عبّر مسؤولون أوروبيون، عن مخاوف من شهور «صعبة» قادمة ستواجه فيها أوروبا موجة ثانية من فيروس «كورونا»، في وقت عادت دول إلى تشديد إجراءات العزل في مدن وأقاليم يتفشى فيها الوباء.
وقالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في مؤتمر صحافي أمس (الجمعة)، في بروكسل، إن أحدث بيانات عن إصابات «كورونا» مقلقة. ونقلت عنها وكالة «رويترز»: «الجميع قلقون من أن أعداد الإصابات في زيادة… الجميع يعلمون أن أصعب أشهر لم تأتِ بعد».
من جهتها، قالت أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن جائحة «كوفيد – 19» في أوروبا باتت تثير القلق من جديد ولا يزال يتعين مواصلة التركيز على التصدي لها. وأضافت خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل: «الوضع الوبائي مقلق. لذلك يتعين أن نواصل تركيزنا الشديد على تجنب العودة للوضع الخطير الذي شهدناه في الربيع الماضي»، حسبما أوردت «رويترز». وتابعت أن الاتحاد الأوروبي يحرز تقدماً في الحصول على لقاحات محتملة للفيروس و«هذا أساس أي حل طويل الأمد لهذه الأزمة».
وفي روما، أفادت وزارة الصحة بأن عدد الإصابات الجديدة بـ«كورونا» في إيطاليا ارتفع إلى 2548 في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، وهو أعلى رقم منذ 23 أبريل (نيسان) الفائت، مع ارتفاع عدد الحالات التي تستدعي العلاج في المستشفى بنسبة 50% وازدياد الحالات التي تعالَج في وحدات العناية الفائقة بنسبة 19%. وجاءت هذه الأرقام بعد ساعات قليلة من إعلان رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي، عزمه على التقدم بطلب إلى البرلمان لتمديد حال الطوارئ التي تنتهي منتصف هذا الشهر حتى نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل.
وتؤكد الأرقام الجديدة لوزارة الصحة المخاوف التي أعرب عنها كونتي عندما حذّر مواطنيه من الإفراط في التفاؤل عند المقارنة مع الوضع الوبائي في البلدان المجاورة، مشيراً إلى أن الأشهر المقبلة قد لا تقلّ صعوبة عن أشهر الربيع التي عاشتها إيطاليا تحت تدابير الإقفال التام الصارمة في جميع المناطق. وكانت اللجنة العلمية المشرفة على إدارة الأزمة الصحية في إيطاليا قد شدّدت على ضرورة تشديد تدابير الوقاية والاحتواء بالتزامن مع ظهور الآثار الوبائية الأولى لاستئناف النشاط المدرسي، حيث أشارت وزارة التربية إلى بؤر لانتشار الفيروس في أكثر من 900 مدرسة.
وفيما قال منسّق اللجنة العلمية إن الوضع الوبائي العام لا يقارَن اليوم بما كان عليه في الربيع، خصوصاً بالنسبة للضغط الذي تتعرّض له الأجهزة والمنشآت الصحية، لكنه حذّر من أن الوضع في بعض الأقاليم يقتضي التحرّك بسرعة لتشديد تدابير الوقاية. وأفادت وزارة الصحة بأن إقليم فينيتو بشمال البلاد هو الذي يسجّل أعلى عدد من الإصابات الجديدة، يليه إقليم كامبانيا الجنوبي حيث ظهرت بؤر وبائية كثيفة في مدينة نابولي دفعت بحاكم الإقليم إلى التهديد بفرض الإقفال التام. ومع الازدياد السريع في عدد الإصابات الجديدة التي يشهدها إقليم لازيو منذ أسبوعين، قررت السلطات الإقليمية فرض استخدام الكمامات العازلة في شوارع العاصمة روما وضواحيها.
من جهته، دعا وزير الصحة الإيطالي روبرتو سبيرانزا، مواطنيه إلى «المقاومة والتضحية لسبعة أو ثمانية أشهر أخرى للوصول إلى شاطئ الأمان. في غياب اللقاح والعلاج، السلاح الوحيد الذي نملكه لمواجهة الفيروس هو سلوكنا والتقيّد بتدابير الوقاية»، مشيراً إلى أن الكميّة الكافية من اللقاحات لدول الاتحاد الأوروبي لن تكون جاهزة قبل منتصف العام المقبل. وجاءت هذه التصريحات للوزير الإيطالي خلال زيارته للشركة التي تقوم بإنتاج اللقاح الذي يجري تطويره في جامعة أكسفورد، حيث دشّن المرحلة الأولى من الإنتاج التي من المفترض أن تزوّد البلدان الأوروبية بالدفعة الأولى من اللقاحات لتوزيعها على أفراد الطواقم الصحية والفئات الأكثر تعرّضاً مع نهاية السنة الجارية. وإذ أكد سبيرانزا أن الوضع في إيطاليا ما زال حرجاً جداً ويستدعي اليقظة الدائمة، أعرب عن قلقه من تطور المشهد الوبائي الأوروبي، خصوصاً في إسبانيا وفرنسا التي وصفت حكومتها الوضع في العاصمة باريس بأنه «مصدر كبير للقلق».
وفي إسبانيا، سجّلت الإصابات اليومية الجديدة تراجعاً طفيفاً دون عتبة الآلاف العشرة، لكن مع ارتفاع في عدد الوفّيات إلى 182 وازدياد في الإصابات التي تعالَج في وحدات العناية الفائقة بنسبة 12%. ويواجه سكّان إقليم مدريد حالاً من القلق والريبة مع احتدام المواجهة بين الحكومتين المركزية والإقليمية حول تدابير الإقفال التي لا يعرف المواطنون مواقيتها ولا شروطها، في الوقت الذي تواجه العاصمة موجة من السريان السريع للفيروس وضع معظم مستشفياتها على شفير قدرتها الاستيعابية القصوى. وكانت الحكومة المركزية قد اعتمدت حزمة من المعايير لإدارة هذه المرحلة من الأزمة، تُلزم مدريد وعشر بلدات في محيطها بالإقفال التام، لكن ليس معروفاً بعد متى يبدأ تطبيق هذه المعايير وما إذا كانت السلطات الإقليمية ستمتثل لها.
وفي حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، قالت مديرة قسم الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية ماريّا نييرا: «إن الوضع الوبائي في إسبانيا يدعو إلى القلق، ومنذ أسابيع ينكبّ خبراء المنظمة على تحليل الأسباب التي جعلت من إسبانيا البلد الذي يتفشّى فيه الوباء بأعلى نسبة في أوروبا، وحتى الآن لم نتوصّل لمعرفتها». وأضافت نييرا التي سبق لها أن تولّت إدارة الوكالة الإسبانية للصحة العامة «إن سريان الفيروس داخل الأسر وسلوك الشباب خلال فترة العطلة الصيفية لا يبرّران وحدهما هذا النسبة المرتفعة من الإصابات». وشدّدت على أن الفحوصات لرصد الإصابات يجب أن تكون شاملة وخاضعة لاستراتيجية «شبه عسكرية»، أي تحت قيادة موحّدة، لتكون فعّالة.
وقالت نييرا إن البؤر الوبائية التي تثير أكبر قدر من القلق حالياً في العالم هي الهند والمكسيك والبرازيل وبعض الدول الأوروبية، وتوقعت أن تكون الدفعات الأولى من اللقاحات جاهزة مطلع العام المقبل في الدول التي تعاقدت على شرائها. لكنها حذّرت من عواقب عدم توزيعها بشكل منصف على جميع البلدان، على الأقل في المرحلة الأولى لتحصين أفراد الطواقم الصحية والفئات الضعيفة صحّياً.
Views: 1