تتّجه الولايات المتحدة، بعد الإعلان المرتقب عن اسم الفائز بالرئاسة اليوم، والمرجّح أن يكون جو بايدن، إلى أزمةٍ سياسية تولّى دونالد ترامب إطلاق شرارتها الأولى من البيت الأبيض يوم أمس. تمسُّك هذا الأخير بإعلان الانتصار، وإرجاعه أصل المشكلة إلى طريقة التصويت والفرز ومواعيدهما، في موازاة تهديده باللجوء إلى المحكمة العليا لوقف عدّ الأصوات في بعض الولايات التي خسرها، مثل ويسكونسن وميشيغان، بسبب تقارب النتائج، يفتح المشكلة على حدود رفضه التسليم بنتيجةٍ لا تَحسبه فائزاً، كما سبق له أن حذّر مراراً
على صورةِ أحوال البلاد، تبدو الانتخابات الرئاسية الأميركية: مأزومة. بيّنت النتائج المتقاربة جدّاً بين المرشّحَين المتنافسَين دونالد ترامب وجو بايدن، حجم الاستقطاب المهول في الولايات المتحدة، وكذا تمسُّك قاعدة الرئيس المنتهية ولايته بمرشّحها، في موازاة غياب موجات المدّ الزرقاء التي وعدت استطلاعات الرأي «الكاذبة» بحدوثها. ما سبق يشي طبعاً بقرب أزمةٍ سيتّضح حجمها كما مآلاتها في غضون الأيام والأسابيع المقبلة، مع انطلاق شرارتها من البيت الأبيض، حيث قرّر ترامب إعلان نفسه رئيساً لولاية ثانية، قبل الانتهاء من عدّ الأصوات. هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية، لا يبدو أن تعويل الحزب الديموقراطي، صاحب الهوية الضائعة، على سلاح الأزمة الوبائية لمواجهة موجات المدّ الحمراء والحدّ منها جاء بنتيجة، ما يقود إلى استنتاج مفاده أن قطاعاً وازناً من الأميركيين لم يتخلّ عن ترامب، كما لم يعطه ذلك النوع من التأييد المُطلق الذي كان يأمل به. وفي حالة فوز بايدن ــــ وهو الخيار الراجح ــــ فإن النصر سيبدو أقرب إلى الهزيمة.
رُسمت خطوط مواجهة ستستمرّ، بصرف النظر عن اسم الفائز. فجر يوم أمس، أعلن ترامب فوزه بالانتخابات، فيما كانت عملية فرز الأصوات متواصلة، ولا سيما في الولايات الستّ التي يتوقّف حسم المعركة على نتائجها. وفي خطوة صاخبة، قال الرئيس الأميركي إن الوقت حان «للاحتفال الكبير»، مستبقاً نتائج الولايات المتبقية التي بدا أن قسماً منها يرجّح كفّة منافسه.
لم تكن المنافسة يوماً أكثر قرباً أو حدّة ممّا تبدو عليه اليوم؛ يسير ترامب وبايدن كتفاً بكتف في الولايات المفتاحيّة التي يفترض أن تُحدِّد هوية الفائز منهما بانتخابات شهدت نسبة مشاركة قياسية، بعدما أدلى 160 مليون أميركي بأصواتهم مع تقدير نسبة المشاركة بـ66,9%، في مقابل 59,2% في عام 2016، بحسب «يو أس إيليكشنز بروجيكت». وفي ختام حملة انتخابية اتّسمت بحدّة غير مسبوقة وطغت عليها أزمة وباء «كورونا»، تُظهر النتائج الجزئية أن الناخبين لم ينبذوا الرئيس الجمهوري كما توقّعت استطلاعات الرأي، ما يثبت أن قاعدة ترامب، حتى في حال خسارته، لا تزال وفيّة له، وهو ما يفتح الأمور على احتمالات كثيرة، أوّلها رفض هؤلاء النتيجة، في حال خسارته. ترامب الذي بدأ باكراً التشكيك بالنتائج وبالطريقة التي يجري فيها فرز الأصوات في بعض الولايات الرئيسية، كتب في تغريدة: «مساء أمس (الثلاثاء)، كنت متقدِّماً في كثير من الولايات الرئيسية»، مضيفاً «بعد ذلك، بدأت الواحدة تلو الأخرى تختفي بطريقة سحرية مع ظهور بطاقات انتخابية مفاجئة واحتسابها». ضَمِن ترامب فوزه في 23 ولاية، محتفظاً بفلوريدا التي سبق وفاز بها عام 2016، كما كسب أوهايو التي فاز بها منذ عام 1964 كل المرشحين الذين وصلوا إلى الرئاسة. وظفر أيضاً بتكساس، المعقل الجمهوري الذي كان يبدو في أحد الأوقات مهدّداً. من جهته، فاز بايدن في 23 ولاية؛ أبرزها كاليفورنيا ونيويورك ومينيسوتا وأريزونا، بالإضافة إلى ويكسونسن وميشيغان الحاسمتين اللتين تبيّنت نتيجتهما مساء أمس. انقلب المشهد الانتخابي بعد تقدّم بايدن في ميشيغان، وحصوله على 264 صوتاً من مجموع أصوات المجمع الانتخابي، مقابل 214 صوتاً لترامب. وإذ يبدو أن المرشّح الديموقراطي أقرب إلى الفوز (يحتاج إلى ستة أصوات للفوز بالعدد اللازم من أصوات المجمع الانتخابي الـ 270 لدخول البيت الأبيض)، لا يزال يتعيّن فوزه بولاية نيفادا (6 أصوات) التي قال مسؤولوها إنهم سيستأنفون فرز الأصوات اليوم. وإذا صوّتت هذه الولاية لمصلحته، يمكنه الفوز بالرئاسة، بعدما أضاف ميشيغان وويسكونسن إلى الولايات التي فاز بها. ولم تُحسم النتيجة بعد في ولايتين جنوبيتين، هما جورجيا وكارولاينا الشمالية، حيث يتقدّم ترامب، بالإضافة إلى بنسلفانيا. فوز بايدن بأيّ من الولايات الثلاث، سيعني غياب أيّ فرصة لترامب. أما الطريق الأكثر ترجيحاً بالنسبة إلى المرشّح الجمهوري، فيمرّ من المحكمة العليا. يحتاج هذا الأخير إلى الفوز ببنسلفانيا (20 صوتاً)، وجورجيا (16 صوتاً)، وكارولاينا الشمالية (15)، وألاسكا (3 أصوات)، ليحصل على ما مجموعه 269 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهو احتمال لا يزال راجحاً، لكنه سيعني أن ترامب، الذي يرفض الهزيمة أصلاً، لن يقبل التسليم بفوز خصمه، وسيقدّم التماساً لإعادة فرز الأصوات في غير ولاية بسبب تعادل النتيجة تقريباً. وتتّجه الأنظار إلى عملية فرز الأصوات في ولاية بنسلفانيا، إحدى أبرز الولايات التي تحدّد عادةً هوية الفائز بانتخابات الرئاسة الأميركية، ولا سيما بعدما باتت ساحة لمعركة قضائية مرتقبة بين ترامب وبايدن. وفقاً للقواعد التي اعتمدتها الولاية وأيّدتها المحكمة العليا الأميركية، يحقّ لها نظرياً احتساب الأصوات الواردة عبر البريد في أفق ثلاثة أيام بعد الانتخابات، أي حتى يوم الجمعة.
وصف ترامب النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية بالمذهلة. وفي كلمة له أمس، اتّهم ما سمّاها مجموعة بائسة من الأشخاص بمحاولة حرمانه من ملايين الأصوات، مهدّداً باللجوء إلى المحكمة العليا لوقف احتساب الأصوات المتأخّرة. لكن حملة بايدن الانتخابية أكّدت أنها ستتصدّى لترامب قانونياً في حال لجوئه إلى المحكمة لمنع الاحتساب الدقيق للأصوات. وقال ترامب، ضمن تصريحات أعلن فيها فوزه بالانتخابات قبل اكتمال الفرز، إنه سيفوز بولاية بنسلفانيا بفارق «هائل». بيد أن الجمهوريين يتوجّسون من بطاقات الأصوات البريدية التي يُعتقد أن جلّها قد يكون في مصلحة بايدن. ويرجع ذلك إلى أن بنسلفانيا واحدة من ولايات عدّة بدأت بفرز بطاقات التصويت المباشر التي أدلى بها الناخبون في يوم الانتخابات أولاً، ثم انتقلت إلى فرز وعدّ بطاقات التصويت البريدي، وذلك بموجب قوانين الولاية. وقد يتحول هذا الارتباك إلى أزمة سياسية ــــ قضائية كبيرة في حال تنفيذ دونالد ترامب وعده الذي أطلقه ليل الثلاثاء ــــ الأربعاء باللجوء إلى المحكمة العليا للطعن بقانونية بعض بطاقات الاقتراع عبر البريد، وانتُقد حتى في صفوف المعسكر الجمهوري. وبحسب الخبير في قانون الانتخابات في جامعة أوهايو، إد فولي، فإنه في حال الاحتكام إلى القضاء «قد يستمر الوضع عدة أسابيع»، موضحاً أن التجربة أظهرت أن غالبية بطاقات الاقتراع عبر البريد تحمل مبدئياً اسم جو بايدن، ما يفسّر تطوّر النتائج الجزئية لمصلحته في الساعات الأخيرة
Views: 1