الكاتب: خالد أبو شقرا – نداء الوطن
انتهى التنظير وحان وقت وضع المشاريع الحكومية في “خطة التعافي المالي” على “مسن” البرلمان. فإما “يشحذ” النواب الخطة ويزيدون حدّتها وحسمها “بزيت” رؤيتهم لمستقبل لبنان الاقتصادي، وإما يفاقمون من اعوجاجها في موافقتهم ظنّها بالقطاع الخاص، وتحميله منفرداً كلفة الاإنقاذ.
بين السراي الحكومي وساحة النجمة أمتار قليلة يحتشد فيها كل لبنان. مواطنون من مختلف المناطق والمذاهب، يرفعون رايات العدالة الاجتماعية ويعلون أصواتهم مطالبين بوطن نهائي لجميع ابنائه، وقطاع خاص شكل بمبادراته الفردية وسباحته لعقود ضد تيار السلطة المهدِم، الرافعة لاقتصاد حر ليبرالي، ساهم في خلق الطبقة الوسطى ورفع مستوى معيشة ابنائه وجذب المغتربين وقبلة للمستثمرين.
في هذه الامتار القليلة سيتقرر مصير وطن. فالخطة الحكومية المقدمة سواء كانت عن سوء نية أم عن جهل وتسرّع “تستفيد من الانهيار المالي الحالي والاضطراب الاجتماعي لقلب النظام الاقتصادي الليبرالي وتعديل الهوية الاقتصادية للبنان، متجاهلين حقيقة أن النظام السياسي هو الذي فشل، وليس النظام الاقتصادي، على الرغم من الحاجة إلى التحسينات”، بحسب رؤية “المنظمات الاقتصادية اللبنانية”.
فعلى نقيض مقاربات القطاع الخاص وتقديمه أوراقاً اقتصادية تتطلع الى مستقبل بناء لبنان، أتت الخطة الحكومية رجعية محاسبية لا تنظر إلا إلى الارقام في “المركزي” والمصارف التجارية ولا تولي بالقدر الكافي الاهتمام بمحركات النمو الاقتصادي. ورقة رسمية تغيب عنها الرؤية الى الامام، تجهّل مكامن صرف أموال المواطنين ومقدرات الوطن، وتبرئ الصارفين على مدى عقود من الزمن، والتي على اساسهما يجب ان تتحدد المسؤوليات وتوزع الكلفة.
قبل ان تقدّم جمعية المصارف ارقامها في خطة “المساهمة في التعافي”، كان البلد يسير أعرج على “قدم” الخطة الحكومية الملقية اللوم على القطاع الخاص، والموزعة كلفة تحمل الخسائر على المودعين والمصارف والدائنين، مبرئة عمداً السياسيين والقطاع العام من أي مسؤولية. فأتت ارقام المصارف والقطاع الخاص لتعيد التوازن من خلال مقاربة جديدة قوامها “استحالة تصفير العداد وتوقيف كل الاعمال والنشاطات وإعلان افلاس البلد من أجل إصلاح المالية العامة”، يقول نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان د.نبيل فهد. “فالاعلان على سبيل المثال عن عجزنا قبل 17 عاماً عن سداد سندات لبنان المستحقة في العام 2037 هو مقاربة خاطئة وغير منطقية”.
ان تضع المصارف “قدماً” إلى جانب الخطة الحكومية لا يعني بالضرورة امكانية “ركض” البلد إلى خط صندوق النقد الدولي النهائي والحصول على الاموال من أجل استعادة النشاط الاقتصادي، إنما على الاكيد تساهم بتعزيز موقع لبنان في المفاوضات وتصويب النقاش والحلول لما فيه مصلحة البلد المستقبلية. وذلك “من خلال رؤية تحفيزية للاقتصاد تساهم في خلق بيئة مؤاتية لتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب من خلال ضمان استقلالية القضاء، وخلق فرص العمل والحد من البطالة” يعتبر بيان المنظمات.البرلمان يقرر
أول هذه التحديات يتمثل اليوم في الاتفاق على الشكل الأعدل لمشروع قانون “الكابيتال كونترول” في مجلس النواب في الجلسة التشريعية الاولى بعد الاعياد والتوافق على تمريره أو ايقافه. فبعد استغلال طلب المركزي والمصارف منذ بداية الازمة بضرورة تقييد الرساميل بقانون يحمي المودعين والمصارف على حد سواء، جرى استغلال هذا الملف في الشعبوية الانتخابية إلى أقصى الحدود. الامر الذي دفع بالمصارف الى الاستنسابية في تطبيق ما تراه مناسباً، وبالتالي ظلم الكثيرين وانصاف آخرين على حساب كل المودعين. إلا انه في الوقت الراهن أصبح من المستحيل برأي الخبراء والمتابعين “التفاوض مع صندوق النقد الدولي على قروض بمليارات الدولارات من دون وجود قانون جدي يمنع ويحاسب على خروج العملات الأجنبية من النظام المصرفي من دون وجه حق”. فهل سيجري الاتفاق يوم الخميس المقبل على قانون عادل، ينصف المودعين أم يمرر بالشكل الذي يخدم فيه قلة قليلة من أصحاب الرساميل على حساب المصارف وبقية المودعين؟
في الجلسة نفسها سيناقش قانون استعادة الاموال المنهوبة، والتي تتصل بجزء كبير منها بالسياسيين وأصحاب الصفقات العمومية بشكل خاص فهل يقره النواب ويلاحقهم القضاء؟ النواب في جلستهم غداً سيقررون أي وجه للبنان يريدون. هل يقررون حماية القطاع الخاص وضمان استمرار تقدم لبنان أم تغطية المخلين من القطاع العام واستمرار سلطة الهدر والفساد الممنهج على حساب كل الوطن؟
أهمية البدء بإقرار القوانين يجب الّا تنسينا برأي فهد “مكامن الهدر والفساد الحقيقية في الكهرباء والجمارك والمعابر الحدودية حيث يخسر لبنان جراء التهريب ملايين الدولارات”. وبرأيه فان “إقرار القوانين مع بدء الاصلاحات والأخذ بنقاط القطاع الخاص تشكل المدخل الاساسي لبدء نقاشات جدية ومثمرة مع صندوق النقد الدولي”.
أرباب القطاع الخاص اللبناني يأخذون على الخطة الحكومية عدم اخذها بالاعتبار النقطة الاهم المتمثلة في تحفيز الاقتصاد من اجل الاستمرار و”كأن الخطة معدة من أجل تفليسة شركة وليس لضمان استمرار البلد”. وهذا برأي فهد “ما يجب تعديله في حال جرى الاخذ بنقاط جمعية المصارف لجهة عدم التوقف عن دفع الدين الداخلي واعادة توزيع الكلفة وان تتحمل الدولة بممتلكاتها ومصادر دخلها جزءاً من الكلفة بدلاً من رميها على القطاع الخاص والمودعين”.
Views: 3