقل إيران الاستراتيجي، على الرغم من انشغال طهران الآن بفيروس كورونا!
وقد بات واضحاً أن فيروس كورونا هو المهدئ الذي قد يؤخّر المخاض، ولكنه لن يمنع ولادة حالة جديدة لن تكون لصالح إردوغان، الذي أصبحت إمكانياته في المناورة محدودة.
هذا بالطبع إن لم يفاجئنا بأوراق جديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ليكسب ما تبقّى له من الوقت في حربه ضد كورونا، وهو أيضاً يتصيّد الفرص لنفسه ولتركيا، كما يهدّد الكرد شرق الفرات .
المصدر : الميادين نت
Views: 4