في هذا الوطن العربي الذي ينتج ثلث الثروة النفطية العالمية تضرب البطالة 20 مليون شخص، أما الأميّة فتنهش عقول مليون عربي. حين تكون البطالة قاتلة والبطون ضامرة والعقول خاوية والقلوب زاخرة بالغضب، كيف لا يرتمي كثير من هؤلاء الشباب في آتون الإرهاب، فتُغسل عقولهم وتُصبح أجسادهم وقوداً لنار الفتن والاقتتال؟ عدد العاطلين من العمل في فلسطين يقارب 30%، يضطر نحو مئة ألف فلسطيني تقريباً للعمل عند الإسرائيليين أو في المستوطنات. في حلب السورية، عاصمة الصناعة دُمّرت الصناعة أو سرقت الى دول اخرى. في اليمن البطالة تقارب ٧٠الى ٨٠% ونصف اليمنيين يعيش على وجبة واحدة في النهار. وإذا هرب ليمني من الفقر قتلته قذيفة أو صاروخ . في هذا الوقت تنتعش أسواق السلاح. اشترت الدول العربية من الخليج الى المغرب الكبير أسلحة بمئات مليارات الدولارات في السنوات الماضية. ذهب جزء كبير من هذا السلاح الى ساحات الاقتتال العربية – العربية فانتعشت مصانع الأسلحة العالمية وكثرت مقابر موت الشباب في وطننا العربي.
في أوج الوهن العربي، يتقاسم العالم نفوذه في الساحات العربية وفوق جثث العرب، ويستمر نهب الثروات ولكن هذه المرة علانية. من الصعب بالتالي توقّع نهضة عربية قريبة، فثمة صراع أميركي-إيراني يساهم في شق الصفوف، وثمة تنافس إقليمي واضح على الدول العربية. هذا مثلا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انحسرت طموحاته في سوريا الى المناطق المتاخمة لتركيا بعد أن اطمأن على رفض قيام دولة كردية وخسر المعركة العسكرية هناك، يتمدد صوب ليبيا ويهدد بالتدخل العسكري نصرة لفريق ضد آخر. وهذه إيران التي كبر دورها كثيرا في العراق وسوريا واليمن ولبنان وصولا الى فلسطين، تواجه في الدول العربية أيضا المحور الآخر بقيادة أميركا عبر فرض واقع جديد يكون لحلفائها فيه الدور الأهم. وهذه اثيوبيا تُحصّن مواقعها لاستغلال سد النهضة والتضييق على مصر، وهذه إسرائيل تخترق الجسد العربي بعد ان اخترقت افريقيا وبعض دول أميركا اللاتينية فتسحب من تحت أقدام العرب آخر دعم خارجي، بينما الدول الكبرى من الغرب والشرق، أي من أميركا حتى الهند مرورا بروسيا والصين تقيم معها علاقات استراتيجية.
ثم ان المستقبل التكنولوجي والعلمي والبحثي والسيبراني، مرصود لكل الدول المجاورة للعرب، بينما هم يكتفون باستهلاك انتاج الآخرين. وهنا يكمن الخطر الأهم، فإسرائيل طورت كثيرا علومها واختراعاتها في الأمن الالكتروني ” cybersecurity ” وهي تتجه للسيطرة على ١٠ بالمئة من هذا السوق، ما يشكل أكبر تهديد للتوازن الأمني المقبل بين العرب وإسرائيل. ولا يوجد من ينافسها (ولو بنسبة أقل بكثير) في المنطقة سوى إيران.
خلاصة الأمر أن العرب المتقاتلين اليوم، والمنقسمين بين مؤيد لصفقة القرن والانفتاح على إسرائيل، ورافض لذلك وعازم على مواجهتها سياسيا أو عسكريا، لن يفلحوا إذا بقيت خطوط الإنتاج التكنولوجي والعلمي مقفلة عندهم، واستمروا بالاعتماد على الخارج الذي يستطيع ان يتحكم بكل مقدرات الوطن العربي وخياراته في المستقبل.
انتهى عصر الحروب العسكرية الكبرى، ودخل العالم في الجيل الرابع وصار على مشارف الجيل الخامس للحروب، وحينها سيكتشف العرب أن لا مكان لهم في العالم، وان ثرواتهم كلها صارت عرضة للنهب في أسواق النخاسة.
هل نستطيع تفادي ذلك؟ نعم، لكن هذا بحاجة الى تكامل علمي ونهضة فكرية وإنتاج تكنولوجي، بدل الشعارات السياسية الخاوية التي لم تقدم شيئا سوى الهزائم وخسارة الجزء الأكبر من فلسطين ومن احترام العالم.
Visits: 2