البلد للأسف، يزدحمُ يومُ الافتتاح كما لو أنه لم يتبقَّ للحضور إلا ساعةً واحدةً للعيش وستقوم القيامة بعد هذا المهرجان، ثم في باقي الأيام “يا فكيك” أو “هاد وجه الضيف”… رغم أهمية المهرجان الحالي من حيث جِدّته وبكونه “الأول” من نوعه كمشروع يتبنّاه المعهد التقاني للفنون التطبيقية ويتمنى القائمون عليه استمراره في الأعوام القادمة رغم كل الظروف المُوجِعة.
“تشرين” حضرتْ فعاليات اليوم الثاني والتقت حسام وهب المدير الفني للمهرجان وسألناه عن سبب قلّة الحضور فقال: “البارحة كان يوم الافتتاح لذلك ستجد هناك عشرين صحفياً ومصوراً، وعشرين سائقاً ومسؤولاً، بالإضافة إلى الطلاب المشاركين وأصدقائهم وعائلاتهم والأساتذة المشرفين. أمّا اليوم فلا يمكنك أن تجبر الناس على الحضور. ولن تجد إلا المهتم فعلاً أما الباقي من المهتمين فستجده في محترفه أو في عمله. أمرٌ آخر مهم هو تغير فكرة الناس عن حضور السينما التي باتت شبه غريبة عنهم بسبب توفر كل شيء تقريباً على اليوتيوب والمواقع المتخصصة. كما إنه ليس لدى الكثيرين القدرة على التمييز بين ما يتابعونه على مواقع التواصل وبين ما يشاهدونه هنا من أفلام نوعية مختارة حسب معايير السينما والتي تمت غربلتها عدة مرات وهي غير متوفرة أصلاً على اليوتيوب.
نسأله عن غياب البروشور؟ فيجيب بـ”إن الإمكانيات قليلة جداً وتكاد تُقارب الصفر ولا تسمح حتى بطباعة بروشور أبيض وأسود. ولا وجود لرعاة إلا من خلال الرعاية العينية. فقد قدّم لنا المعهد العالي للموسيقا فقرة الافتتاح وسيشارك في الاختتام، وكذلك مديرية المسارح والموسيقا قدمت لنا التجهيزات والإضاءة، ومؤسسة السينما كذلك.
وردّاً على من ينتقد ويتحدّث عن “أن الدنيا تحترق وأنتم تقيمون مهرجاناً سينمائياً” يحدّثنا وهب بحسرةٍ وشيء من غضبٍ مشوبٍ بألم ويقول: “منذ وعيتُ على حياتي هذه وأنا أسمع عبارة “نحن نمرُّ في هذا الظرف التاريخي” أو جملة “إنها لحظة حرجة من تاريخنا” وهي تتكرر ألاف المرات في نشرات الأخبار وكلام المعنيين حتى باتت “كليشيهات” جاهزة ولم نعد ندري متى يجب أن نعمل بهناءة وراحة بال عملاً ثقافياً حقيقياً. وهل إذا كانت الحرائق قائمة يجب علينا أن نقف مكتوفي الأيدي دون أي فعل يليق بوجودنا نفسه! لاحظْ أن هذا الجيل الذي ندرّسه هو جيل الحرب المحروق، اللامبالي، المكتئب والذي يعيش في عالمه كما لو أنه شاشة مطفئة معتمة، وفي كل يوم يمرُّ عليه حدثٌ مؤلم أكثر من الذي قبله. لذلك إنّ ما نفعله اليوم في هذا المهرجان هو جزء مهم من القول إننا ما زلنا هنا رغم كل ما يحصل.
يشاركه في هذا الرأي المخرج علي العقباني عضو لجنة التحكيم في المهرجان فيقول: “أنا مع أي مبادرة فنية أو سينمائية تقدم فسحة للشباب في هذا الظرف الصعب لأنه من الضروري أن يقول الشباب لأنفسهم إننا ما زلنا فاعلين أو لدينا فاعلية في وجودنا. بل تكمن أهمية وجدوى هذه المهرجانات والمبادرات في تراكميتها واستمرارها رغم انعدام الميزانية”. ويكمل: “إن الطلاب هم الهدف وهم الجمهور وهم صانعو الأفلام. وهذه تجارب جديدة بحسب المتوفر من تقنيات في المعهد التقاني. ومع عدم توفر أي ميزانية سوى بعض الكاميرات الموجودة وأجهزة مونتاج متواضعة. الفكرة هي أن يعرفوا كيف يصنعون فيلماً قصيراً بإمكانيات متواضعة راعيناها كلجنة تحكيم”. ثم يحدّثنا العقباني عن المعايير التي وضعتها اللجنة بأن “معيار الابتكار والخيال كان أحد أهم المعايير التي تبنيناها. بمعنى قد تتشابه الأفكار بين الطلاب بحكم الزمالة والقرب من بعضهم لكن طريقة معالجة الفكرة هو الأهم” ويضيف العقباني: “هناك ملحوظة تتعلق بأن لدى الطلاب المشاركين اعتقادٌ بأنه كلما كان الفيلم مشغول بطريقة معقّدة كلما كان أجمل وأعظم، وربما سيكتشفون لاحقاً أن البساطة هي الأجمل وهي الأعمق والأقرب للمشاهد”. قلّة اهتمام أم متابعة للدروس!
ولعلّ غياب أو قلة حضور الطلاب صانعي الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان – والتي سيمنح فيها طالبٌ واحد جائزة عينية وليست مالية بحسب مدير المهرجان- أو بسبب التزامهم بدروسهم الجارية أثناء فترة عروض الأفلام جعلنا نقتصر على اسمين كلاهما من خرّيجي المعهد التقاني. فتحدّثنا سندس سليمان (دبلوم سينما وصاحبة فيلم “بداية أكثر ثبات… ممكن”) عمّا تعنيه السينما عموماً بالنسبة لها فتقول: “منذ صغري كان يصعب عليّ التعبير بالكلام أو بالكلمات لذلك لجأت إلى ما يجعلني أقول ما أريد بطريقة مختلفة. أقصد أنّ أحدهم يعبّر عن الحنان بالحضن، وهناك آخر يُعبّر عن الحزن بالبكاء، أنا وجدتُ أن أفضل طريقة لأقول نفسي هو من خلال هذه الأدوات السينمائية ليشعر الناس بما أشعر ويرون ما أراه فالمهرجان فرصة مهمة للناس أيضاً لأننا شعب لا يهتم بالسينما بشكل حقيقي ومسؤولية التسويق والترويج هو من مسؤولية القائمين على المهرجان وهي عادةً تكلّف ميزانيات ضخمة… لكننا نعلم وضع السينما بالبلد!، وعن فيلهما المشارك والرمزية المشغول فيها تضيف سليمان “هي الصعوبات المتعددة والمتنوعة التي عشناها كآثار لهذه الحرب. عن الأطفال المحرومين من ألعابهم. عن الشباب الذي دخل في التعاطي كنوع من الهروب. عن النساء المهمّشات والمسنّات المتروكات ثم أنهي الفيلم برمزية الطفلة كنوع من رغبة في بداية جديدة”.
فيما يقول لنا نورس بهلوان عن مشاركته بفيلم “روشن” بأن معناه يدلُّ على الحد الفاصل بين الظلمة والنور أو بين الليل والنهار. وليقارب فكرته أكثر يشرح لنا: “فكرتي تتمحور حول شابٍ مليء بالهلوسات ومسجون داخل هواجسه الذاتية وأوهامه. لذلك استخدمت الموسيقا كتزييف للواقع. كتضخيم لمشاعره المبالغ فيها. فالموسيقا رغم أنها تبدو زاعقة ومزعجة كما تقول فهي من وجهة نظري جزء من الفيلم لأقول إن الصخب الداخلي الذي يملأ حياة ذاك الشاب يشبه هذا الضجيج”. وعن اختياره للسينما أصلاً يقول “ربما في البداية كان نوعاً من تدريب وامتحان وواجب دراسي. لكن تحول إلى اهتمام وشغف ورغبة شخصية في الدخول إلى عالم التمثيل على الصعيد الشخصي. وربما لاهتمامي بعالم التصوير الضوئي هو ما جذبني أكثر نحو أجواء الأفلام وعوالم السينما الساحرة”.
يذكر إن هناك 42 فيلماً من أصل 70 تقدمت إلى المهرجان منها 25 فيلماً عربياً وأجنبياً و12 فيلماً سورياً، منها ستة أفلام لطلاب المعهد الحاليين، وسيتم في نهايتها توزيع ثلاث جوائز للمسابقة الرسمية، إضافة إلى ست جوائز لأفلام المؤسسة العامة للسينما، وجائزة خاصة لطلاب المعهد. والمهرجان مستمر إلى يوم الخميس 15/10/2020 حيث سيقام حفل الاختتام الساعة الحادية عشرة ظهراً.