باتت المصارف اليوم في موقع النقيض لدورها الطبيعي، ولم تعد العلاقة بينها وبين الزبائن مبنية على الشفافية والنظام والإحترام. فهي تراهم مجرد أرقام تمارس كافة أنواع الإحتيال عليهم وتفرض رسوماً وعمولات غير مبررة. وبعد خسارة المودعين 70 في المئة من قيمة أموالهم، هل يمكننا اعتبار هذه الرسوم نوعاً من الضريبة الإضافية؟
تبحث المصارف عن سُبل لبقائها صامدة في الأسواق، ولم يكن أمامها سوى فرض رسوم وعمولات “من دون رحمة” على المودعين “لنهش” كل ما تبقى من ودائعهم. وهي إلى جانب إحتجاز أموالهم من دون أي مسوغ قانوني، تحاول تغطية مصاريفها على حسابهم، أي عن طريق فرض خسائر إضافية عليهم. علماً أنه لا يحق لها فرض أي رسم أو عمولة من دون مبرر قانوني. إجراءات تضاف إلى تقنين السحوبات الشهرية وفرض سقوف عليها. حيث أصبح المواطن “يشحذ” جنى عمره من المصارف، ويتعرّض إلى الإذلال في طريقة المعاملة اليوميّة معهم.
عمولات ورسوم عشوائية
تعمد المصارف الى سلب العملاء كلما أتتها الفرصة، وكان قد أبلغ مصرف فيرست ناشيونال بنك FNB زبائنه برسالة نصية واضحة يفرض فيها عمولة بقيمة 2000 ليرة على كل عملية سحب نقدي عبر الصرافات الآلية ATM وقد تراجع عنها لاحقاً بضغط من رابطة المودعين. وعلى غراره، مصارف عدة تمارس شتى الأساليب الوقحة على حسابات المودعين، على سبيل المثال، تتقاضى المصارف على السحوبات “الدولارية الفريش” عمولات ورسوماً متعدّدة، ومنها الإعتماد اللبناني Credit Libanais الذي يقتطع 7 دولارات من كل 1000، وسوسييته جنرال SGBL الذي يقتطع 6 دولارات من كل 1000، تضاف إلى 2 دولار شهرياً تحت مسمى عمولة الحساب.
ويقول أحد العملاء في بنك بيبلوس “لقد قمت بالإشتراك بخدمة “نتفليكس” Netflix، وكنت أدفع 11.99 دولاراً شهرياً فقط لا غير، ولكن تمت إضافة 0.5 دولار تحت مسمى عمولة على الصراف الآلي ATM-POS-Ecom commission.
“رسوم وعمولات عشوائية تُفرض على العملاء من دون أي مبرر قانوني”، يقول عضو رابطة المودعين نزار غانم، “وبدلاً من إعلان إفلاس المصارف والتركيز على وضع خطة شاملة وشفافة لتخطي الأزمة، فان كل ما تحاول فعله المصارف هو الإستمرار “على ظهر” المودعين”.
عمولات مفرطة على الشيكات
قبل الأزمة، كانت تعرفة الشيك لدى بنك سوسييته جنرال 750 بالليرة اللبنانية و 0.5 بالدولار الأميركي لإيداع الشيك الواحد. أما اليوم فارتفعت هذه التعرفة لتصل إلى 5000 بالليرة اللبنانية، و3 دولارات أميركية. وهي تعتبر الأعلى بالنسبة للمصارف الأخرى، كبنك الإعتماد وبنك بيبلوس وبنك الإعتماد اللبناني، التي تتقاضى 3000 ليرة، أو 2 دولار للشيك الواحد. ولكن المشكلة ليست هنا، فإذا ضربنا 2 أو 3 دولارات على أساس سعر المنصة وفق التعميم رقم 151: (2$×3900= 7800 ليرة و 3$×3900 = 11700 ليرة)، نرى ان هذه الرسوم مرتفعة جداً. والمؤسف انه الى جانب خسارة المودع اليوم لأكثر من 60 في المئة من قيمة امواله مقارنة بسعر الدولار في السوق السوداء، تفرض المصارف رسوماً وعمولات خيالية وتقلص أموال المودعين “عالهدى”، فيما هم مكبلو اليدين، وليس أمامهم سوى الرضوخ لقراراتها.
معاملة سيئة
الى جانب ما تقوم به المصارف من فرض عمولات ومصاريف على معاملات الـ fresh money، فقد ألزمت العملاء بفتح حسابات فرعية من حساباتهم الأصلية لإستقبال هذه الأموال من الخارج، وفرضت عليها رسوماً وعمولات جديدة. وبحسب أحد العملاء، فقد تكرر حسم 50 دولاراً من كل حوالة واردة اليه من المملكة العربية السعودية عبر بنك ليبانو فرانسيز Libano Française، ولما طلب تفسيراً، لم يتلق أي جواب ولم يتوضح مصير هذا المبلغ المحسوم.
وبدورها تقول زينه جابر، وهي محامية في رابطة المودعين: عندما أسمع بما يحصل تخطر في بالي العبارة التالية: “يا فرعون مين فرعنك؟ قال تفرعنت وما حدا ردني”، فالمصارف تمارس أبشع عمليات الإبتزاز والإغراء على المودعين، وهي الى جانب احتجاز ودائعهم وفرض سقوف على سحوباتهم، ومنعهم من فتح حسابات جديدة أو نقل حساباتهم من مصرف لآخر، تفرض رسوماً غير قانونية على أبسط العمليات اليومية، لذلك نحن كرابطة مودعين نطالب القضاء بأن يتحمل مسؤوليته القانونية والحقوقية والإنسانية لردع هذه التصرفات، إنما القضاء اليوم غير جاهز “أو بالأحرى” لا نية لديه ليقف موقفاً قانونياً وحقوقياً لمصلحة المودعين”.
“خوّة” وليست “ضريبة”
“إن التصرفات اغير القانونية التي تقوم بها المصارف لا يمكن اعتبارها رسوماً أو ضريبة قانونية”، تقول جابر، فالأموال التي تفرضها المصارف على زبائنها غير مبرّرة، وهي أشبه بخوّة، خصوصاً أن العملاء لا يملكون الخيار لرفض سداد تلك العمولات، وهم مُلزمون بسدادها كما أُرغموا على خسارة أكثر من نصف قيمة ودائعهم المحجوزة”. وتؤكد رابطة المودعين ان “الإجراءات التي تم فرضها من قبل إدارات المصارف، كـ”خوّات” و”اقفال الحسابات” الى التلاعب بسقوف السحب… مرفوضة، باطلة، غير قانونية وتمثل اعتداءً صريحاً على النظام الإقتصادي الحر المنصوص عنه في الدستور. من هنا “يتوجب على كل عميل اللجوء إلى أصحاب الإختصاص وإلى المحامين ورابطة المودعين، لإتخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة بحق المصارف عند كل مواجهة ومع كل تعد على حقوقه”، تقول جابر، “فمنذ يومين كانت المصارف تقوم بأخذ توقيع المودعين على ورقة تنص على أن للمصرف الحق في حجز أموالهم في أي وقت. من هنا لا يجوز توقيع أي ورقة قبل قراءتها جيداً وعرضها على المختصين”. وتضيف “راقبوا حساباتكم المصرفية وراجعوا المصارف واسألوا عن كل “سنت” ضائع. فهذه أموالكم وهي حق لكم”.
كثيرون هم من وثقوا بكذبة القطاع المصرفي الناجح وسل٘موه جنى عمرهم من دون تردد. أما اليوم فنحن أمام أزمة ثقة بين المصارف وزبائنها، كان سببها مصرف مركزي فاشل، وبنك تاجر يعمل لمصلحته قبل مصلحة الآخرين.
وفي النهاية، سؤال يخطر في بال اللبنانيين يومياً: أين ضيّع مصرف لبنان والمصارف أكثر من 80 مليار دولار من أموال المودعين؟ فهم مسؤولون عن سياساتهم الفاشلة وعليهم إعادة حقوق المودعين بالكامل، ووقف كل التصرفات غير القانونية التي يقومون بها.
Views: 2