محمد سيد سعيد من مواليد 1939 في منطقة القبائل في الجزائر، وقد شغل في مختبرات “فايزر” لصناعة الأدوية منصب نائب المدير. الولد اليتيم عملَ في بيع البطيخ، وكان للقائين اثنين الفضل في تقرير مصيره: الأول هو لقاؤه بعمّه الذي أرسله إلى المدرسة، ثم في عام 1965، لقاؤه بأحد أنسبائه الذي عرّفه برئيس شركة “فايزر” في الجزائر، فيما كان محند سيدي سعيد يتّجه لدراسة الحقوق. فكان هذا اللقاء نقطة انطلاق لمسيرة مهنية دامت أربعين عاماً في المختبر الأميركي الذي أصبح لاحقاً الرقم الأول عالمياً في مجاله، وقد بلغ حجم أعماله 67.4 مليار دولار في عام 2011. وبقي نائب المدير السابق في شركة “فايزر” وفيّاً لصناعة الأدوية، لكن ذلك لا يمنعه من توجيه انتقادات. إنه ميدانٌ متحوِّل يتابعه سيدي سعيد، الأب لثلاثة أولاد، عن كثب إنما مع ضغط أقل. ويعيش متنقّلاً بين باريس وبروكسل ونيويورك وآكس أون بروفانس.
في مقابلة مع “النهار”، يتحدث سيدي سعيد بهدوء واتّزان عن اللقاح الذي ابتكرته شركة “فايزر” للوقاية من فيروس كورونا، والذي ذُكر أن نسبة فعاليته تصل إلى 90 في المئة، متوقّفاً عند الدعاية السياسية والوقائع العلمية في صناعة الأدوية.
– هل تعتقدون أن اللقاح هو الخبر الأفضل في 2020 أو مجرد دعاية جديدة في حرب المختبرات؟
لا هذا ولا ذاك. ولكنه خبر سار جداً في سياق صعب ومقلق للغاية بالنسبة إلى الجميع. إذاً اللقاحات هي أمرٌ مرحَّب به. ولكن سنونوةً واحدة لا تصنع الربيع، وفي هذا الصدد، أستعيد ما ورد تحديداً على لسان القيّمين على شركة “فايزر” عن أن النتائج الأوّلية تستند إلى تحليل شمل 94 شخصاً أصيبوا بفيروس كورونا في إطار مجموعة مؤلّفة من 43000 شخص يشاركون في المرحلة الثالثة من اختبار اللقاح. إذاً يجب توخّي الحذر والتحلّي بالصبر لأن الوقت الآن هو للبحوث والتنمية، لا للسياسة، وليس الوقت مناسباً أيضاً للانسياق خلف التوتر ونفاد الصبر حتى ولو كانت هذه المشاعر مشروعة. الخطر الذي تمثّله هذه الإعلانات عن ابتكار لقاحات هو أنها قد تدفع بالمواطنين إلى التراخي في تطبيق الإجراءات الوقائية. يجب الانتظار كي تنتهي الدراسة، وتصدر نتائج غير أوّلية، وتصبح شروط البروتوكول معلومة. التسرّع يقود إلى نتائج سيّئة. يجب التحلّي بالصبر. تعمل شركة “فايزر” في مجال البحوث والتنمية منذ عقود طويلة، وهي تمتلك الخبرة اللازمة وفريق العمل المناسب.
– كيف أمكن تصنيع لقاح بهذه السرعة، علماً بأن ذلك يحتاج عادةً إلى عامَين أو ثلاثة أعوام…؟
عادةً يحتاج اكتشاف الجزيئ إلى فترة تراوح من 10 سنوات إلى 20 سنة، وليست اللقاحات استثناء. يخطر سؤال في بالي: إذا تمكّنوا من إنتاج اللقاح في أقل من عام، فلماذا لا يبذلون مجهوداً مماثلاً في مواجهة السرطان الذي هو المسبّب الأول للوفيات في العالم؟ ثمة أسباب عدّة برأيي، في مقدّمها التصميم والإرادة والموارد الاستثنائية لدى صناعة الأدوية التي تملك ثروات طائلة، إنما أيضاً لدى الحكومات المختلفة.
وهناك أيضاً قواعد البحوث السريرية التي ينبغي التقيّد بها في المرحلة الثالثة حيث يجب اعتماد عيّنات عشوائية مع تطبيق تجربة التعمية المزدوجة. ثمة أمثلة كثيرة عن دراسات في المرحلة الثالثة بدت واعدة حتى اللحظة الأخيرة. مثالٌ على ذلك مرض الألزهايمر حيث جرى العثور على جزيئ بدا أنه ذو فاعلية، ولكنه لم يحصل على موافقة الوكالة الأميركية للأدوية. ولا بد من التذكير مثلاً بأن شركة Moderna Therapeutics حصلت على موافقة الحكومة الأميركية لحقن كمية صغيرة جداً من الفيروس في جسم الإنسان قبل اختباره لدى الحيوان. قد تعتبرونها مرونةً من المعنيين، ولكن الجانب السلبي في المسألة هو أنها تنطوي على مخاطر عدة في ما يتعلق بسلامة اللقاح التي هي نقطة أساسية جداً. الوقت كفيلٌ بأن يكشف لنا ما إذا كانت مختبرات الأدوية والحكومات محقّة أم لا في تسريع وتيرة البحوث في هذا الميدان المحدد في مواجهة الجائحة التي تسببت بوفاة أكثر من مليون شخص في العالم. في الانتظار، يجب التقيّد تماماً بالإجراءات الوقائية.
– هل تعرّض المختبر، خلال العمل على تطوير اللقاح، لضغوط من الحكومات والنافذين؟
يتعرض العاملون في مجال البحوث والتنمية للضغوط من المساهمين أولاً، وكذلك من المحللين الماليين. ورأينا أيضاً كيف أن الرئيس ترامب جعل من اكتشاف اللقاح أحد المواضيع التي ركّز عليها في حملته. أكرّر أنه يجب أن تبقى السياسة بعيدة من البحوث والتنمية.
-هل تعتبرون أنه يمكن الاستناد إلى مجموعة من عشرات الأشخاص فقط للجزم بأن اللقاح فعّال بنسبة 90 في المئة؟
أكرّر في هذا الصدد ما قاله القيّمون على شركة “فايزر” الذين تحدّثوا عن نتائج أوّلية. لا شك في أنه خبرٌ سار وواعد. لكن في الوقت الحالي، لا نعرف كل شيء عن ظروف التجربة السريرية، ولم نطّلع على البروتوكول الخاص بها، ولم ينقضِ بعد وقت كافٍ لتقييمها. يجب التحلي بالكثير من الصبر، ويؤسفني شخصياً ما يحيط باللقاح من رهان مالي وتكهّنات. لقد حقّق مديرو المختبر الأميركي Biotherma Therapeutic أرباحاً طائلة بعشرات ملايين الدولارات.
– إذا جرت الأمور بحسب ما هو متوقّع وحصل لقاح “فايزر” على الموافقات اللازمة، متى يصبح متوافراً للجمهور الواسع في أنحاء العالم؟
أعتقد أنه يجب الانتظار نحو عشرة أشهر. ثم هل سيصبح اللقاح متوافراً للجميع؟ اللقاح هو من إنتاج شركة أميركية مقرّها نيويورك، ولذلك من الواضح أن الأميركيين هم أوّل من سيحصلون عليه.
– هل يوصى باللقاح فقط للأشخاص المعرّضين لخطر التقاط العدوى أم يُنصَح به للجميع؟
يجب أن يُحقَن 70 في المئة من السكان باللقاح من أجل الحصول على النتيجة المرجوّة ووقف انتشار الجائحة. هل سيكون اللقاح متاحاً بكميات كافية؟ أشك في ذلك. لذلك لا مفرّ من اختيار الفئات التي ستتلقى اللقاح. يجب تلقيح الأشخاص الذين يُعتبرون الأكثر عرضة لخطر التقاط العدوى أي العاملين في القطاع الصحي، وكذلك الأشخاص المعرّضين للخطر في حال أصيبوا بالفيروس، أي المتقدّمين في السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.
– هل من آثار جانبية معروفة للقاح في الوقت الحالي؟
هذا اللقاح هو مغامرة، إنها المرة الأولى التي يُصنّعون فيها لقاح RNA، أي لقاح الحمض النووي الريبي. الوقت كفيلٌ بتقديم الأجوبة المناسبة لتحديد ما إذا كان لقاحاً فعّالاً وآمناً ويدوم مفعوله لفترة طويلة. مِن الأسئلة المطروحة، هل يجب تكرار التلقيح سنوياً؟ وكم تدوم الحماية التي يمنحها اللقاح؟ أعتقد أنه لم ينقضِ وقتٌ كافٍ للإجابة عن مختلف هذه الأسئلة.
– هذا اللقاح هو ذو منفعة عامة، فما هي السياسة التجارية التي ستعتمدها “فايزر” لا سيما في ما يتعلق بتأمينه للشعوب الفقيرة والمحرومة؟
يجب أن ندرك أن العاملين في صناعة الأدوية هم تجّار، ويمارسون التجارة شأنهم في ذلك شأن باقي العاملين في القطاع التجاري. ولا يجوز توجيه أصابع الاتهام إلى جميع الأشخاص الذين يزاولون العمل التجاري. تتألف صناعة الأدوية من رجال ونساء يتحلّى بعضهم بحس المسؤولية الاجتماعية للشركة، في حين أن بعضهم الآخر يسعى أكثر نحو الكسب المادّي. وندرك أيضاً أن هذا القطاع يمتلك مجموعات لوبي نافذة، إنما نأمل بأن تبصر النور جمعياتٌ من المرضى تفرض وجودها في مقابل صناعة الأدوية، ليس بدافع المواجهة إنما من أجل تحقيق مصالح المرضى الذين ليس لديهم تأمين أو غير المنتسبين إلى صندوق تعاضدي، والمرضى الذين لا يملكون المال الكافي لشراء اللقاح. وهذا سيكون نضالاً مجتمعياً شأنه في ذلك شأن النضال الذي نشهده حالياً من أجل الحق في الوصول إلى علاجات مبتكرة، لا سيما علاجات السرطان. إنها فضيحة حقيقية على صعيد الإنسانية.
Views: 6