تمثل الأسلحة الشبحية حالياً ذروة التقدم العسكري والهدف الذي تسعى إليه كل الجيوش الكبرى في عصرنا الحالي.
فلطالما كان التسلل خفيةً خلف خطوط العدو، أو تقليل قدرة العدو على رصد سلاح فتاك ما، فكرةً حاضرة بين البشر، ربما منذ أن قام رجل الكهف الأول بخياطة جيب سري في ملابسه وإخفاء صخرة فيه.
بعد آلاف السنين، وتملك الإنسان للقدرة على رصد الأشياء المخفية عنه على البر، وفي أعالي السماء وفي أعماق البحار باستخدام الإشعاع الكهرومغناطيسي، بات إخفاء الأسلحة على مرأى من الجميع طيلة الوقت أمراً أشد صعوبة بكثير. وقد تعثّر السعي وراء فكرة جعل الطائرات الحربية غير مرئية لموجات الرادار، لأن خصائص موجات الرادار الكهرومغناطيسية فيما يتعلق برصد أبعاد الأجسام المتحركة لم تكن مفهومة بالقدر الكافي.
عالم سوفيتي وضع الأساس النظري للأسلحة الشبحية، ولكن كيف انتقلت للأميركيين؟
كان ذلك حتى نشر الفيزيائي الروسي بيوتر يوفمتسيف عدداً من الأوراق العلمية حول التنبؤ بطبيعة انعكاس الموجات الكهرومغناطيسية، موجات الرادار. ولم يدرك الاتحاد السوفيتي مدى خطورة ما توصل إليه يوفمتسيف، فسمح بترجمة عديدٍ منها إلى اللغة الإنكليزية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأميركية.
لكن مهندسي المركبات الجوية في شركة Lockheed الأميركية أدركوا جسامة ما توصل إليه يوفمتسيف، واستنبطوا منه نظرية صحيحةً حول تقليص البصمة الرادارية أو “المقطع العرضي الراداري” [مقياس لقدرة الهدف على عكس إشارات الرادار في اتجاه مستقبل الموجات الرادارية، وهو مقياس لمدى إمكانية اكتشاف الجسم بالرادار] للطائرات.
وكانت ثمرة هذا الاكتشاف هي المقاتلة “إف – 117 نايت هوك” Lockheed F-117A Nighthawk الشبحية، التي تعد أول طائرة عمليات أميركية تستخدم تكنولوجيا التخفّي الشبحية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تقنيات التخفي الشبحي جزءاً لا يتجزأ من كل طائرة مقاتلة تنشرها الولايات المتحدة.
وفيما يلي خمسة من أقوى الأسلحة الشبحية في تاريخ الحرب الحديثة:
“لوكهيد إس آر-71 بلاك بيرد”: الطائرة الشبحية الأولى
تشتهر الطائرة “إس آر-71″، الملقبة بالطائر الأسود، بكونها أسرع طائرة أُنتجت على الإطلاق، غير أنها أقل شهرة كطائرة شبحية لا تظهر كثيراً للعيان. وكانت الطائرة إس آر-71 التي يمكن أن تحلق بسرعة 3.2 ماخ (3.530 كيلومتر بالساعة)، إحدى أولى الطائرات التي دمجت العديد من ميزات التخفي الشبحية في تصميمها.
الطائرة “إس آر-71” أُطلقت للمرة الأولى في عام 1962، وتضمنت أربع ميزات خفية في تصميمها: أولاً، صُممت أسطح الطائرة بحيث تتجنب انعكاس موجات الرادار؛ ثانياً، جرت الاستعانة في أجنحة الطائرة وذيلها وجسمها بسبائك معادن متقدمة، بالتناوب مع التيتانيوم، لجعل المركبة تمتص الموجات الرادارية؛ ثالثاً، وُضعت محركات “جيه 58” J-58 النفاثة محركات الحارق اللاحق/ (afterburning) الضخمة، مع مداخلها الهوائية الكبيرة بالقرب من بدن الطائرة.
أما الميزة الشبحية الرابعة التي دُمجت في طائرات “إس آر-71” كانت عبارة عن طلاء أسود مركب يحوي كرات حديدية مجهرية [تمتص إشارات الرادار، ومن ثم تقلل حزمة الأشعة المنعكسة وتشوّش إشارات الرادار].
تكلّف الطلاء، الذي أعطى طائرات “إس آر-71” مظهرها الفريد “الطائر الأسود”، وساعد في تقليل المقطع العرضي الراداري للطائرة، نحو 400 دولار للغالون. إجمالاً، منحت سمات التصميم الشبحي الطائرة “إس آر-71” مقطعاً عرضياً رادارياً يقل عن 10 أمتار مربعة. في حين أن المقطع العرضي الراداري للطائرة المقاتلة “إف-15 إيغل” F-15 Eagle يصل إلى 100 متر مربع.
الطائرة”إف -117 نايت هوك”: المشروع الأكثر سرية ومفتاح النجاح
عادةً ما يشار إلى الطائرة “إف-117″، وهي أول طائرة شبحية عاملة، بالخطأ على أنها “مقاتلة شبحية”. لكن خلافاً للاعتقاد الشائع، فإن “إف-117” هي في واقع الأمر قاذفة تكتيكية، لا تتمتع بقدرات القتال الجوي.
خضعت طائرات “إف-117” للتطوير ضمن مشروع Have Blue الأميركي السري للغاية، والذي أنتج طائرتين للتخفي. عملت طائرات المشروع على تطوير إمكانيات البصمة الرادارية المنخفضة على الأداء الديناميكي الهوائي، وبالطبع احتاجت إلى أنظمة الطيران بالسلك
(fly-by-wire) التي كانت قد طُورت للتو في طائرات “إف 16″، للتحكم في حركة الطائرة، وحفظ توازنها أثناء المناورات.
انتشرت التكهنات بوجود “المقاتلات الشبحية” خلال فترة الثمانينيات، قبل أن تصل الإثارة إلى ذروتها بعد تحطم طائرة “إف-117” في يوليو/تموز 1986 بالقرب من بيكرسفيلد، بولاية كاليفورنيا. ولم تؤد محاولات التستر إلا إلى زيادة الاهتمام العام بالموضوع، حتى اضطر سلاح الجو الأميركي إلى تأكيد وجود الطائرة في عام 1988.
شاركت الطائرة “إف 117” في العمليات القتالية لأول مرة في عام 1989، عندما قصفت أهدافاً أثناء غزو بنما. كما شاركت بعد ذلك في حرب الخليج الثانية “عاصفة الصحراء”، وعمليات فرض حظر الطيران ضد العراق في التسعينيات. وكان لها دور في مهمات أخرى فوق كوسوفو في 1999، وفي الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، قبل أن تخرج الطائرة من الخدمة في عام 2008.
القاذفة “بي 2 سبيريت”: القوة الهائلة والباهظة التكلفة
كشفت شركة Northrop Corporation عن الطائرة “بي 2 سبيريت” لأول مرة في عام 1988، وكان من المفترض أن تكون حقاً القاذفة الاستراتيجية الشبحية الأولى في الولايات المتحدة. وكان الهدف من تصميمها اللامع هو تقليل البصمة الرادارية للطائرة، ما يسمح لها باختراق الدفاعات الجوية السوفيتية إذا اشتعلت حرب نووية.
ومع ذلك، جاءت نهاية الحرب الباردة، لتُفقِد الطلب الكبير على القاذفة، فألغت وزارة الدفاع الأميركية طلباً كاملاً من 132 طائرة، وتم بناء 21 طائرة فقط. بعد ذلك، أظهر نجاح الطائرات “إف-117” الشبحية خلال حرب الخليج عام 1991 فائدة الطائرات الشبحية القادرة على تنفيذ عمليات القصف الجوي التقليدية بدقة، ليخضع أسطول “بي 2” لتعديلات، بغرض الاستعانة بها في مهام تقليدية.
ومما يجدر ذكره أن القاذفة “بي 2” قادرة على حمل كل شيء، من قنابل الجاذبية النووية B61 إلى ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM) حتى “قنابل الاختراق الهائل” (MOP) الضخمة التي تصل أوزانها إلى 30 ألف رطل.
حلقت القاذفة “بي 2” لأول مرة خلال العمليات القتالية في كوسوفو في عام 1999. كما شاركت في الحرب الأميركية على أفغانستان وحرب العراق.
وفي عام 2011، قصفت ثلاث قاذفات “بي 2” انطلقت من بر الولايات المتحدة، مطاراً ليبياً أثناء عمليات الحظر الجوي على ليبيا، ضد نظام معمر القذافي، أو عملية “فجر أوديسا”، بحسب تسمية الولايات المتحدة لها.
الطائرة”إف-22 رابتور”: المقاتلة الأقوى حتى اليوم
هي أول مقاتلة شبحية تشغيلية، صُممت لتحل محل مقاتلات “إف 15 إيغل”. وعلى خلاف الطائرات الشبحية الأميركية السابقة، ومنها “إف-117” وقاذفات “بي 2″، صُممت الطائرة “إف-22” بحيث تكون طائرات مقاتلة، مستخدمةً تكنولوجيا التخفي لمنحها ميزة حاسمة في القتال الجوي.
أُعلن عن دخول الطائرة إلى الخدمة في ديسمبر/كانون الأول 2005، وهي المقاتلة الأفضل في العالم، إذ تفوقت على جميع المقاتلات المعاصرة لها والمستهدف إنتاجها، وهي المقاتلة الوحيدة العاملة بما يسمى بمقاتلات الجيل الخامس.
بدأت الطائرة “إف-22” مسيرتها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تحت فئة “المقاتلات التكتيكية المتقدمة” (ATF). تلك المقاتلات هي أول طائرات تدمج الميزات الشبحية في منصة مقاتلةٍ عالية المناورة. وقد صُممت مقاتلات “إف-22” بحيث تصدر الحد الأدنى من البصمة الرادارية والأشعة تحت الحمراء، وهما آليتان أساسيتان لتوجيه الصواريخ جو-جو ضد المقاتلات. وتُقدر الشركة المصنعة “لوكهيد مارتن” المقطعَ العرضي الراداري لمقاتلات “إف-22″، من بعض الزوايا، بأبعاد تقترب من هيئة “الرخام الصلب” [بحيث يتقلص الانعكاس الراداري، ويتعسر كشفها].
خططت القوات الجوية الأميركية في الأصل لطلب 750 مقاتلة من طراز “إف 22” لتحل محل مقاتلات “إف-15 إيه” F-15A و”إف-15 سي” F-15C، لكن تم تخفيض الطلبات إلى 183 طائرة.
غواصة الصواريخ النووية من فئة أوهايو: أسطورة عدم الرصد
لا تنطبق إمكانات التخفي الشبحي على الطائرات فحسب، فقد كانت الغواصات تدمج ميزات التخفي في تصميماتها لعقود. ومن بين تلك الغواصات، فإن المزيج الأبرز من القوة الفتاكة وقدرات التخفى يأتي إلى حد كبير في غواصات الصواريخ الباليستية التي تعمل بالطاقة النووية من فئة أوهايو.
وتذهب أسطورة مشهورة –ربما ملفقة- عن فئة أوهايو إلى أنه لم يسبق يوماً أن رصدتها الغواصات السوفيتية المنافسة أو حتى أنظمة الكشف عن الغواصات.
وتعد غواصات أوهايو، التي يبلغ وزنها 18.450 طناً مغمورة تحت الماء، أضخم غواصات صنعتها الولايات المتحدة على الإطلاق. وتضم الميزات الشبحية فيها بدناً أسطوانياً على هيئة سمكة، لضمان حركة سريعة بأقل قدر من الضوضاء. وتُوضع معدات توليد الضوضاء على حوامل عازلة للصوت. وصوامع الصواريخ النووية، المرصوصة في صفين خلف الشراع، تنساب مع الهيكل لتقليل ضوضاء التدفق. كما تستعين الغواصة أيضاً بتركيب توربينين بخاريين، أحدهما للتشغيل الهادئ (منخفض الصوت).
تم بناء ثماني عشرة غواصة من طراز أوهايو، أربع عشرة منها تعمل كغواصات صواريخ باليستية، فيما أعيد تسليح أربع منها بصواريخ توماهوك كروز التقليدية
Views: 1