لماذا وجّهت القِيادة الأردنيّة صفعةً قويّةً لنِتنياهو ومنعت طائرته من المُرور بأجوائها إلى الإمارات؟ وهل جاء المنع ثَأرًا لعرقلته زيارة وليّ عهدها للقدس المحتلّة والصّلاة بالأقصى ليلة الإسراء والمعراج؟ ولماذا لا نَستبعِد التّنسيق المُسبَق مع أبو ظبي أيضًا لهذهِ الأسباب؟
أرادَ بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن يستخدم “أصدقاءه” العرب الجُدد لتعزيز حُظوظه الانتخابيّة، ولهذا حاول أن يَفرِض نفسه كضيف ثقيل على دولة الإمارات العربيّة المتحدة قبل عشرة أيّام من موعد ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع، فانقلب السّحر على السّاحر وجاءت النتائج عكسيّةً تمامًا، وتأجّلت الزّيارة للمَرّة الرابعة، ولا نُبالغ إذا قُلنا إنّها أُلغِيَت كُلِّيًّا، لأنّ احتِمالات بقاء نِتنياهو في السّلطة تتراجع بشَكلٍ مُتسارع للرّفض الدّاخلي والخارجي له، وزيادة فُرص خُصومه الانتخابيّة، واتّساع دائرة التّحالفات التي تلتقي على أرضيّة إسقاطه.
نِتنياهو الذي يَحتَرِف الكذب مِثل حليفه الأمريكي المهزوم دونالد ترامب، قال إنّه أقدم على تأجيل الزّيارة إلى الإمارات بسبب رفض الأردن السّماح لطائرته بالمُرور عبر الأجواء الأردنيّة، كردٍّ انتقاميّ لعرقلته زيارة وليّ العهد الأردني الحسين بن عبد الله للمسجد الأقصى والصّلاة فيه ليلة الإسراء والمعراج، من خِلال فرض مطالب تعجيزيّة ومن بينها تقليص الاحتِفال بهذه الزّيارة ونسبة حُضور العديد من القِيادات الروحيّة، وإغلاق ثلاثة أبواب من أربعة للمسجد الأقصى تحت ذرائع أمنيّة.
العارِفُون بأسرار هذه الزّيارة، أكّدوا أنّ العُلاقة بين العاهل الأردني ونِتنياهو سيّئة للغاية، وأنّ الأردن يُراهِن على التّعاطي مع المُؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة في دولة الاحتِلال، ولهذا استقبل الملك عبد الله الجِنرال بيني غانتس، وزير الدفاع في قصره في العقبة رسميًّا، بينما استقبل وزير خارجيّته أيمن الصفدي نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي، والاثنان من حزب أبيض أزرق المُنافِس لنِتنياهو.
المصدر نفسه لم يَستبعِد أن يكون رفض الأردن لمُرور طائرة نِتنياهو في أجوائه جاء بالتّنسيق مع دولة الإمارات التي تَشعُر بحَرجٍ كبير من جرّاء هذه الزّيارة، وفي هذا التّوقيت، خاصّةً بعد أن تعرّضت قِيادتها لانتقادات كبيرة من دول عربيّة عديدة على رأسها مِصر بسبب مُبالغتها في التّقرّب إلى تل أبيب، وتجاوزها الكثير من الخُطوط الحُمر في عمليّة التّطبيع، فالأردن لا يُمكِن أن يُعَرقِل مُرور طائرة نِتنياهو لو كانت الإمارات حريصةً على إتمامها، حسب قول مصدر أردني مُقرّب من دائرة صُنع القرار.
وما يُؤكّد ما ذكرناه آنفًا أنّ الأجواء الأردنيّة ليست الخِيار الوحيد لمُرور طائرة نِتنياهو، فهُناك خِيارات أُخرى أبرزها المُرور عبر الأجواء المِصريّة المفتوحة أمام الطّيران الإسرائيلي، ولكن يبدو أنّ نِتنياهو فَهِم الرّسالة الأردنيّة جيّدًا بأنّه شخصيّة غير مرغوب فيها، وقرّر إلغاء الرّحلة.
موقف الأردن برفض مُرور طائرة نِتنياهو عبر أجوائه، سواء انتقامًا من عرقلته لزيارة وليّ عهده للقدس المحتلّة والصّلاة في المسجد الأقصى، أو بالتّنسيق مع دولة الإمارات العربيّة المتحدة هو صفعة قويّة لنِتنياهو، وجدع لأنف غطرسته، ومُؤشّر مُهم على انكِماش بالون التّطبيع، وانقِشاع غُباره، وظُهور الخسائر الكبيرة التي ترتّبت على هذه الخطوة المُتَسرّعة في هذا الطّريق الوَعِر المحفوف بالمخاطر السياسيّة والوطنيّة والأمنيّة.
نُدرك جيّدًا أنّ نِتنياهو مِثل القطط بسبع أرواح، واستطاع تجاوز أزَمات عديدة، وأفشل رِهانات العديدين باستِمراره في قمّة السّلطة، ولكن جولة الانتِخابات الرّابعة القادمة في أقل من عامين، قد تكون نهاية عمره السّياسي بعد عقدين من استِحواذه على السّلطة، بكُل الطّرق والوسائل بِما في ذلك الكذب والفساد والتّزوير، وسيقضي حتمًا سنواته المُقبلة ذَليلًا خلف القُضبان.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 1