تبقى جميع أسئلة المعارضة واستفساراتها من دون جواب، ما دام الغموض يخيم بالكامل على نشاط شركة “SADAT” وفعالياتها.
تشهد تركيا منذ أيام، وبعيداً من اهتمامات الإعلام العالمي، نقاشاً مثيراً له علاقة بفلسفة الدفاع التي يؤمن بها الرئيس رجب طيب إردوغان، على الأقل بحسب تصوّر المعارضة، فقد أعلنت الشركة الدولية للدفاع والخدمات الاستشارية “SADAT” قبل أيام، عبر موقعها الرسمي على الإنترنت، “عن تنظيم دورات خاصة في مجال الاغتيالات والتفجيرات والمداهمات والكمائن والعمليات الخاصة”. وسبق ذلك ندوة عبر الإنترنت شارك فيها بعض المفكّرين من دول إسلامية، تم خلالها مناقشة “ضرورة أن يكون للدول الاسلامية قوة مشتركة حتى ترتقي إلى مستوى الدول العظمى في الدفاع عن نفسها”.
واكتسب النقاش أهميّة إضافيّة، لأنّ مؤسّس الشركة ورئيس مجلس إدارتها، عدنان تانري واردي، كان حتى كانون الثاني/يناير من العام الماضي مستشاراً شخصياً للرئيس إردوغان، كما كان عضواً في الهيئة العليا لشؤون الدفاع والسياسة الخارجية في القصر الجمهوري.
وقبل الاطّلاع على ماهية هذه الشّركة وأنشطتها المختلفة، لا بدَّ من التعريف بالرجل وبشخصيّته المثيرة، فقد كان قائداً للوحدات الخاصة في رئاسة الأركان قبل أن يطرد من الجيش في العام 1996 بسبب أنشطته الدينيّة، وكان أيضاً، وهو صديق لإردوغان، محاضراً في الكلية الحربية حول حرب العصابات عندما كان الأخير رئيساً لبلدية إسطنبول في العام 1994، وكان وزير الدفاع الحالي خلوصي أكار من تلامذته.
وقد قام الجنرال المتقاعد تانري واردي بتأسيس شركته “SADAT” في 28 شباط/فبراير 2012، بعد أن اطلع على نشاط الشركات الأمنية الأميركية الخاصة، وأهمها “بلاك ووتر”، في العراق وأفغانستان واليمن، وقبلها أفريقيا وأميركا اللاتينية.
ونشرت الصحف التركية المزيد من المعلومات عن نشاط هذه الشركة، ولكن من دون أن يرد أي مسؤول رسمي على هذه الادعاءات وعلى استفسارات وأسئلة أعضاء البرلمان عن أحزاب المعارضة، ومنهم آونال جاويكوز عن الشعب الجمهوري، وآيتون جيراي عن الحزب “الجيد”، اللذان ناشدا الحكومة للكشف عن خفايا أنشطة الشركة وأسرارها داخل تركيا، وفي سوريا وليبيا وأماكن أخرى. وقد أعلنت الشركة بعد تأسيسها في العام 2012 أنَّ من بين أهدافها “تقديم خدمات أمنية لجيوش وقوى الأمن في الدول الصديقة لتركيا”.
وتحدَّثت رئيسة الحزب “الجيد” مارال أكشانار “عن مخيمات تدريب سرية تابعة للشركة المذكورة قرب مدينتي قونيا وتوكات وسط الأناضول”، وناشدت الرئيس إردوغان “للكشف عن أسباب هذه المخيمات وأهدافها وفعالياتها”. وتحدّثت المعلومات الصّحافية أكثر من مرة عن قيام ضباط الشركة بتدريب عناصر الفصائل السورية المختلفة على حرب العصابات ومختلف فنون الحرب والقتال منذ تأسيسها، وخصوصاً بعد فشل مشروع المخابرات الأميركية في تدريب مسلحي الفصائل السورية المعتدلة في مخيمات خاصة بتركيا في العام 2013-2014.
واتهم المتحدثون باسم أحزاب المعارضة الشركة بنقل الأسلحة والمعدات القتالية سراً إلى الفصائل المذكورة، بعد أن حصلت عليها من دول مختلفة، ومنها صربيا وأوكرانيا. وقال الصحافي محمد علي جوللار في صحيفة “جمهوريات” إن عدنان تانري واردي هو الذي أقنع الرئيس إردوغان خلال مناقشات سوتشي مع الرئيس بوتين في أيلول/سبتمبر 2018، بإنشاء نقاط المراقبة العسكرية التركية في جوار إدلب، على الرغم من اعتراض القيادات العسكرية على ذلك.
وسطع نجم عدنان تانري واردي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016، بعد أن عيَّنه الرئيس إردوغان مستشاراً شخصياً له، وقيل إنّه يؤدي دوراً رئيسياً في إعادة ترتيب أمور المؤسسة العسكرية، بعد أن ألغى إردوغان بمرسوم رئاسي كل الكليات والمدارس العسكرية، لتحلّ محلها جامعة الدفاع الوطني، ويترأسها الآن بروفيسور في التاريخ العثماني مقرب منه، كما يترأس مدنيون مقربون منه الكليات العسكرية التابعة للجامعة المذكورة التي يتم الانضمام إليها وفق معايير ستساهم على المدى المتوسط والبعيد في “أسلمة المؤسسة العسكرية”.
ونشرت صحف المعارضة خلال الفترة الماضية الكثير من الأخبار والمقالات عن نشاط الشركة وفعاليات صاحبها، الذي قيل إنّ له دوراً مباشراً في تدريب عناصر الفصائل المسلحة في ليبيا منذ العام 2013. كما أدى دوراً مهماً في نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا والإشراف على تحركاتهم فيها، وهو الحال أيضاً في كاراباخ.
وأشار عضو البرلمان عن الشعب الجمهوري آونال جاويكوز إلى اعترافات الرئيس إردوغان الذي تحدث العام الماضي عن “إرسال مجموعات متنوعة للقتال في ليبيا”، وتساءل: “يا ترى، ما هي هذه المجموعات المتنوعة؟ وما علاقة الشركة المذكورة بها؟ وما هو عدد عناصرها؟ وكم تدفع الدولة التركية لها؟ وما هي مهماتها الخاصة في ليبيا أو سوريا أو أي مكان آخر إن كان موجوداً؟”.
وقد يفسر ذلك دعوة كلّ من آوللا جالبكا وأندريه هان، عضوي البرلمان عن حزب اليسار الحكومة الألمانية، “لمتابعة نشاط الشركة المذكورة وعلاقاتها بالجالية التركية والجوامع الإسلامية الموجودة في ألمانيا”، كما لم يخفِ الرئيس الفرنسي ماكرون قلقه “من النشاط السري التركي بين الجاليات الإسلامية في بلاده وأوروبا عموماً”.
وجاء التغيير المفاجئ في النظام الداخلي للقوات المسلّحة نهاية الشهر الماضي، إذ سيتسنى للمخابرات وقوى الأمن الداخلي استخدام ما تشاء من أسلحة الجيش، ليزيد من شكوك المعارضة التي اتهمت الرئيس إردوغان سابقاً “بالعمل على تشكيل ميليشيات مسلحة موالية له مباشرة لاستخدامها في الحالات الطارئة”، من دون أن يتسنى لأحزاب وقوى المعارضة أن تتصدى لمشاريع إردوغان ومخططاته ما دام يملك الأغلبية في البرلمان ويسيطر على جميع مرافق الدولة وأجهزتها، وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والمال والقضاء، و95% من وسائل الإعلام الحكومي والخاصّ.
ويسعى إردوغان لإسكات معارضيه من خلال الغرامات المالية التي تفرضها السلطات الحكومية على صحف المعارضة، في الوقت الذي يقرر المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون إغلاق محطات التلفزيون أو فرض غرامات مالية كبيرة عليها، بحجة أنها تبث أخباراً تتناقض مع “المصالح الوطنية والقومية للأمة والدولة التركية”، وهو ما يعني الاعتراض على سياساته.
ويفسر كل ذلك هجوم الرئيس إردوغان على قيادات أحزاب المعارضة وكل من يعارضه، واتهامهم جميعاً “بالإرهاب والخيانة الوطنية والعمالة والتجسس”. بدوره، يلاحق الأمن والقضاء كل من يعترض على هذا الكلام، ويوجه له تهمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية، التي تتراوح عقوبتها بين عام و3 أعوام في السجن.
وتقول المعارضة إن ما يهدف إليه الرئيس التركي هو منع معارضيه في اليمين واليسار من الحديث عن أسرار الأنشطة التركية، الرسمية منها وغير الرسمية، عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً في الخارج، وبشكل خاص في سوريا وليبيا والعراق والصومال والدول المجاورة لها، والآن في أذربيجان وأوكرانيا.
وتبقى جميع أسئلة المعارضة واستفساراتها من دون جواب، ما دام الغموض يخيم بالكامل على نشاط شركة “SADAT” وفعالياتها. وقد قال آوزكور آوزال، المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، “أن لا فرق بينها وبين شركة “بلاك ووتر” الأميركية السيئة الصيت في العراق ودول عربية وأفريقية أخرى”.
وعبّر آيتون جيراي، عضو البرلمان عن الحزب “الجيد”، “عن قلقه من فعاليات الشركة المذكورة السرية في ليبيا”، وقال عنها “إنها تتواجد هناك لتحقيق التوازن مع شركة “واغنر” الروسية التي تدعم قوات الجنرال حفتر”.
وفي جميع الحالات، ومع استمرار الغموض الذي يخيم على فعاليات الشركة المذكورة، يعرف الجميع أنَّ لها دوراً مهماً جداً في خدمة أهداف الرئيس التركي ومخططاته ومشاريعه على الصعيدين الداخلي والخارجي، من دون أن يتسنى لأحد الدخول في التفاصيل، ما دام الموضوع له علاقة بالأمن الوطني والقومي لتركيا، ولا يحدد أحد مفاهيمه ومعاييره إلا إردوغان وحده!
الميادين
Views: 4