تُرى هل كُتب على لبنان ما قد كُتب وانتهت الحكاية.. وهل بات هذا البلد يُعتبر الحلقة الأضعف في عالم تتقاذفه الصراعات والأهوال والحروب ورسم خرائط جديدة لجغرافية الدول والبلدان كما الحدود.
كلمات ثلاث تكاد تختصر مشكلة لبنان وأزماته المتراكمة والمستعصية في مختلف أبعادها وتشعباتها وتداعياتها وارتباطها بالصراع الإقليمي والدولي، وما أدراك ما صراع الدول والساحات بدءًا مما يجري في ليبيا واليمن وأذربيجان وأرمينيا مروراً بسوريا والعراق، كما النزاع التركي القبرصي اليوناني انتهاء بما يخطط للبنان في الغرف المغلقة.
أما لماذا تتسارع الأحداث والتطورات في عالم تبدّلت معالمه واقتصادياته وتحالفاته بين ليلة وضحاها وبالتالي من يتحكم بمصائر الدول والشعوب، الجواب حتماً هو المصالح والمصالح وحدها دون منازع.
كيف يحدث ذلك، فالجواب على مثل هذا السؤال يحتم علينا أن نبحث وندقق في الخفايا والخبايا حول سر كبير ورهيب يُخفي وراءه أبعاد تلك التحالفات والصراعات الإقليمية والدولية من جهة ومدى العلاقة في ما بينها وبين أطماع تلك الدول والحكام والحكومات فيها بالثروات الطبيعية لا سيما الغاز والنفط والمياه وغيرها من تلك الثروات، وهذه العوامل وحدها كافية لكي تسعر الحروب والفتن والانقسامات بين الدول والشعوب لتقضي عليها دون رحمة أو تمييز، وعندها تبسط الدول الأقوى نفوذها وسيطرتها على الدول الأضعف لكي تبدل معالم الجغرافيا فيها كما التاريخ أيضاً، لتتبدل بعدها ثقافات وحضارات الدول كما التقاليد والأعراف والجذور والأصول.
من هنا لا بدّ من التفتيش عن الأقوى في هذا العالم الذي يراهن دائماً على انقسام الشعوب وتشتتها فتصبح الحلقة الأضعف في هذا السياق.
هذا بالنسبة لما يواجهه هذا العالم الذي يسابق الحضارة والثقافة والعلم والتطور والتكنولوجيا والزمن،إلا أنه يجد نفسه فجأة عاجزاً عن إيجاد حلول لأزمات خطيرة وكبيرة تترك تداعياتها وخطورتها في كل مكان من هذا العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عجز تلك الدول، بما فيها العظمى منها، وكل الباحثين والعلماء والمختبرات والأبحاث عن إيجاد علاج أو لقاح لوباء كورونا حتى الآن رغم المحاولات المتكررة لذلك ورغم ما نسمعه بين الحين والآخر عن نجاح تجربة هنا وأخرى هناك أو إكتشاف لقاح ما لهذا الوباء الخطير، لكن كل ذلك لم يؤتِ ثماره جدياً وعلمياً حتى الساعة، ناهيك بعدم إمكانية تلك الدول من حل أزماتها الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية في بلدانها والتي باتت تشكّل خطراً حقيقياً عليها وعلى شعوبها حتى كادت تصل إلى حافة الانهيار في العديد منها، وتلك الدول كانت حتى الأمس القريب تعتبر من أهم وأرقى دول العالم كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا وكندا وأوروبا وغيرها من الدول العربية والخليجية.
أما لماذا تسارعت تلك الأحداث بهذا الشكل المخيف في العالم حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه من تردٍّ في أوضاعها وركود اقتصادي ومالي واجتماعي، هنا قد لا نجد جواباً شافياً ووافياً عن مثل هذا السؤال والتساؤل في آن معاً، لأن العُقد والمشاكل والصعوبات المتراكمة يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة تزيد في الطين بلة لتحاكي الصدى والفراغ دون أن تجد أية حلول لمثل تلك الأزمات الخطيرة والكبيرة في العالم والتي ستؤدي من دون شك إلى الهلاك والهاوية والسقوط، وعندها قد لا يجد القيّمون على شؤون هذا العالم ما يلجأون إليه حتى هم أنفسهم لإخراج بلدانهم من النفق المظلم الذي بات يحيط بهم من كل جانب.
أما متى يُمكن الولوج إلى بصيص نور وبريق أمل يجعلنا ننتقل من مرحلة اليأس والقنوط إلى التفاؤل والأمل بإيجاد مخارج وحلول للأزمات الإقليمية والدولية ومن ضمنها بالطبع أزمة لبنان التي تعتبر نقطة في بحر مشاكل هذا العالم الهائج وتلاطم أمواجه من كل حدب وصوب.
يقال ان المريض يتمسك بحبال الهواء للعلاج والشفاء من مرضه وألمه، وأن الغريق يفتش عن قشة في عرض البحار يلجأ اليها ويتمسك بها للنجاة من الغرق وخطر الموت قد تساعده للوصول الى بر الامان، أما من يصارع بين الموت والحياة فلا يبقى له إلا التضرع الى الله سبحانه وتعالى، ومن ثم اتباع تعليمات الاطباء المولجين بعلاجه على أمل الخلاص من الألم والمرض الذي يعاني منه، وللأسف الشديد انها الحقيقة المرّة، وانها حال اللبنانيين في الوقت الراهن، فمعظمهم إن لم نقل جميعهم باتوا يتمسكون بحبال الهواء ويفتشون عن قشة في بحر هائج دون ان يجدوا حتى الآن قشة واحدة في بحر اولئك المسؤولين والسياسيين الذين اهلكوا البلد وناسه وأوصلوه الى ما هو عليه اليوم من انهيار وتدهور على مختلف الصعد والمستويات، أما الحكماء الذين يبحثون عنهم لإيجاد الحلول في هذا البلد فقد اصبحوا في خبر كان، مما جعل المواطن اللبناني يفتش ويبحث بين الحطام والركام والتراكمات والازمات عن منقذٍ او معين يعطيه جرعة من الامل تبلسم جراحه وآلامه على الاقل مرحلياً، ومن الآن وحتى تلك اللحظة سيبقى على موعد مع انتظار ولادة طبقة سياسية جديدة غير هذه الطبقة الفاسدة التي تتحكم بلبنان الآن مما اوصلنا الى هذا الدرك الخطير الذي نحن عليه اليوم.
اما كيف، لماذا ومتى ستنتهي مأساة هذا العالم ومن ضمنها مأساة لبنان واللبنانيين فلا بد من معجزة إلهية ما تقلب المشهد رأساً على عقب وتعيد تصحيح البوصلة في هذا العالم الذي يعاني ما يعانيه من ازمات الواحدة تلو الأخرى والأمل كل الأمل ان لا يطول الانتظار.
أخيراً، ما دعوة الرئيس ميشال عون الى اجراء استشارات نيابية ملزمة في الخامس عشر من الشهر الجاري لتشكيل حكومة جديدة في لبنان الا فرصة اخيرة لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة والمنشودة اقليمياً ودولياً بإلحاح، وإذا ما نجحت تلك المساعي المبذولة من اجل التوافق لتشكيل الحكومة العتيدة في بلد تنخره الطائفية والمذهبية والانقسامات حتى العظم، عندها نستطيع القول اننا ربما قد بدأنا بالخطوة الاولى نحو مسيرة الالف ميل باتجاه ايجاد الحلول لمشاكل لبنان،اما في حال فشل تلك المحاولة- لا سمح الله- فلا يمكن لنا عندئذٍ الا ان نركن ونعود الى كلام وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان الذي ادلى به بالأمس القريب للمرة الثانية على التوالي جازماً ان لبنان سيذهب حينها الى الزوال وسيتم شطبه عن خريطة العالم،وما تأجيل المؤتمر الدولي الداعم للبنان حتى تشرين الثاني القادم بدلاً من الشهر الجاري الا اعطاء فرصة جديدة لهذا البلد والمسؤولين فيه لجعلهم يتفقون في ما بينهم على تشكيل حكومة جديدة،وإلا فإن مثل هذه الفرصة ستكون الاخيرة لهم وللبنان، وهي اذا ما ضاعت لن نستطيع عندها القول، كيف، لماذا ومتى لأنها ستكون النهاية لوطن الارز، وعندها ايضا قد لا نجد من يحكي حكاية لبنان في هذا العالم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
Views: 1