القطاع المصرفي اللبناني الذي يتألف فعلياً من نحو 30 مصرفاً من دون احتساب المصارف الإستثمارية والتابعة لأخرى… مهدّد فعلاً بعدم قدرته على الإستمرار. فمن المتوقّع أن يضرب لبنان بيد من حديد المصارف التي ستتمرّد على تعاميمه، إذ سيضع يده عليها ويستحوذ على تلك التي لن ترفع رأسمالها بنسبة 20%، على أن يقوم بعدها بعملية دمج غير طوعية.
معركة حقيقية
إذاً القطاع المصرفي ومصرف لبنان مقبلان على معركة حقيقية او اشتباك في الأشهر الثلاثة المقبلة قد تؤدي الى إجراء تغييرات على هذا القطاع، الذي لا يختلف إثنان على أنه يستوجب عاجلاً أم آجلاً إعادة هيكلة بالتعاون مع خبراء أزمات عالميين.
فالمصارف إزاء زيادة رأس المال بنسبة 20% ترفض من جهة، تحقيق ذلك اذا لم تستقم الأوضاع السياسية ولم تخطُ الإصلاحات طريقها نحو التنفيذ، فالبعض منها أعدّ عدّته لتلك الخطوة، علماً أن عدداً أنجز الفصل الأول من زيادة الـ10% الأولى، ويرفض إنجاز المرحلة الثانية باعتبار أن الأموال التي ستضخّها المصارف ستستهلكها الدولة من دون جدوى. ومن جهة أخرى، هناك بنوك مثل بنك عوده يسعى على سبيل المثال الى إتمام صفقته الموقعة لشراء فروعه في العراق والتي تسير مجرياتها بإيجابية كما علمت “نداء الوطن”، ما سيساعد كثيراً على الإلتزام بزيادة نسبة الـ10 في المئة المتبقية، فيما مصارف أخرى، كتلك التي اعتمدت سياسة محافظة ومحدودة فهي قد تكون قادرة وراغبة في رفع رأسمالها كما تؤكّد، مثل البنك اللبناني الفرنسي. وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة الى أن المصارف الكبيرة التي تضمّ عدداً كبيراً من المساهمين من لبنان والخارج، قد يرفض عدد منهم، وخصوصاً الأجانب، ضخّ أموال في هذا القطاع بسبب انعدام الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، الأمر الذي يستوجب على المصرف تأمين المبالغ المترتبة من أمواله الخاصة، ما يخفّض حصّة المساهم الرافض لتلك الزيادة.
القصة معقّدة
“القصة معقدة وسيحصل هناك اشتباك”، يقول رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود لـ”نداء الوطن”، مؤكّداً حول إمكانية استمرارية المصارف في المدى المنظور أي بعد استحقاق شباط أنه لا يمكنها أن تحافظ على وجودها إلا إذا توافر لديها عنصران: الأول السيولة والثاني إعادة ثقة الناس فيها، لتصبح مصارف إيداعات وإدخار وليس مصارف بأموال جديدة تتوفّر وتسحب منها فقط.
ويعتبر أن “زيادة رأس المال بالنسبة الى المصارف، أسهل من عملية توفير السيولة وإعادة الثقة. فالمصرف المركزي يجب أن يكون جدّياً بتنفيذ التعاميم التي أصدرها لا سيما لناحية زيادة رأس المال بنسبة 20% وتوفير نسبة الـ3% في حساباتها لدى المصارف المراسلة واستعادة نسبة 15 و 30% من الأموال المحولة الى الخارج لتأمين حجم السيولة المطلوبة”. وحول عمليات الدمج التي قد تحصل، يرى حمود أنها “لن تكون رضائية تلقائية بين المصارف بل ستتمّ عبر إستحواذ المصرف المركزي على تلك المخالفة لتعميمه، ليعمد في ما بعد الى إتمام عملية الدمج بين المصارف المستحوذة. هكذا يستطيع مصرف لبنان تنظيم القطاع المصرفي. ولكن تلك الخطوة بمفردها لن تكون كافية بل يجب ان يتبعها برنامج كامل متكامل لإعادة هيكلة القطاع. وذلك البرنامج الكامل لا يبدأ ولا يجب ان يبدأ ما لم تكن الرؤية السياسية واضحة منذ البداية”.
إعادة الهيكلة
ويقترح حمود أن تخلق الحكومة الجديدة وزارة موقتة يقودها وزير دولة لإعادة هيكلة النظام المالي والقطاع المصرفي وتكون منفصلة عن وزارة المالية. فالأخيرة موكلة بإعداد الموازنة وتحديد الإيرادات والنفقات وتوازن ماليتها العامة وإعداد التشريع الضريبي. فكل دول أنحاء العالم تتضمن وزارة مالية ووزارة خزانة. وهنا يشدّد على أن “وزارة هيكلة النظام المالي والقطاع المصرفي لا يجب أن توجد إلا بعمل دؤوب مع البنك المركزي لأنه الجهة المخولة بإعادة هيكلة القطاع ضمن برنامج الحكومة طبعاً والخط العام، مع ما يتطلب ذلك من سنّ قوانين من الحكومة والمجلس النيابي”. فالدلع والتمرّد والرفض لا يفيد المصارف في الوقت الراهن. البنوك يجب أن تبذل قصارى جهدها لزيادة رأس المال بنسبة 20% وتأمين السيولة المطلوبة. وتلك الخطوة تعتبر مرحلة أولى موقتة وبسيطة في مشوار إعادة الثقة وإعادة الهيكلة الكلية للقطاع المصرفي وتأمين السيولة الحقيقية. إنها “الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل”، كما وصفها حمود.
يوماً بعد يوم تشتدّ الأزمة ولكن لا تنفرج، بل تزداد تعقيداً وانهياراً. فبعد ان تفاءل اللبنانيون خيراً بتشكيل الحكومة وبتهاوي الدولار الى ما دون الـ7000 ليرة حينها، إستفاق اللبنانيون من ذلك الحلم، فتبيّن على أرض الواقع صحّة التوقعات التشاؤمية التي تقول أن تشكيل الحكومة لن يتمّ بل طريقه معبّد بالصعوبات. ماذا عن المصارف واستمراريتها المهدّدة بفعل استحقاق زيادة رأس المال في شباط 2021، فهل ستقدم على تلك الخطوة في ظلّ عدم وجود توافق سياسي وأي رؤية تطبيقية للإصلاحات في الأمد المنظور؟
Views: 1