تبدو خطة حلفاء ترامب لإفساد الانتخابات الأميركية قد دخلت حيز النفاذ، في وقت يصر الرئيس الأميركي على التشكيك مقدماً في نزاهتها.
ويمثل تشكيك الرئيس الأميركي الحالي في العملية الانتخابية ومهاجمتها باعتبارها تحتمل التزوير ثم رفضه إعلان الالتزام بقبول نتائجها، أمراً جديداً على السياسة الأميركية.
هذه التطورات جعلت الانتخابات الأميركية التي من المقرر أن تُجرى في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، تشبه على نحو متزايدٍ نظيرتها التي تقام في الديمقراطيات الهشة والدول الاستبدادية، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأميركية.
على غرار مصر وباكستان
تُظهر الولايات المتحدة كثيراً من المشاكل ذاتها التي لطالما كان الأميركيون ينتقدونها في مجتمع مراقبة الانتخابات الدولية بالبلدان التي تفتقر الديمقراطية فيها إلى الرسوخ.
ففي الديمقراطيات الحقيقية الراسخة، لا يهاجم المنافسون السياسيون عموماً قواعد العملية الانتخابية أو نزاهتها، ولا يتهمون المرشح المنافس لهم أو السلطات الانتخابية بالتزوير المسبق، ولا يعمدون إلى تخويف الناخبين أو تهديدهم باندلاع العنف. أما البلدان التي تفتقر فيها الديمقراطية إلى أي أسس حقيقية، فهي التي تكون فيها الشكاوى من الاحتيال أو غياب العدالة ديدناً، وغالباً ما يكون العنف- أو التهديد به- أمراً متضمناً في مسارها. وهذا ما يدفع إلى تقويض ثقة الجمهور بالانتخابات وبالديمقراطية ذاتها.
في الديمقراطيات المتعسرة والأنظمة الاستبدادية، يسود جدل دائم حول نزاهة القواعد والعملية الانتخابية برمَّتها. ويدأب المرشحون الخاسرون على مهاجمة نزاهة العملية الانتخابية، سواء أكان لديهم أساس للهجوم أم لم يكن. وواقع الأمر، أنه يمكنك أن تحكم بأن بلداً ما ليس (أو لم يصبح بعد) دولة ديمقراطية ناجحة، عندما ترى الخاسرين في الانتخابات يلومون التزوير ضدهم ويسارعون إلى الطعن في شرعية العملية الانتخابية.
وما نشهده الآن جعل من الممكن لبعض الناس مقارنة الولايات المتحدة مع بنغلاديش: فالأخيرة لديها كثير من السمات المميزة للديمقراطية، مثل الانتخابات متعددة الأحزاب والبرلمان الفعال، ومع ذلك، ففي كل انتخابات من الانتخابات الوطنية الستة التي أُقيمت منذ تحوُّل البلاد عن النظام السلطوي إلى نظامٍ أكثر ديمقراطية في عام 1991، نشهد اتهامات من الطرف الخاسر لمنافسه الفائز، بأنه قد زوّر الانتخابات.
وثمة مثال آخر على الديمقراطيات الهشة نراه في مصر، التي أضاعت فرصة التحرك نحو ديمقراطية حقيقية بعد الانتفاضة التي شهدتها في عام 2011، ومن بعدها نشهد طعن الأطراف الخاسرة في نزاهة كل عملية انتخابية عرفتها البلاد مذاك. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن تؤدي مزاعم سرقة الانتخابات إلى موجة من العنف، كما حدث بكينيا في عام 2007، حيث قُتل نحو 1400 شخص في أعقاب الانتخابات.
لكن الجديد حالياً، هو أنه على غرار المنافسين السياسيين في البلدان غير الديمقراطية، رأينا الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشكك بقوة في مصداقية العملية الانتخابية. وخلال المناظرة الرئاسية التي أقيمت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، على سبيل المثال، ادّعى ترامب، بلا دليل، أن هذه الانتخابات “ستشهد قدراً من التزوير لم يسبق أن رأته الولايات المتحدة من قبل”. وعلى الرغم من أن التصويت عن طريق البريد ممارسة راسخة في جميع أنحاء البلاد، فقد استخف ترامب مراراً بالاقتراع الغيابي، ووصفه بأنه “مروع” و”فاسد”.
ثم نشر ترامب تغريدات تقول: “بطاقات الاقتراع عبر البريد شديدة الخطورة. هناك قدر هائل من الاحتيال وغياب الشرعية فيها”.
ترهيب الناخبين والتهديد بمنع التمويل
علاوة على مهاجمته للمسؤولين عن إدارة الانتخابات، مثل تهديده بـ”وقف التمويل عن ولاية ميشيغان إذا أرادت السير في مسار الاحتيال [بطاقات الاقتراع البريدية] على الناخبين هذا!”. ومن ثم إذا خسر ترامب الانتخابات وألقى باللوم على التزوير، فسوف ينضم إلى تقليد طويل الأمد لطالما انتهجه الحكام المستبدون، الذين بمجرد خسارتهم الانتخابات ينقلبون على العملية الانتخابية برمَّتها ويطعنون في نزاهتها.
إحدى الممارسات الأخرى التي غالباً ما تُرى في البلدان الهشة ديمقراطياً وينتقدها مراقبو الانتخابات الدوليون، هي ترهيب الناخبين في مراكز الاقتراع على يد قوات أمن غير رسمية أو من قِبل مراقبي الاقتراع المنتمين إلى أحزاب سياسية ذات سطوة. وهو ما شهدناه خلال الانتخابات في مصر عامي 2014 و2015، حيث انتقد المراقبون الدوليون وجود مسلحين مجهولين يرتدون ملابس مدنية في مراكز الاقتراع.
وفي ميانمار عام 2015، أعرب المراقبون عن قلقهم بشأن تجنيد المدنيين للعمل ضمن قوات شرطة مساعدة، لنشرها في مراكز الاقتراع. ويبدو أن وجود هذا النوع من المجموعات يسير جنباً إلى جنب مع تصاعد احتمالات اندلاع العنف: ففي بنغلاديش وباكستان، على سبيل المثال، غالباً ما تظهر العصابات المسلحة المنتمية إلى أحزاب سياسية، في مراكز الاقتراع؛ لإثناء مؤيدي خصومهم عن التصويت، كما تعد الاشتباكات بين أنصار الأحزاب المتعارضة ظاهرة متكررة.
قارِن هذه الممارسات بما يحدث الآن في الولايات المتحدة: مثل حثِّ ترامب مؤيديه على “التوجه إلى صناديق الاقتراع ومراقبة سير الأمور بعناية شديدة”. والفكرة هي أن ما يسمى جيش المؤيدين سيظهر في مراكز الاقتراع؛ للتصدي للتزوير المفترض من قِبل مؤيدي المرشح الديمقراطي جو بايدن. ولا يخفى أن هذا الخطاب يدفع باتجاه نوعٍ من المواجهة الأهلية أثناء الانتخابات، ومن ثم يزيد من مخاطر اندلاع العنف.
كما أن تلك الدعوات استمرار بطريقةٍ ما للهجمات التي شنَّها ترامب على تظاهرات حركة “حياة السود مهمة” في جميع أنحاء البلاد، وتأييده الواضح لسلوك جماعات سيادة العرق الأبيض والميليشيات اليمينية، على غرار ما حدث بالمناظرة الرئاسية في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، عندما دعا مجموعة “براود بويز” المتطرفة إلى “الانتظار والتأهب استعداداً” للتدخل، وحين دافع عن الشاب المسلح المؤيد له الذي اتُّهم بقتل شخصين في احتجاجات ويسكونسن.
إنه لَأمر صادم أن يدعو رئيس الولايات المتحدة ومقربون منه إلى أفعال من هذا النوع أو استخدام لغة قد تحرض على العنف أو توعز بتأييده. هذا النوع من الخطاب مُخيف بطبعه، فضلاً عن كونه ينطوي على مخاطر شديدة. والآن، كما هو الحال مع الانتخابات في البلدان الهشة ديمقراطيتها أو غير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، هناك أسباب جلية للقلق بشأن احتمال تصاعد المواجهة في يوم الانتخابات، وأن نرى أيَّ طرف يخسر انتخابات 2020 يدعو مؤيديه إلى الخروج اعتراضاً في الشوارع.
قيود على تسجيل الناخبين وعرقلة لعملية التصويت
ثمة مشكلات أخرى غالباً ما تشيع في العمليات الانتخابية المثيرة للجدل بالبلدان النامية، باتت سائدةً الآن في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، لطالما انتقد المراقبون الدوليون السلطات في عديد من البلدان، بسبب العقبات التي تعترض تسجيل الناخبين وعمليات الاقتراع، والتي قد تؤدي إلى قمع أصوات مجموعات انتخابية معينة: في ميانمار، لا يُسمح عموماً لأعضاء أقلية الروهينغا بالتصويت؛ وفي أفغانستان، تعاني مشاركة النساء في الانتخابات صعوبات جمة.
والآن، بالمثل في ولاية فلوريدا الأميركية، بذلت المؤسسة الجمهورية جهودها لتقويض تعديل دستوري للولاية يطالب بإعادة حق التصويت للمواطنين الذين صدرت ضدهم أحكام جنائية سابقة.
وفي ولاية تكساس هذا العام، رفضت سلطات الولاية توسيع نطاق استخدام الاقتراع الغيابي، رغم الوباء المستمر، وأصدر الحاكم الجمهوري للولاية مرسوماً يقضي بأن يكون لكل مقاطعة– حتى الأكثر اكتظاظاً بالسكان- صندوق واحد فقط للاقتراع المبكر، وهو ما يجعل عملية التصويت أشد مشقةً ويؤثر بدرجة كبيرة على المناطق الحضرية التي من المرجح أن تصوت للديمقراطيين.
وفي السياق نفسه، عادةً ما يدعو المراقبون الدوليون إلى إنشاء سلطات انتخابية مستقلة للإشراف على تفسير وتنفيذ قوانين الانتخابات، وإدارة العملية الانتخابية نفسها، حيث غالباً ما نشهد انحياز هيئات إدارة الانتخابات الرسمية إلى الأحزاب الحاكمة أو المتولّية للسلطة وقت الانتخابات. ومن نواحٍ عديدة، تعد هذه المشكلة في الواقع أسوأ مشكلة تعانيها العملية الانتخابية بالولايات المتحدة، إذ لا توجد هيئة وطنية مستقلة لإدارة الانتخابات كما هو الحال في معظم الديمقراطيات، وحيث يتولى مسؤولون سياسيون حزبيون ومحليون إدارة الانتخابات العامة، حتى إنهم في بعض الأحيان يشرفون على انتخابات يكونون هم أنفسهم مرشحين فيها.
خطة حلفاء ترامب لإفساد الانتخابات الأميركية دخلت حيز النفاذ
أثناء الانتخابات نفسها، يحث المراقبون الدوليون دائماً المرشحين والأحزاب والناخبين على الانتظار والصبر حتى تتم عملية فرز الأصوات، وتجنب إعلان الفوز قبل الأوان أو التشكيك في الفرز، كما حدث بعشرات الأماكن، مثل أفغانستان في عام 2014. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تشهد الظاهرة نفسها هذا العام، فقد ذكرت وكالة AP News أن “بعض حلفاء ترامب يقولون إن أفضل رهان لهم هو الأمل في أن تبدو النتائج متقاربة بين المرشحين ليلة الانتخابات، وقبل عدّ بطاقات الاقتراع عبر البريد، وهو ما يسمح لترامب بإعلان النصر والحصول على نتيجة تتيح إلقاء مهمة إعلان الفوز على المحاكم والطعون”.
ومن الواضح أن ترامب بذلك يريد من المحكمة العليا الأميركية التدخل لصالحه في أي نزاع بعد الانتخابات بشأن فرز الأصوات؛ فخلال المناظرة الرئاسية الأولى، اعترف بأنه يريد من المحكمة العليا “التحقق من بطاقات الاقتراع”، داعياً إلى تثبيت مرشحته للمحكمة العليا، إيمي كوني باريت، في الوقت المناسب لتشارك بهذه العملية، فقد قال ترامب: “أعتقد أن [الانتخابات] سينتهي أمرها إلى المحكمة العليا، وأعتقد أنه من المهم جداً أن يكون لدينا تسعة قضاة وقتها”.
من خلال مراقبة الانتخابات بجميع أنحاء العالم، نعلم أن ما يميز الديمقراطية الحقيقية عن الديمقراطية المتعسرة أو المزيفة هو أن جميع المرشحين والأحزاب الرئيسية يقبلون القواعد، وحتى أولئك الذين يخسرون يقبلون النتائج ويحترمونها. إذالا تنبع شرعية العملية الانتخابية من القوانين والقواعد التي تحكم النظام فحسب، بل تنبع أيضاً من القبول واسع النطاق لقواعد اللعبة وشرعية العملية الانتخابية.
كل ذلك يجعل كاتب التقرير يقول إنه مع تزايد هجمات ترامب على العملية الانتخابية وشرعيتها، تبدو الانتخابات في الولايات المتحدة أشبه أكثر فأكثر بتلك الانتخابات التي نشهدها في البلدان التي لا تتمتع بقدر حقيقي من الديمقراطية. فهذه هي أنواع المشكلات ذاتها التي تثير قلقاً دولياً كبيراً. وهُم بذلك ينتقصون من ثقة الجمهور بالعملية الانتخابية في الولايات المتحدة، وتُنذر أفعالهم بتقويض شرعية ديمقراطية الولايات المتحدة
Views: 5