يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب جائحة الرُهاب من تأثير «كوفيد – 19» على حملته الانتخابية فبات الخطر مُحدقاً بإدارته مع تردّي الأوضاع الصحية، وكذلك الاقتصادية والتي لطالما تغنّى بكلتيهما في المنابر وغرّد متفوقاً على تغريدات الحساسين الجميلة إنما على تويتر الذي ما انفكّ عنه طوال سنوات وهو يحارب من جهة «أوباما كير» ويتباهى من جهة بالوظائف الجديدة والأموال التي ضخّت في الخزينة الأميركية عقب صفقات عقدها ذاك العقاري البارع في التجارة.
ولطالما صدح صوته في المنابر الإعلامية والعالمية متبجّحاً بـ»أميركا أولاً» فأغلق حدود بلاده أمام «مَن يريدون تلويث جنسه الأبيض» وقام بتأسيس قوة عسكرية خاصة لـ«احتلال الفضاء»، ومواجهة ما سمّاه بالتفوق الصيني والروسي ولم تُحرك عجز حكومته، عن إمداد المستشفيات بأجهزة التنفس والكمامات والقفازات شيئاً من الحياء لديه، وتمّ إغلاق ولايات بأكملها واعتبرت بعضها بالمنكوبة كولاية نيويورك، من دون ملبّ لاستغاثات حكامها فبدا ترامب كرجل «نرجسي» «مغرور» يفتقر لأي نوع من المشاعر الإنسانية للتعاطف مع الآخرين. وهذا ما شاهدناه عبر تصريحاته عن مرضى وضحايا الكورونا التي بدت حقيقته واضحة عبر آخر تغريدة له قال فيها: «إنه، ووفقاً لبعض التوقعات، يمكن أن يصل عدد الوفيات إلى 2.2 مليون شخص (في أميركا)، إذا تمكنا من تقليل عدد الوفيات إلى 100-200 ألف شخص، فهذا يعني أننا قمنا بعمل جيد»!!
ناهيك عن أن ترامب أراد استخدام انخفاض أسعار النفط في عام 2020 لفترة معينة كورقة رابحة في الانتخابات، لكن رياح «كورونا» جرت بما لا تشتهي سفينته فلم يتوقع ترامب وصولها إلى هذا الحد، فما نفع البنزين الرخيص ما دام المواطن غير قادر على مغادرة منزله بسبب كورونا!..
فيما تصدّر وسم «لن نموت من أجل وول ستريت» قائمة الأكثر تداولاً في أميركا، وعبّر من خلاله الأميركيون عن استيائهم من أولويات ترامب التي تضع سوق الأسهم فوق حياتهم وسلامتهم، وكذلك من سياساته التي توجه الدعم الحكومي للشركات والمؤسسات المالية الكبرى على حساب المواطن.
وبالتالي صوته الصادح بـ«أميركا أولاً» الذي لم يوقفه شيء لا مصالح للاتحاد الأوروبي ولا تحالف «روسي صيني» ولا أهداف الحلف الأطلسي إنما أوقفه فيروس لا يرى بالعين المجرّدة فجرّد خطاباته وتغريداته من مضمونها وفحواها وأظهر الوجه الحقيقي للابتذال الترامبي الذي بات يواجه خطراً محدقاً بسبب تفشي فيروس كورونا وتردّي الاوضاع الاقتصادية، ما سيقلل من حظوظ فوزه بولاية رئاسية ثانية، فلن تنفعه اليوم إزالة القيود الصحية المفروضة في إطار مكافحة وباء كورونا، ولا حتى الإبقاء عليها.
ففي حال أزال القيود سيكون أمام ركود أو كساد اقتصادي أعتى من ذاك الحاصل في أزمة الرهن العقاري عام 2008 بل أكثر ضراوة من أزمة عام 1929 التي أنهكت العالم أجمع بنتائجها الكارثية، وفي حال استمر ترامب بإغلاق البلاد فإن توقعات خبراء الاقتصاد ترجّح ارتفاع معدّل البطالة في أميركا بسرعة كبيرة، ورافق ذلك تحذيرات من انهيار تاريخي في الناتج المحلي الإجمالي، وانهيار في الأسواق، فضلاً عن اتجاه أميركي سريع نحو الركود والكساد.
أما في حال الإبقاء على القيود فإن ترجيحات عدد الوفيات ستصل إلى نحو مليوني شخص، وفي كلتا الحالتين سيجد ترامب نفسه أمام شرّين لا خيار بينهما وفي أحسنهما ستكون النتيجة خروجه من البيت الأبيض.
في حين ذهب باحثون من الجامعة الوطنية الأسترالية إلى أبعد من ذلك، وتوقعوا الخطر المحدق بالولايات المتحدة في دراسة صدرت حديثاً تطرقت إلى التكلفة المحتملة من الناحيتين البشرية والمالية.
وأوضح مؤلفو هذه الدراسة أنّ «التكلفة المتوقعة للمال المهدَر يمكن أن تصل إلى 1.7 تريليون دولار عام 2020، بسبب تفشي فيروس كورونا، الذي لم يكن الأزمة الوحيدة التي تعاني منها الولايات المتحدة، فهناك الكثير من التهديدات الرئيسية الأخرى التي تواجهها، من بينها الخسائر التي تكبدتها الأسهم الأميركية، بجانب انخفاض كبير في أسعار النفط».
أضف إلى ذلك فشل السعودية وروسيا في التوصل إلى اتفاق بشأن خفض أعمق لمستويات إنتاج النفط؛ وحالة القلق التي تنتاب القوتين المنتجتين للنفط، ما أشعل «حرب أسعار» بينهما؛ مما أثر بشكل سلبي على أسواق النفط فيما تسعى كلتاهما إلى الإضرار بإنتاج النفط الصخري الأميركي مع انخفاض سعر النفط.
إلا أنّ الناتج الاقتصادي الذي طُمس نتيجة التدابير المضادة لفيروس كورونا، والضربة التي تلقاها منتجو النفط في الولايات المتحدة؛ ستُسفر عن نكسات إضافية للاقتصاد الأميركي، الذي أفاد العديد من الخبراء بأنه «هش ومهدد بالركود».
ومن الإجراءات الاحترازية لمواجهة الآثار الاقتصادية المحتملة لتفشي فيروس كورونا قرر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفض معدلات الفائدة الرئيسية للمرة الثانية في أقل من أسبوعين لما بين 0% و0.25% كما أعلن مجموعة تدابير جذرية لتعزيز الثقة والحفاظ على القطاع المالي، وأعلن شراء سندات خزينة بقيمة 500 مليار دولار وسندات رهن عقاري بقيمة مئتي مليار دولار، وفتح باب إقراض المصارف لحثّها على مساعدة الشركات والأفراد على تخطي تداعيات جائحة فيروس كورونا.
كما خصصت الولايات المتحدة 400 مليار دولار لدعم الاقتصاد بسبب تبعات أزمة فيروس كورونا، بحسب ما أكد كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي دونالد ترامب لاري كودلو، كما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن أربعة مسؤولين أن «إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستطلب نحو 850 مليار دولار لحزمة تحفيز تهدف إلى حماية الاقتصاد من التبعات الاقتصادية لفيروس كورونا الجديد من خلال استغلال ضرائب الأجور أو آليات أخرى لضخ سيولة في الاقتصاد»، وينوي وزير الخزانة ستيفن منوتشين بحث الطلب مع القادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
كما تدرس الإدارة الأميركية تقديم دعم لشركات الطيران بقيمة 50 مليار دولار تقريباً، لتعويضها عن خسائر هذه الأزمة، خاصة بعد إلغاء آلاف الرحلات خلال الفترة الماضية وفرض القيود العالمية على السفر.
وبالرّغم من تلك الإجراءات إلا أنه من الممكن أن تخلّف هذه الصدمة وغيرها من الصدمات المستقبلية غير المتوقعة عقوداً من إخفاقات القادة الأميركيين في معالجة المشكلة المالية المتنامية، وفي التاريخ الأميركي القريب مثال على تراكم الديون، فعندما تولى باراك أوباما منصبه بلغت الديون عشرة تريليونات دولار، ووصلت إلى عشرين تريليون دولار عندما وصل دونالد ترامب إلى الرئاسة، بينما تبلغ نسبة الدين العام في الوقت الراهن 23 تريليون دولار، لتشكل بذلك 107% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وفي حال ضربت هذه العاصفة العارمة الاقتصاد الأميركي، وأدخلته في حالة من الركود، كما هو مرجح بشكل متزايد، فإن الإنفاق على الديون وعجز الميزانية يمكن أن يرتفعا إلى مستويات لا يمكن تحمّلها، وبالتالي من الممكن أن يساوي سداد الديون وحده ميزانية وزارة الدفاع بالكامل وذلك بحلول عام 2025، ما يعني أن تكون التكاليف التي ستتحملها الولايات المتحدة مدمرة، بسبب تقاعس المسؤولين في مواجهة تراكم الديون، وبالتالي من الممكن أن تصدق رؤية بريجنسكي الاستراتيجية بميلان ميزان القوى من الغرب باتجاه الشرق..
Views: 4