المهندس: ميشيل كلاغاصي
هوليوود, ومن منكم لا يعرف هوليوود, عالم السينما الأول في العالم, مخرجين وممثلين, أبطال أدهشوا العالم, قدراتٌ خارقة, قصص خيالية مسيسة, خدمت السياسة الأمريكية وأظهرت ساستها أبطال استثنائيون, دافعوا عن البشرية ونجحوا في غسيل الأدمغة وبصنع المستحيل, وحولوا الأوهام والأكاذيب إلى حقيقة .. فكانوا براندو, باتشينو , دي نيرو , كلوني , فان دام , ستالوني .. ولا يبدو المدعو “قيصر” اّخرهم فهوليوود ولاّدة والأفلام كثيرة… وفي الحبكة, يتسلل قيصر المنشق حاملا ًبيده اّلة التصوير الخرافية, وينجح بإلتقاط 50 ألف صورة لـ 11 ألف سجين ومعتقل, واستطاع نقل “كنزه” إلى خارج أسوار السجن, ووضعه تحت جناحي حمامٍ زاجل, أوصلها إلى هوليوود, حيث جُمعت ورُتبت وتحولت إلى فيلم جديد, استمتع به البنتاغون ووكالة الإستخبارات المركزية والرئيس, واعتمدوه ورقة ًوسلاحا ً إضافيا ًمكملا ًلخطط وأساليب الحرب على الدولة والشعب السوري.
بسلوك العصابات لا بسلوك الدول, وبكامل النفاق ومن بوابة “حقوق الإنسان” تحاول الولايات المتحدة الظهور كمدافع عن الشعب السوري, بعدما أزهقت بمشروعها وحربها وعدوانها المباشر أرواح السوريين منذ عشر سنوات , وتستمر اليوم بعقوباتها الإستفزازية اللا مشروعة على الدولة والشعب السوري.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية تصب رهانها على ما تتوقعه من أرباحٍ ستجنيها من هذا الفيلم, على الرغم من كافة عوراته, فالصور مقتطعة وملفقة بتقنية الفوتوشوب، وغالبيتها إلتقطها الإرهابيون بأنفسهم وثقوا من خلالها مباهاتهم بقتل السوريين, فيما تعرض أخرى لقتلى مجهولي الهوية لا يعرف أحد أين التقطت تلك الصور, في سوريا أم في العراق وربما في اليمن أو في أي بقعة من الشرق الأوسط أو حول العالم.
لا يمكن تصوّر أن الولايات المتحدة تبني عليها رهانا ًواقعيا ً, حسبها محاولة شيطنة الدولة السورية وقيادتها وحصارها, بحثا ًعن تحقيق أهدافها السياسية التي عجزت عنها باللغة العسكرية, بالإضافة إلى تشويه صورة القيادة الروسية, والطعن بجهودها في محاربة الإرهاب وإتهامها بقتل المدنيين.
يخطئ من يعتقد أن البدء بتطبيق قانون قيصر, هو باكورة الأعمال العدائية الأمريكية على سوريا, فالإدارة الأمريكية ومنذ نصف قرن تحاصر الدولة السورية, وتحاول تضييق الخناق عليها وتطلب استسلامها أو تدميرها, ولا ينسى أحدكم ما تعرضت له سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم, وما بين الترغيب المقرون بالإستسلام والتدمير الكلي, تأرجحت واشنطن على حبالٍ مزيفة, أطلقت عليها عشرات المسميات , “إحتواء النظام” , “تغييرسلوك النظام” , “استبدال النظام” , “الإطاحة بالنظام” …إلخ .
مالذي يزعج الإدارات الأمريكية في سوريا ..؟
لا يحتاج الأمر شروحا ًمطولة, فالجميع يعرف أن تمسك الدولة والشعب السوري بهويته وعروبته وبالقضية المركزية الفلسطينية, وأساسها الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية, وما ترتب عليه من نسفٍ لحقوق الشعب الفلسطيني, وتطور لاحقا ًومن خلال المشروع الصهيوني التوسعي, إلى احتلال عديد الأراضي العربية في سوريا والأردن ولبنان ومصر.
لم تنزلق سوريا في هاوية معاهدات الإستسلام التي أبرمتها بعض الدول العربية مع سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب, وبقيت الصوت العربي الرسمي الوحيد, المناهض للمشروع الصهيو-أمريكي, واحتوت ودعمت كافة حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية والعربية, وكل من رفض الإستسلام وتمسك بالحقوق.
دفعت الدولة السورية وشعبها أثمانا ًباهظة لمواقفها المبدئية الثابتة, وتحملت عبئ تخاذل النظام العربي الرسمي , وواجهت المؤامرات الغربية, تارة ًبمواجهاتٍ مباشرة مع العدو الصهيوني, وتارة ًعبر إرهاب تنظيم الإخوان المسلمين بريطاني النشأة والمدعوم إسرائيليا ًومن الأنظمة العربية الرجعية.
حروبٌ عسكرية تقليدية, وحروب شوارع ومواجهات مباشرة مع العدو الصهيوني وعملائه وسط العاصمة بيروت, وحرب العصابات والإرهاب في أزقة وشوارع بعض المدن السورية … ناهيك عن التهديد المباشر جراء الإحتلال الأمريكي للعراق, وعرض الترغيب في زيارة كولن باول والذي تسبب بطرده من سوريا , وصولا ًإلى الحرب الكونية على سوريا.
سنوات وعقود صعبة وعصيبة تحملتها الدولة والشعب السوري, واجهت فيها بالإضافة إلى الحروب العسكرية والسياسية, حروبا ً إقتصادية وحصار وعقوبات على الدولة وعلى شخصيات إعتبارية ساندت الدولة والشعب السوري .
إن مسلسل العدوان العسكري على سورية بكافة أشكاله وأدواته الدولية والإرهابية, وما رافقه من حصار إقتصادي وضغوط سياسية (1980- 2000), لم يُثني السوريين عن النهوض بوطنهم القوي الذي أسس دعائمه الراحل حافظ الأسد, وتابع المسيرة الرئيس بشار الأسد وسار على ذات النهج والمسار, واستطاع السوريون من خلال طبيعتهم المميزة وقدراتهم الفردية والجماعية والنهج السياسي والإقتصادي للدولة السورية, النهوض بالوطن ونقله إلى أعتاب الدول المتطورة – الصاعدة صاحبة الإكتفاء الذاتي, ووصلت إلى مراحل هامة دفعت عديد الدول الأوروبية إلى طلب التوأمة معها, ودفعت إتحادها الأوروبي إلى طلب الشراكة الإقتصادية والثقافية وغيرها من أشكال الشراكة…
ومع هذا التطور والتقدم الكبير والإقتصاد القوي, أصبحت المواقف المبدئية السورية أكثر صلابة ازدادت معها القدرات السورية للدفاع عن القضايا القومية والوطنية , وأصبحت سوريا أقرب من أي وقت مضى قادرة على مواجهة الكيان الغاصب واسترجاع الأرض والحقوق , زاد منها تلك العلاقات الإستراتيجية التي تربطها مع عديد الدول كروسيا الإتحادية وجمهورية إيران الإسلامية والصين وغير دول على إمتداد العالم الحر .
كان هذا في العنوان, أما في التفاصيل ففيض من غيضٍ .. ولن تستجدي سوريا الرضى الأمريكي على حساب حقوقها وقضاياها ومصالح شعبها… ولطالما كانت المواقف السورية القومية والوطنية عائقا ًوسدا ًمنيعا ً أمام المخطط الغربي, الذي لم يجد بدا ًمن استهدافها بشكل مباشر, فكان الربيع العربي المزور وثورة التكفير والسكين والعدوان العسكري المباشر, أساسا ً للعدوان الكوني عليها.
لا بد لمن يعرف القيادة السورية والشعب السوري أن يراهن على فشل قانون قيصر, حتى لو أرخى ببعض ذيوله وأظهر ما أظهر من أنيابه, ولن يكون الحصار الإقتصادي دافعا ً أو ملهما ًللدولة للتخلي عن مواقفها وأهدافها في إستعادة سيادتها على كامل أراضيها بما فيها الجولان السوري المحتل, ولن يشكل “حافزا ً” للشعب لإسقاط حكومته والتخلي عن هويته وعروبته وعشقه لوطنه.
أي حساباتٍ فاشلة يراهن عليها الأمريكيون, بعد فشلهم في العدوان العسكري, وإنتقالهم نحو الحروب الإقتصادية وسياسة الحصار اللاأخلاقي واللاشرعي, وأي رهانٍ يدفعهم إلى تكبيل الأيادي السورية لمواجهة جائحة الكورونا, وإلى خنق الإقتصاد السوري ومنعه من إعادة إعمار البنى التحتية .. وأي حصار هذا الذي يحرم الشعب السوري من زرعه وقمحه وقطنه وخيرات بلده وثرواته النفطية, وسرقة مقدراته وحتى اّثاره , وتكريد وتتريك مدنه وبلداته , واستبدال مواطنيه بغرباء إرهابيين وحوش وقتلة.
وأي حسابات سخيفة وحملة الشائعات التي تطال الرموز الوطنية, والتي تتلاعب وتستخف بالعقول, وأي رهانٍ على سقوط الدولة جراء الإعلام الفاشل لشاشات أنظمة التخلف العربي والتي تهاجم سوريا الحضارة والتاريخ على مدار الساعة… وأي حسابات خاسرة تلك التي يراهنون عليها بإختلاق الأكاذيب وأوهام الخلافات السورية – الروسية – الإيرانية , وبعدم قدرة روسيا وإيران على مساندة الإقتصاد السوري .
من الواضح أن الهدف من قانون قيصر يسعى إلى تبرير التدخل العسكري في سوريا من جهة, ومحاولة الإمساك بخيوط الحل السياسي من جهة أخرى, ويسعى من خلال مروحته الواسعة إلى منع الشركات الروسية والإيرانية والصينية من تنفيذ الإتفاقيات الإقتصادية التي تم توقيعها مع الحكومة السورية, والتي شملت قطاعات النفط والكهرباء وعشرات القطاعات الإقنصادية والتجارية المنضوية تحت مشاريع الحزام والطريق, وبكل ما يُخرج أمريكا من المعادلة خاوية الوفاض عسكريا ًوسياسيا ًوإقتصاديا ً.
لن يكون قانون قيصر بداية الفيلم الهوليودي – الأمريكي ولن يكون نهاية له, ولن يعدو أكثر من حلقة أو مشهد إعتاد السوريون على مواجهته والتصدي له, فكما أطلق الأمريكيون قانون قيصرهم , يًطلق السوريون تحديهم , وإذا كان قدرهم أن يحاربوا سوريا فقدرها أن تسحقهم دائما ًوأبدا
Views: 7