في وقت ينؤ اللبنانيون ومعهم المالية العامة تحت اعباء ما اقترف من موبوقات ونهب للمال العام منذ عام 92 وحتى اليوم وبعد ان فاقمت تداعيات وباء كورونا من هذه الاعباء لا زال الواقع الداخلي تتحكم فيه الكيديات والمصالح السياسية والحزبية والمذهبية دون «بريق امل» بالانقاذ حتى بلغت ازمات اللبنانيين بما يشبه برميل البارود القابل للانفجار في اي لحظة ولو ان ضرورات الوقاية من التعرض لكورونا يؤخر هذا الانفجار.
واذ اشرنا في مقالتين سابقتين عن مدى حال الاهتراء وغياب المسؤولية عند كثير من القوى السياسية واسماء لا تعد ممن يضعون انفسهم في مواقع الحرص على انقاذ لبنان واخراج ابنائه من حال العوز والفقر التي يواجهونها وكذلك تطرقنا الى ما هو حاصل في كل وزارات وادارات ومؤسسات الدولة التي تحولت طوال هذه السنين الى محميات ومزارع الهدر والصفقات والسمسرات نتوقف اليوم عند انواع مماثلة من مكامن سرقة المال العام وحال اللبنانيين او ما تبقى منها في جيوبهم.
وواقع الحال بما هي على مستوى الطبقة السياسية ووزارات ومؤسسات الدولة فالامور ليست بالافضل بما خص قضايا المواطنين اليومية الى مكامن الاحتكار التي لا تنتهي الى ابواب تطال كل تفاصيل المال العام وسرقة «جنى عمر» المواطنين ورغم ان الدخول في كل هذه الملفات طويل جدا لكن نتوقف عند بعض الاوضاع التي يعاني منها الجسد اللبناني وهي الاكثر امعانا في الواقع الانحداري داخليا ووفق وزير سابق حيث يرى فيها الجانب الخفي من مسببات هذا الانهيار ولا تزال وابرزها الآتي:
1- غياب الضمانات القانونية والاجرائية لمنع المس بأموال المودعين متوسطي وبسيطي المبالغ من خلال إلزام اصحاب المصارف بعدم التصرف بهذه الودائع او صرف سعر الدولار بالسعر الرسمي للعملة الوطنية وبما يتيح حصول سحوبات بالدولار لو بمبالغ معقولة.
لكن المسألة الاخرى التي لا تقل اهمية عن ذلك يؤكد الوزير السابق يتعلق بوضع حدّ نهائي للمتاجرين بسعر الليرة اللبنانية من داخل المصارف ومن الصرافين الشرعيين او غير الشرعيين، وبالتالي ضرورة الخروج من دوامة وجود ثلاثة واربعة اسعار للدولار ولو ان الامر يفترض قراراً حاسماً من جانب الحكومة بالتوافق مع مصرف لبنان والمصارف واصحاب محال الصيرفة على ان يكون تطبيقه إلزاميا بعد اعادة تقييم جدية للوضعين المالي والنقدي.
2- وضع حد نهائي لكل اشكال الاحتكارات المحمية سياسيا بما يتيح إلغاء الوكالات الحصرية وافساح المجال امام كل انواع المنافسة المشروعة ففي لبنان هناك نصف المبيعات يحتكر استيرادها قلة من التجار والمستوردين واصحاب النفوذ حيث مثلا تحتكر احدى الشركات الجزء الاكبر من استيراد الغاز المنزلي وكذلك الامر في استيراد الدواء والطحين و«الحبل على الجرار» على ما يزيد عن ثلثي حاجات السوق اللبناني في كل شأن من شؤون اللبنانيين الخدماتية والصناعية والزراعية فباتت كل هذه الحاجيات تتحكم بها حفنة من حيتان المال عبر الشركات الاحتكارية المحمية سياسيا ومذهبيا فيما هذا الواقع يفاقم من ارتفاع الاسعار ومن ارتفاع نسبة التضخم في مقابل زيادة الثروات الخيالية لاصحاب هذه الشركات الاحتكارية في وقت كانت الرقابة والشفافية ولا تزال شبه معدومتين.
3- غياب المحاسبة والرقابة لكل ما يتصل بشؤون خدمات المواطن بدءا من جشع معظم الذين يتعاطون بهذه الخدمات اسعار المواد الاستهلاكية والغذائية انجاز كل انواع المعاملات في مؤسسات ووزارات الدولة من مصالح الشؤون العقارية الى مئات البلديات الى تحصيل الضرائب والرسوم الى فواتير الاستشفاء حيث هناك شبه غياب للشفافية الى تفشي كل انواع السماسرة في عشرات الوزارات والمؤسسات بدءا من تخليص البضائع في المرافق والمرافئ العامة وما بين كل ذلك ما كان يحصل من سمسرات الى جانب المحسوبيات والتنفيعات في كل ما يحصل من انفاق المال العام في كل المؤسسات والوزارات.
4- ما عانى منه القضاء ولا زال من ترهّل وعدم القدرة على المحاسبة حتى اولئك الذين اظهروا ثرواتهم الضخمة الى العلن نتيجة وجودهم في مواقع مقررة او استفادوا من المحميات السياسية ومن الصفقات والامثلة على ذلك بالمئات وان القضاء تمنع عن البت بعشرات الاف والدعاوى الموجودة في الجوارير وبعضها منذ 20 و30 سنة، لاسباب مختلفة ابرزها الحمايات السياسية والعشائرية والطائفية وغير ذلك من حمايات وهو ما يفترض حصول تنقية شاملة للجسم القضائي الى جانب اعطائه الاستقلالية الكاملة في كل شؤونه والامر ذاته ينسحب بنسب اقل على بعض الاجهزة الامنية وبخاصة اعادة النظر بحاجة البلاد الى اعداد هذه الاجهزة مع اعادة النظر ايضا ببعض ما يتعلق بالعويضات الضخمة.
5- اهمية توحيد الهيئات الصحية الضامنة بالاستشفاء وتعويضات كل العاملين في مؤسسات الدولة لما لذلك من توفير ضخم في انفاق كل القطاعات الصحية المختلفة رسميا في لبنان الى جانب انعدام السياسات الصحية على مستوى الدواء وما هو حاصل من اهتراء ومحسوبيات في المستشفيات الحكومية ومراكز العلاج الاخرى فيما كل شيء يدل اليوم على التنفيعات والمحاصصة دون حسيب او رقيب.
كذلك الامر بما خص تعويضات نهاية الخدمة للعاملين في الدولة في مختلف اداراتها ومؤسساتها وهيئاتها المختلفة حيث هناك انفاقات خيالية دون مبرر في مواقع ومؤسسات واجهزة مختلفة. فبات بعض كبار الموظفين في هيئات ومؤسسات مثل مصرف لبنان او اوجيرو وغير ذلك يقبضون مليارات الليرات بعد احالتهم للتقاعد، عدا عن ما كسبوه في وظيفتهم من سمسرات وتنفيعات وصفقات وعشرات ابواب القرارات غير القانونية ولو ان فاعليها يبررونها بالانظمة المرعية.
والى جانب هذه الملفات الاساسية الكبرى فهناك كما يؤكد الوزير السابق عشرات بل مئات ابواب الهدر المماثلة ومنها وليس الحصر ضرورة اعادة النظر بعشرات القوانين والمراسيم والانظمة التي تتصل بعمل معظم مؤسسات الدولة فهناك مئات القوانين التي تبرر الهدر والسرقة المقوننة في كل قضايا الشأن العام وبعضها يتيح التهرب من ضرائب ورسوم بملايين الدولارات كما هو حال المرسوم الذي اقرّ في عهد حكومة فؤاد السنيورة والذي اتاح المجال لحيتان المال شراء عقارات في كثير من المناطق وبالاخص في بيروت حيث ثمن المتر الواحد يزيد في بعضها عن عشرة الاف دولار لكن بمجرد ان جرى انشاء شركة ولو شكلية في العقار المعني يتم اعفاء المشتري من اي رسوم على العقار باستثناء رسوم بسيطة على تأسيس الشركة وهو الامر الذي ينسحب بأشكال مختلفة على الاف المنشآت السياحية والمؤسسات والشركات.
ورغم ذلك كانت القوى السياسية ولا زالت من داخل الحكومة وخارجها تفتش على «فلس الارملة» ويتفنون في استنباط الضرائب والرسوم على الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود بينما استعادة جزء بسيط من مئات مليارات الدولارات المنهوبة يكفي لكي يفيض عن حاجة المالية العامة اليوم ويستمرون بالقول «ان البلد مفلس بينما في واقع الحال هو بلد منهوب» وبالتالي يدفعون في جانب اخر لربط لبنان بصندوق النقد الدولي حتى يفرض شروطه ومن المقدمة بيع ما تبقى من مؤسسات منتجة بأثمان رخيصة حتى لا يبقى دولة ولا بقايا دولة ويتمكن حيتان المال من مراكمة الثروات الضخمة على ثرواتهم الخيالية
Views: 3