بينما كان يجري فرز أصوات الناخبين الأميركيين، كانت أعصاب الكثيرين في لبنان مشدودة، كأنّ الانتخابات هي محلية وليست اميركية.
لعلّ القوى السياسية الداخلية بدت خلال الأيام الماضية مهتمة بمجريات معركة دونالد ترامب – جو بايدن اكثر من اهتمامها بمفاوضات ميشال عون- سعد الحريري حول الحكومة، وسط افتراض شائع، بأنّه اذا اردت ان تعرف ماذا سيجري في بيروت عليك أن تعرف اولاً من سيمسك بزمام السلطة في واشنطن.
إزاء هذه المعادلة المتداولة، أين يقف «حزب الله»؟ وما هو موقفه من نتائج الانتخابات الأميركية، لاسيما انّه خصم شرس لواشنطن، التي وضعته في صدارة قائمة «بنك الأهداف» خلال ولاية ترامب؟
من منظار «حزب الله»، ليس هناك فارق جوهري بين ترامب وبايدن، وبالتالي فإنّ الفيل (شعار الحزب الجمهوري) والحمار (شعار الحزب الديموقراطي) هما سيّان بالنسبة إلى الحزب، الذي لا يتجاهل وجود تمايزات بين الرجلين في التكتيك والاسلوب. لكنه مقتنع بأنّ خياراتهما الاستراتيجية هي واحدة في ما يتعلق بمصالح اسرائيل.
َعليه، وأبعد من المقارنة بين ترامب وبايدن، يعتبر الحزب انّ مواجهته ومشكلته هي مع الإدارة الأميركية التي، واياً كان الرئيس، «لا تنظر إلى المنطقة سوى من العين الإسرائيلية حصراً، على قاعدة الانحياز التام الى جانب تل أبيب، ودعم نزعتها العدوانية على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية».
من هنا، وسواء كان الرئيس الأميركي هو جمهوري او ديموقراطي، فإنّ الفوارق بينهما تصبح طفيفة، في رأي الحزب، حين يتعلق الامر بمقاربة مصالح تل أبيب.
وانطلاقاً من كون «حزب الله» هو رأس حربة في النزاع مع العدو الاسرائيلي وركن اساس من أركان المقاومة، يمكن القول انّ طريقة المقاربة الأميركية لهذا الملف تحديداً، تشكّل معياراً حاسماً في تحديد موقف حارة حريك، حيال اي رئيس أميركي، بمعزل عن طبيعة هويته الحزبية، وبالتالي فإنّ تماهي الجمهوريين والديموقراطيين الى حدٍ كبير في نمط التعاطي مع قوى المقاومة وواقع الاحتلال، يسهّل على الحزب تفادي الوقوع في فخ تفضيل هذا المرشح على ذاك، «إذ انّ كلاهما في نهاية المطاف وجهان لعملة اسرائيلية واحدة».
صحيح انّ «حزب الله» يأخذ في الحسبان انّ ترامب هو من تشدّد في فرض العقوبات والحصار عليه، وأمر بقتل اللواء قاسم سليماني، وألغى الاتفاق النووي مع إيران، ودفع بعض الدول العربية الى التطبيع، واستطراداً فإنّ سقوطه سيكون خبراً جيداً، الّا انّ ذلك لا يعني في الوقت نفسه انّ فوز بايدن سيكون له وقع الخبر السار على حارة حريك، خصوصاً انّ تفعيل خيار العقوبات ضدّ الحزب حصل اساساً في أيام الرئيس الديموقراطي باراك أوباما، غداة توقيعه الاتفاق النووي، وكان الهدف من ذلك آنذاك هو منح جائزة ترضية لاسرائيل وبعض دول الخليج، بعد اعتراضها الشديد على تفاهم أوباما مع القيادة الإيرانية.
وبناءً على هذه الحقائق، يعتبر الحزب ان لا سبب للإحباط لو فاز ترامب، ولا سبب للاحتفال اذا فاز بايدن، الذي «سيبقى حليفاً استراتيجياً ووفياً لكيان الاحتلال، وإن على طريقته».
اما في خصوص ترويج جهات داخلية لوجود ترابط بين انتخابات الولايات المتحدة ومسألة تشكيل الحكومة، يستبعد الحزب ان يكون هناك أي رابط من هذا النوع، وهو على الأقل غير معني وغير منخرط بأي حسابات كهذه، كما تؤكّد اوساط قريبة منه، مشيرة الى انّ توقّع حصول انعكاسات مباشرة لنتائج الانتخابات الأميركية على الاستحقاق الحكومي اللبناني ليس في محله، لاسيما انّ تأخير التأليف لا يعود اصلاً إلى خلاف بين الرئيس سعد الحريري والحزب، وإنما الى تباينات بين الحريري من جهة ورئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل من جهة أخرى.
لكن ذلك لا ينفي حقيقة انّ جزءاً من اللبنانيين تعاطف مع ترامب، وجزءاً آخر مع بايدن في سياق معركتهما الانتخابية. وانّ كثيرين كانوا منشغلين بتعداد أصوات هذا وذاك، كما لو انّ صناديق الاقتراع كانت موزعة على «الولايات» اللبنانية غير المتحدة.
انّه الانجذاب التاريخي الى الخارج، في انعكاس لما يعانيه الجسم اللبناني من نقص حاد في «كالسيوم» الهوية الوطنية.
Views: 1