Smiley face Smiley face Smiley face

إردوغان في العام 2021.. استعدّوا للمزيد من المغامرات!….بقلم حسني محلي 


حسابات إردوغان سوف تدفعه إلى المزيد من المغامرات ليرفع بذلك سقف المساومة مع بايدن ولكن عليه في هذه الحالة أن يرجّح منطقة على أخرى مع الانتباه إلى علاقته مع بوتين.

حمل مقالي الأول للعام 2020، والذي نشر في 2 كانون الثاني/يناير، عنوان “تركيا عام 2020.. انتظروا المفاجآت”. والآن، وبعد كل المفاجآت التي عوَّدنا عليها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في سياساته الإقليمية والدولية، والتي منحته تفوقاً معنوياً على الصعيد الشخصي، حقَّقت أنقرة خلال هذه الفترة مكاسب عسكرية وسياسية واستراتيجية في العديد من مناطق العالم، وخصوصاً في سوريا والعراق وليبيا وقبرص.

وسيدفع ذلك إردوغان خلال الأشهر القادمة من العام 2021 إلى الاستفادة من هذه المكاسب، وذلك خلال مساوماته المستقبلية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سنرى قريباً مدى جديته في كل ما قاله سابقاً عن إردوغان وتركيا، فقد بات واضحاً أن الأخير سيسعى للجلوس على طاولة الصفقات، وهو يملك العديد من الأوراق التي سيساوم بها بايدن ومن معه أو خلفه أوروبياً وعربياً، بل وإسرائيلياً أيضاً، فهو، ولأسباب عديدة، لا يعتقد أنه في موقف ضعيف، ما دام بايدن بحاجة إليه بسبب تواجده العملي في العديد من المناطق التي تقع ضمن اهتمامات واشنطن، وفي مقدمتها سوريا والعراق وليبيا والقوقاز والبلقان وشرق الأبيض المتوسط بكل عناصرها وموازين قواها الحسّاسة والمعقّدة.

كما يعتقد إردوغان ويؤمن “كوريث إمبراطورية عثمانية عظيمة”، بأن بايدن لن يتجاهل هذه العناصر، بل سيضعها مضطراً بعين الاعتبار، وما عليه في هذه الحالة إلا أن يقنعه أو يثبت له من خلال مواقفه العملية والسريعة “أنه لن يتراجع عن سياساته، ولكنه مستعد للتعاون مع الحليف الاستراتيجي أميركا من أجل المصالح المشتركة”.

ويفسر ذلك عمليات الشد والجذب المستمرة بين الطرفين خلف الكواليس، حيث يجسّ كل طرف نبض الطرف الآخر قبل أن يكتسب الحوار طابعاً رسمياً بعد دخول بايدن إلى البيت الأبيض واختياره البلد الأول الذي سيزوره في جولته الخارجية، فقد كانت تركيا الدولة الأولى التي زارها سلفه الرئيس باراك أوباما في نيسان/أبريل 2009، معترفاً لإردوغان بدوره القيادي في “الربيع العربي” الذي حضّرت له واشنطن مسبقاً، كما سيحضّر بايدن لشيء أميركي جديد، أياً كانت التسمية.

ويريد الرئيس إردوغان في هذه الحالة أن يبقى له في هذا “الشيء الجديد” الدور الريادي، بغياب الأدوار العربية وضعف الأدوار الأخرى التي يستطيع أن يبعدها عن الساحة. وكانت قصيدته التي أزعجت طهران مؤشراً عملياً وذكياً على ذلك.

وقد تدفع مثل هذه الحسابات الرئيس إردوغان إلى المزيد من المغامرات، ليرفع بذلك سقف المساومة مع الرئيس بايدن، ولكن عليه في هذه الحالة أن يرجّح منطقة على أخرى، مع الانتباه إلى علاقته مع الرئيس بوتين ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية، والأهم الشخصية، بكل أسرارها الخفية! ويعرف الجميع أن بوتين بدوره لن يستعجل، بل سينتظر ليرى ما الذي يخطط له بايدن في مناطق الصراع التقليدي بين الدولتين العظميين، ويعتقد إردوغان، ويؤمن أيضاً، بأنها أصبحت ثلاثة، بمنافسة تركيا لها معاً أو على انفراد!

وقد دفع ذلك نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أنكين الطاي إلى الحديث في خطابه في البرلمان عن “داء العظمة الذي أصاب إردوغان”، مشبهاً إياه بـ”هتلر وستالين وترامب”، مع التذكير “بنهاية كل منهم بعد كل ما ألحقوه من دمار في العالم وفي دولهم”.

وأياً كانت صعوبة الوضع الحالي اقتصادياً ومالياً، وهو في وضع لا يحسد عليه داخلياً، يعتقد الرئيس إردوغان أنه يملك الكثير من مقومات المناورة والتكتيك السياسي ما دام الأقوى في معظم المناطق التي يحتاج لها الجميع، وخصوصاً بعد أن أصبح خلال العام 2020 طرفاً أساسياً فيها جميعاً، والفضل في ذلك للضوء الأخضر الذي أضاءه له أولاً الرئيس بوتين في سوريا (اعتباراً من آب/أغسطس 2016)، وترامب (بعد العام 2018). وبقي الزعماء الأوروبيون في موقف المتفرج، وظلوا يماطلون، ولكل منهم أسبابه الخاصة في ذلك!

لقد ساهم الجميع باتفاق أو من دونه، بشكل مباشر أو غير مباشر، في كلّ الانتصارات والمكاسب التي حققها إردوغان خلال العام 2020، والتي جعلت منه العنصر الذي لا يمكن لأحد أن يتجاهله بعد الآن، هذا بالطبع إن كانوا جادين في ما يقولونه عنه وعن تركيا.

وفي هذه الحالة، سيكون الرهان في العام 2021 على مدى نجاح إردوغان في حماية هذه المكاسب مع السيناريوهات التي تتوقع للأطراف المذكورة، معاً أو على انفراد، أن تضع حداً لها، بعد أن أبدت انزعاجها وقلقها من نهجه وأسلوبه في التعاطي مع مجمل الملفات، عبر التذكير بصفحات التاريخ السوداء بالنسبة إلى الجميع، وخصوصاً مع أحاديث الرئيس إردوغان المتكررة عن هذا التاريخ، وهو جاد في ذلك، وإلا لما دخل في كلّ هذه المغامرات بحساباتها المعقدة، متحدياً أوروبا وأميركا وروسيا، بعد أن نجح خلال الفترة الأخيرة في استغلال نقاط ضعفها وتناقضاتها التقليدية، وهو ما سيشجّعه على الاستمرار في هذه السياسات، ليفاجئ الجميع بمزيد من المغامرات في مواقع ومناطق قد لا يتوقعها البعض، كما فعل في كاراباخ، وهو ما رفع من معنوياته القومية عالياً، ليفكّر في المزيد من المفاجآت في المنطقة العربية وجوارها.

ويبقى الرهان الوحيد على الموقف المحتمل للرئيس بايدن الذي قد يمنع إردوغان من الاستمرار في نهجه الذي وصفته القمة الأوروبية الأخيرة بـ”الاستفزازي”، فإذا اكتسب هذا الموقف طابعاً عملياً بكل ما يعنيه ذلك من الحزم والحسم السريع، فقد يجد الرئيس التركي نفسه أمام خيارين صعبين جداً، فإما أن يرضى لنفسه أن يعود “سمكة في سنارة الصياد الأميركي”، وإما أن يغامر “ويدخل الفراش مع الدب الروسي، وهو يدري ماذا سيفعل به”، والقول هنا للرئيس الأسبق عصمت إينونو (بعد أتاتورك)، والذي لا يكنّ إردوغان له أي مشاعر ودية.

كما أنه لا يكنّ أيّ مشاعر ودية لحزب الشعب الجمهوري الذي أسَّسه مصطفى كمال أتاتورك، ويسعى للتخلص من إرثه الفكري والسياسي، بما في ذلك جمهوريته العلمانية الديموقراطية، ويعمل يومياً للتخلّص منها قبل الاحتفال بذكراها المئوية في العام 2023، وما عليه إلا أن يبقى في السلطة حتى ذلك التاريخ، مهما كلفه ذلك من مساومات وصفقات ومغامرات خارجية تساعده لتحقيق هدفه الأكبر، وهو أسلمة الدولة والأمة التي يريد لها أن تحيي الذكرى الـ600 لدخول محمد الفاتح العاصمة البيزنطية القسطنطينية (2053)، ثم ذكرى الألفية الأولى (2071) لمجيء الأتراك إلى الأناضول بعد معركة “مالازغيرت” في 26 آب/أغسطس 1071. وقد بنى إردوغان لنفسه في الموقع نفسه قصراً شبيهاً بخيمة السلطان البسلان.

ولكل هذه الذكريات والعواطف التاريخية التي سوقها ويسوقها في كل خطاباته اليومية لأتباعه في الداخل (وهم حوالى 35%) والخارج، من الأتراك والمسلمين، علاقة مباشرة بكل ما عشناه في العام 2020 والسنوات التسع التي سبقته، فهو يعتقد أنه زعيم كل الأتراك والإسلاميين في العالم، وما عليه إلا أن يتخذ قراراته الشجاعة، ويثبت للجميع أنه مستعد للتضحية بنفسه وبتركيا من أجلها، ليقول التاريخ عنه بعد ذلك ما يجب أن يقال!

هذا الأمر دفع وسيدفع إردوغان إلى المزيد من العنف السّياسيّ ضد معارضيه، أياً كان موقعهم ومستواهم، وهو لا يريد لهم أن يعترضوا، ولو بكلمة واحدة، على أحلامه، ما دام الحاكم المطلق للبلاد، بعد أن سيطر على الجيش والأمن والمخابرات والمال والقضاء، وعلى 95% من الإعلام الحكومي والخاص.

وقد استنفر هذا الإعلام كل إمكانياته، وهي عظيمة، وأساليبه البشعة والدنيئة، لتسويق أفكار الرئيس إردوغان، بصفته “الزعيم الذي حقّق المعجزات في الداخل، ورفع راية الأمتين التركية والإسلامية عالية في الخارج، فهو الرئيس والزعيم والسلطان والخليفة، والله معه دائماً!”.

الميادين

Views: 6

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي