سوريا والجيل الرابع من الحروب .. من المنتصر؟

فراس سبّور

مع سنوات الأزمة في سوريا، بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بتنظيم عملها وكسب مصداقية الجمهور المتلقّي عبر الأخبار الحقيقية المنسوبة إلى مصادرَ موثّقة بالصّوت والصّورة.

لعبت وسائل الإعلام بشكلٍ عام دوراً حاسماً في الحرب الإرهابية على سوريا وكان لها التأثير المباشر على وعي المتلقّي داخل سوريا وخارجها، ما أسفر عن تغييرٍ في سلوك المتلقّي واتجاهاته وتشكيل رأيٍ عام داخلي وخارجي سلبي ضد الدولة السورية بكل مكوّناتها.

وسائل إعلام العدو بمختلف أنواعها قامت بهجماتٍ منظّمةٍ واتّبعت الأسلوب التدريجي في ضخّ المعلومات الكاذبة عبر وسائلَ إعلاميةٍ استحوذت على مدى عقود، على ثقة المتلقّي من خلال تبنّي قضايا ثابتة بهدف زرع الثقة ومحاولة تغيير المفاهيم والمصطلحات وكسر المبادئ الوطنية والقومية وصولاً إلى تحقيق أهدافٍ سياسيةٍ واقتصادية عجزت عن تحقيقها دول عظمى بشكلٍ مباشر.

وسائل التواصل الاجتماعي كانت رأس الحربة في ذراع الهجوم الإعلامي والحرب النفسيّة المرافقة للحرب الإرهابية على سوريا، فاتّخذت الدولة السورية قراراً شجاعاً بفتح ما حُجِبَ من مواقع التواصل الاجتماعي وخوض معركة الحقيقة على الإنترنت لمتابعة العمل الإعلامي في وسائل الاتصال الجماهيرية التقليدية (mass communication) وتحقيق أكبر نسبة وصولٍ إلى الجمهور المستهدف داخل سوريا وخارجها.

وبالفعل، اتّخذ العدو الأصيل والوكيل من مواقع التواصل الاجتماعي منبراً لمهاجمة الدولة السورية بكل مكوّناتها وعملَ على نشر الفتن الطائفية والعرقية وبثّ الشائعات هنا وهناك محاولاً تشويه الرموز السياسية والعسكرية، فكان الردّ عبر وسائل الإعلام التقليدية التي أنشأت صفحاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وتلغرام وغيرها، وقدّمت صوراً حقيقيةً لكل ما يجري على الأرض، حيث ساندت هذه الصفحات عمل الوسائل الإعلامية وتصدّت لكل الإشاعات عبر رصدها والردّ عليها بمختلف الآليات المتّبعة من عمليات البث المباشر وصولاً إلى موقع الحدث الذي استهدفه الإعلام المعادي، إضافةً إلى لقاءاتٍ مع شخصياتٍ اعتباريّة لُفّقت لها تصريحاتٌ أو أحداثٌ غير واقعيّةٍ، فضلاً عن تكذيب استهداف الدولة السورية لأبنائها عبر قطع الطريق على محاولة جذب المتلقي من خلال الاستمالات العاطفية المبنيّة على الأطفال والنساء والمدنيين لتكون بذلك مرآة انتشارٍ للخبر الصحيح المنقول عن وسائل الإعلام الوطنية.

كما لجأ الإعلام المعادي إلى إنشاء نقاط تواصلٍ وصفحاتٍ بأسماء وطنية وصورٍ تعبّر عن رموز الدولة السورية لاستمالة المواطنين وتلقيمهم بعض ذلك السمّ المدسوس في العسل، ليكونوا ضحايا أخبارٍ كاذبة بهدف ضرب الحالة المعنوية والنفسية للمجتمع السوري.

الوعي الاتصالي كان مسألةً خطيرةً لدى بعض الذين نصّبوا أنفسهم بذريعة الدفاع عن الوطن، فقاموا بالاتصال دون معرفةٍ بعناصر “الرسالة الإعلامية”، كما قاموا بنشر أخبارٍ ظاهرُها صديق وباطنُها عدو، لعدم تنظيمهم وتأطيرهم ضمن منظومات عملٍ تهدف إلى نشر الحقيقة وتكذيب الإشاعات المعادية، فانجر وراءها آلاف الأشخاص وصدّقوا وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من وسائل الإعلام الرسمي، بسبب انعدام الوعي الاتصالي لدى القائم بالاتصال، والذي هو أصلاً لايعرف ماذا يفعل، فانعدام الوعي الاتصالي جعله فجأةً يقع ضحية ارتباطه بشبكةٍ عنكبوتيةٍ مع العالم بأسره.

وأمام هذا الواقع، لم تعد وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة هي المصدر الإعلامي الوحيد، أو مصدر الخبر، بل استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص (الفيسبوك) حجز مكانٍ مهمٍّ لها ضمن الوسائل الأكثر أهميةً في سرعة الخبر ونقله.

اليوم، هناك على سبيل المثال لا الحصر، أكثر من 50 مليون متصفحٍ للفيسبوك حول العالم، وبالتالي بدأت هذه الوسائل بمنافسة وسائل الإعلام التقليدية في نقل المعلومة وطريقة انتشارها، كما استطاعت استقطاب شرائح معيّنة في المجتمع، حتى أنّها نجحت بالانتقال من صيغة الدردشة إلى وسائل إعلامٍ “حقيقية” في كثير من الأحيان.

وإذا ما أردنا الحديث عن الإيجابيات التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن القول إنّها تقلّل من الحواجز التي تعيق الاتصال، كذلك فإنّ سرعة وصول المعلومة، والتعليق عليها والتفاعل معها، تكاد تكون آنيّةً، فهي منصّاتٌ بمتناول اليد لنقل الأفكار والآراء المتعلقة بموضوعٍ معيّن لعددٍ كبيرٍ من الأشخاص وبطريقةٍ سلسة، من أيّ مكانٍ، وفي أيّ وقتٍ، هذا عدا عن أنّ مشاركة الرأي المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي، تساعد على فتح الأبواب لتبادل الآراء، وتقوّي فرص المشاركة في التعبير عن الرأي.

وبناءً عليه، يرى المشتغلون بهذه الصّنعة – إن جاز التعبير – أنّ شبكات التواصل الاجتماعي أداةٌ مفيدةٌ وفعّالةٌ في تشكيل أصدقاء جدد، وتسهّل التواصل مع الأصدقاء الذين انقطع الاتصال بهم، أو مع الأشخاص الذين لا يمكن مقابلتهم شخصياً، ممّا يوفّر عناء الوصول إليهم. زد على ذلك، فإنّ ثمّة فائدة تجارية، تتمثل باستخدام الشركات للشبكات الاجتماعية كأداةٍ جيّدة من أجل الترويج لسلعها ومنتجاتها، حيث يوجد العديد من التطبيقات المُختصّة بالترويج لخدمةٍ أو سلعةٍ معيّنةٍ وبتكلفةٍ أقل، ممّا يؤدي إلى زيادة الأرباح وبأقلّ التكاليف.

أما الأخطر، فهو وقع التضليل الإعلامي في الأزمات، وحتى في الأوضاع الهادئة، يمكن تحوير الرأي العام وتوجيهه، باتجاهاتٍ خاطئة، ويمكن أن تنتشر مافيات سياسية أو اقتصادية، تستغل المنابر من هذا النوع للتجييش والترويج، والتحريض وبث الشائعات والأخبار الملفّقة.

لذا، تبدو هذه الوسائل من أخطر المنصّات التي يمكن أن تُستغلّ في هذا الجانب، كأن ترمي جهةٌ مغرِضةٌ خبراً، بحرفيّةٍ، أو بمنتهى البلاهة، فيتداوله المشتركون، ويتحوّل من افتراضٍ إلى واقعٍ، قد يؤدي إلى هزّةٍ كبرى، أو رأيٍ جمعيٍّ وهميّ، مبني على معلوماتٍ مغلوطة، يتداوله الجمهور، أو غالبيته، على أنّه كتابٌ منزّلٌ، وتتوالى ردود الأفعال التي قد تصل إلى حدود الخطر الشديد على المجتمع– لماذا – لأن الوعي الجمعيّ عند كثيرٍ من المتلقّين، لم يصل إلى القدرة على التعامل المناسب مع وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك، فإنّ خطرها يفوق فائدتها – حتى الآن – عشرات المرات.

وأمام هذا الواقع، طُرحت مجموعةٌ من التساؤلات خلال الفترة الماضية كان أهمّها: ما هو دور وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب على سوريا؟ وهل تراجع دور الإعلام التقليدي أمام هذا النوع من وسائل التواصل الاجتماعي؟ ثم هل يمكن الاستغناء عن الصحافة المكتوبة؟ ماذا عن القنوات التلفزيونية، هل لا زالت متابَعة؟ كيف يستطيع الإعلام التقليدي التكييف مع وسائل الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي؟ جميع هذه الأسئلة بقيت من دون أجوبة في أغلبها.

مع سنوات الأزمة في سوريا، بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بتنظيم عملها وكسب مصداقية الجمهور المتلقّي عبر الأخبار الحقيقية المنسوبة إلى مصادرَ موثّقة بالصّوت والصّورة والظهور الميداني للبعض في أماكن الحرب، والبثّ المباشر فضلاً عن تنسيق مجموعات عملٍ محدّدة المهام والأهداف؛ إلاّ أن مراحل الحرب المفروضة على سوريا والحصار الاقتصادي والعقوبات التي كان آخرها قرار الإدارة الأوروبية للقمر الصناعي “يوتلسات” إنزال قنوات الإعلام الرسمي السوري، وغيرها، أحدثت خرقاً كبيراً بين الواقع المُعاش وبين الأخبار المتداوَلة على تلك المواقع.

وأخيراً، إذا سألنا أنفسنا ما هو المطلوب اليوم لنتمكن من مواجهة حروب الجيل الرابع التي تنطلق من وسائل التواصل الاجتماعي؟ وماهي آليّة الردّ المناسبة، وماهي أدواتها؟ وهل الردّ يكون بذات الطريقة والأسلوب؟

في الجواب، يكون المطلوب، هو تشكيل فريق عملٍ إلكتروني لمنع اختراق الجبهة الداخلية، هم فشلوا في الحرب والإرهاب، ولجؤوا إلى المجتمع لبثّ الفوضى، وبالتالي لا بدّ من آليّة عملٍ جماعيّةٍ وإستراتيجيّةٍ وقائيّة تبدأ من تشكيل فرق عملٍ متخصصة، تعمل على تهيئة الرأي العام لتجنّب الوقوع في أزماتٍ قادمة، سواءٌ اقتصادية أو اجتماعية أو بيولوجية أو.. الخ، فضلاً عن فضح ممارسات الإرهاب وجرائمه، والوقوف إلى جانب الجيش العربي السوري في كلّ انجازاته، كذلك دعم الجرحى وذوي الشهداء، وتأمين ما يحتاجه المواطن.

الميادين نت

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا