لماذا ما زال ترامب يتَجوّل والزّر النووي في جيبه رغم المُطالبات العديدة بسَحبِه؟ وهل يُبادر بالاستِقالة تَجَنُّبًا للعزل؟ وكيف تتزايد احتِمالات الضّربة لإيران مُجدًّدًا بعد تصريحات بومبيو المُفاجئة؟ وما هي النّتائج الصّادمة التي قد تترتّب على إغلاق حِساباته على “التويتر” والفيسبوك”؟
عبد الباري عطوان
ربّما تقود المرأة “الفُولاذيّة” نانسي بيلوسي زعيمة الأغلبيّة الديمقراطيّة في مجلس النوّاب الأمريكي مُحاكمةً برلمانيّةً لغريمها المَهزوم دونالد ترامب تنتهي بعزله، بتُهمة الخُروج عن الدستور، وتحريض أنصاره العُنصريين على اقتِحام الكونغرس، ولكن ضيق الوقت لن يُبْقِ له في السّلطة إلا ثمانية أيّام من بدء المُحاكمة المُفترضة ولعُمق الانقِسامات، ربّما يحولان دُون تحقيق هذا الهدف، أمّا احتِمال إقدامه على الاستِقالة طَوعًا مثلما يتوقّع البعض فهو مُستَبعدٌ أيضًا، بالنّظر إلى شخصيّة الرّجل وعِناده، لذلك فإنّنا امام عشرة أيّام من سُلطته قد تكون حافِلةً بالمُفاجآت.
اقتِحام العُنصريين من أنصار ترامب للكونغرس هو الحلقة الأولى من مهرجان استِعراض القوّة، وإغلاق مؤسّسة “التويتر” لحِسابه الذي يُتابعه 90 مليونًا، إلى جانب حِسابات أُخرى على “الفيسبوك” و”انستغرام” تَعُج بعشَرات الملايين من المُعجَبين “بغوغائيّته” جاءت كلّها في صالحه وحوّلته إلى “شهيد”، خاصّةً أنّ الأغلبيّة السّاحقة من هؤلاء يَرون أنّ هذه الخطوة تتعارض مع مبدأ “حُريّة التّعبير” الذي يُشَكِّل الرُّكن الأهم في الديمقراطيّة الليبراليّة الغربيّة، وليس رأي الكثيرين الذين يرون أن حظر هذه الحِسابات التحريضيّة على العُنف تأخَّر كثيرًا.
***
مُعظم المُؤشّرات تُرَجِّح عدم حُصول انتِقال سَلِسْ للسّلطة، ليس بسبب تراجع الرئيس ترامب عن تعهّداته في هذا المِضمار بسُرعةٍ قياسيّة، وندمه على قطعها، أو ترحيب نائبه مايك بنس بحُضور حفل تنصيب جو بايدن رئيسًا للجُمهوريّة يوم 20 كانون ثاني (يناير) الحالي بدلًا منه، وإنّما لأنّ شعبيّة ترامب لم تتراجع كثيرًا في صُفوف أنصاره في الحزب الجمهوري والسّلطة التشريعيّة الأمريكيّة المُمثّلة بمَجلسيّ الشيوخ والنوّاب.
إذا لجأنا إلى لُغة الأرقام ونتائج استِطلاعات الرأي التي أجرتها شركة “يوجوف” لصالح مجلّة الإيكونومست، أو الأخرى “بيسوس” لمصلحة وكالة “رويترز” العالميّة، فإنّها تكشف عن حقائق صادمة، أوّلها أنّ نسبة التّأييد لترامب في أوساط الحزب الجمهوري في الشّهر الأخير من ولايته تَصِل إلى 90 بالمِئة بالمُقارنة مع 65 بالمِئة في الفترة نفسها لنظيره جورج بوش الابن، بينما يرى 70 بالمِئة من النوّاب الجمهوريين، و25 بالمِئة من نُظرائهم في مجلس الشيوخ أنّ موقف ترامب الذي يقول بتزوير الانتخابات، ويُطالب بمنع بايدن من دُخول البيت الأبيض، صحيح كُلِّيًّا، ويحظى بدعمهم، وفوق هذا وذاك يُؤيِّد 57 بالمِئة من الأمريكيين عزل ترامب فَورًا بعد تحريضه على اقتِحام الكونغرس.
ما نُريد قوله من خِلال استِعراض هذه الأرقام، أنّ “كابوس” ترامب ما زال مُستَمِرًّا، ويرتكز على قاعدة عريضة من المُؤيّدين مثلما يَعكِس حالة الانقِسام الرّأسي في المُجتمع الأمريكي، ممّا يعني أنّ عزل ترامب، أو حتّى استقالته، قد يكونا الفتيل الذي سيُشعِل الحرب الأهليّة والصّدامات الدمويّة، لأنّ هذا الرّجل لن يختفي من السّاحة السياسيّة حتى لو جرى اعتِقاله، وعلينا أن نتَذكّر أنّ جميع المُطالبات، ومن قِيادات عسكريّة وسياسيّة، بسحب “الزّر النّووي” منه في أسرعِ وقتٍ مُمكن لم تُحَقِّق أهدافها حتّى الآن، فما زال فريق عسكري يحمل هذا الزّر في حقيبةٍ آمنة، يُرافقه في كُل تحرّكاته وحتّى اليوم الأخير من ولايته طالما لم يُعزَل، أو يستقيل.
صحيح أن ترامب يخرج من أزمةٍ لكيّ يَدخُل أُخرى، ويتساقط وزراؤه وكبار المسؤولين في إدارته الواحد تلو الآخَر من حوله، هُروبًا من نتائج الاستِمرار إلى جانبه، أو لمُعارضتهم لغطرسته وتهوّره وتحريضه العُنصري، وخَرقِه للدّستور، ولكنّنا ما زلنا لا نَستَبعِد إشعاله فتيل حرب في الشّرق الأوسط ميدانه المُفضّل، وضدّ إيران على وجه الخُصوص، رغم تَراجُع هذا الاحتِمال بسبب تَقدّم الأزَمات الداخليّة.
***
فعندما يخرج علينا مايك بومبيو وزير الخارجيّة من وسط رُكام هذه الأزَمات ويُؤكّد أنّ واشنطن لن تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بأيّ نسبة، ويجب منعها فورًا، في رَدٍّ على قرارٍ إيرانيّ ببَدء التّخصيب بنسبة تزيد عن 20 بالمِئة، والتّلويح بطرد المُفتّشين الدوليين في 21 شباط (فبراير) المُقبل إذا لم يتم رفع العُقوبات الاقتصاديّة كلّها، فإنّ هذا التّهديد، ومن بومبيو، يجب التّعاطي معه بكُل الجديّة المطلوبة، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن المُناورات العسكريّة الإيرانيّة البحريّة في مِياه الخليج، والكشف عن قواعد صاروخيّة مُتطوّرة تحت الأرض في هذا التّوقيت، وإعلان حالة التّأهُّب في أوساط الأذرع العسكريّة الحليفة لإيران في المِنطقة.
أمريكا “العُظمى” باتت تُواجِه صِراعًا بين رئيسيّها، الأوّل مهزومٌ، أهوجٌ، مُتهوّرٌ، وعُنصريّ، يَرفُض مُغادرة المسرح الرّئاسي إلا بالعُنف، والثّاني مُنتَصِرٌ “هَرِمٌ” لا يملك الحدّ الأدنى من الكاريزما، ومُحاطًا بالأطبّاء، الأمر الذي يُذكّرنا بالكثير من أقرانه في العالمين العربيّ والإسلاميّ، ومِن المُؤكّد أنّها، أيّ أمريكا، وأيًّا كانت مُفاجآت الأيّام العشَرة المُقبلة، ستدخل مرحلة بداية الانهِيار والضّعف، وفُقدان الهيبة والقِيادة بالتّالي.. والأيّام بيننا.
Views: 1