السودان من كارثة التدخّل في حرب اليمن وقتل أبنائه إلى مِصيَدة التّطبيع مع “إسرائيل”.. هل سيَقود البرهان وحميدتي وبرطم البِلاد إلى التّفتيت والتّقسيم برُضوخِهم للابتِزاز الأمريكيّ الذي يَشترِط التّطبيع مُقابل الخُروج من قائمة الإرهاب؟
لا نَعرِف من يَقِف خلف رجل الأعمال السوداني أبو القاسم برطم الذي ظهر فجأةً على مسرح الأحداث في السودان، وأعلن أنّه يُنظّم رحلةً من 40 شخصًا من مُختلف الوان الطّيف السّوداني إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي أوائل الشّهر المُقبل من أجلِ كسر حاجز الثّقة تمهيدًا للتّطبيع الذي يُؤمن به ويسعى من أجله لأنّه حسب تصريحاتٍ له، سيفتح آفاق الاستِثمار الغربيّ للسّودان بسبب تأثيرات “إسرائيل” ولوبيّاتها على الاقتِصاد الغربيّ.
استِطلاعات الرأي الأخيرة تُؤكّد أنّ 13 بالمِئة فقط من الشّعب السّوداني الذي يملك إرثًا في الوطنيّة والكرامة العربيّة والإسلاميّة يُؤيّدون التّطبيع مع دولة الاحتِلال، بينما يُعارضه أكثر من 79 بالمِئة، ويعتبرونه إثْمًا خطيرًا، أو بالأحرى “أمّ الكبائر”.
وما يُعزّز هذه الحقيقة إصدار مَجمَع الفِقه الإسلامي في السودان، وهو هيئة مُحترمة لها مكانة دينيّة بارزة في أوساط الشّعب السّوداني وتَضُم كِبار العُلماء، أصدر “فتوى” بحُضور 40 عُضوًا من مجموعِ 50 عُضوًا من أعضائه، ترفض التّطبيع مع “إسرائيل” الدّولة المحتلّة للأراضي الفِلسطينيّة، وهي فتوى مُلزمة للحُكومة السودانيّة، حسب ما قال السيّد عادل حسن حمزة، الأمين العام للمَجمَع لوكالة الأنباء الفرنسيّة.
الأمر المُؤكّد أنّ المجلس العسكري الذي يتزعّمه الفريق عبد الفتاح البرهان، ووصل إلى السّلطة في انقلابٍ عسكريّ، هو الذي يدفع باتّجاه التّطبيع، خاصّةً أنّه والسيّد البرهان على وجه التّحديد، هو الذي ورّط السودان في حرب اليمن، وإرسال 15 ألف جُنديّ، لقتل الأشقّاء اليمنيين الأبرياء، وما حصَل عليه في مُقابل الجُنود الضّحايا ذهبَ إلى جُيوب قادَته.
في مطلع الشّهر الحالي أكّد الفريق محمد حمدان دوقلو حميدتي، نائب الفريق البرهان، والحاكم الفِعلي في السودان، تأييده لإقامة عُلاقات دبلوماسيّة مع دولة الاحتلال “لأنّ إسرائيل دولةٌ مُتقدّمةٌ، والعالم كلّه يَقِف معها.. ومن أجل تنميتنا نحتاجُ إليها”.
الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب يُمارس ضُغوطًا شديدةً على السودان عبر وزير خارجيّته مايك بومبيو وبعض الدّول العربيّة المُطبّعة أو التي على وشكِ التّطبيع مِثل الإمارات والبحرين والمملكة العربيّة السعوديّة من أجلِ توقيع “اتّفاق السّلام”.
الوزير بومبيو أكّد أثناء زيارته قبل عدّة أسابيع للخرطوم أنّ إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب ورفع العُقوبات عنه مَشروطًا بالتّطبيع مع إسرائيل، في ابتِزازٍ فاضِحٍ ومُذِل.
السيّد عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، الذي يُمثّل الجناح المدني في السّلطة السودانيّة يُقاوم وزُملائه في الوِزارة هذا الابتِزاز الأمريكيّ الإسرائيليّ، ويكبَح بذلك جِماح اندِفاع العسكر، ولكن لا نَعرِف إلى متى سيطول هذا الصّمود المُشرّف في وجهِ المُؤسّسة العسكريّة التي باعت شرَفها العسكريّ والأخلاقيّ لأمريكا وبنيامين نِتنياهو.
مُشكلة السودان الحقيقيّة لا تنحصر في غِياب الاستِثمار ورؤوس الأموال الغربيّة، وإنّما في الفساد النّاجم عن حُكم الانقِلابيين الذين يُهيمِنون على السّلطة مُنذ أكثر مِن ثلاثين عامًا.
فالسودان يملك ثروات زراعيّة ومعدنيّة هائلة، وشعب مُبدع وخلّاق وعلى درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة العلميّة والعمليّة، ولكنّ الحُكم العسكريّ الفاشِل والفاسِد، لم يسمح بقِيادة هذه الكفاءات دفّة الحُكم في البِلاد، وشاهدنا كيف عثَروا على عشرات الملايين نَقدًا في بيتِ الرئيس عمر البشير، كبيرهم الذي علّمهم الفساد.
الإسرائيليّون لم يُقدّموا لجميع الدّول التي طبّعت العُلاقات معهم غير الإذلال والهوان، وأوضاع الأردن ومِصر والسّلطة الوطنيّة الفِلسطينيّة الاقتصاديّة البائِسَة هي المِثال الأكبر في هذا الصّدد.
السيّد برطم، وحميدتي، والبرهان، وكُلّ من لفّ لفّهم لن يقودوا السودان إلا إلى الدّمار والخَراب والتّفتيت، وسيُكرّرون خطأهم التّاريخي السّابق عندما صدّقوا الوعود الأمريكيّة بالرّخاء ووقّعوا اتّفاقًا أدّى إلى فصلِ ثُلث الجنوب، ومعَه كُل ثرواته النفطيّة، وإذا لم يرتَدِعوا فإنّهم سيُكرّرون الخطيئةَ نفسها.
“رأي اليوم”
Views: 3