صاحب بصمة مختلفة في صقل الذائقة البصرية وتدريب العين على الجماليات غير المتوقعة، فهو أول من حمل كاميرا السينما إلى التلفزيون لتشهد المسلسلات السورية نقلات نوعية في الصورة وتصوير المشاهد والشخصيات، ولأن العملية متكاملة، فقد ترافق ذلك أيضاً بقفزات حققتها النصوص وطبيعة أداء الممثلين.. عن هذه القضايا ونقاط أخرى تتعلق بالإخراج والتمثيل وإنتاج الأعمال، إضافة إلى إثارة المواقف الوطنية التي اشتهر بها المخرج العالمي نجدت أنزور في أعماله وحياته وعلاقاته بالآخرين، هنا مكاشفات جريئة وإثارة لموضوعات مهمة جداً مع أنزور… فلنتابع:
• تجربتك الإخراجية غنية بالمعاناة والخبرة النظرية والعملية.. هل لك أن تقف عند أهم المنعطفات في هذه التجربة؟
•• الحياة هي مجموعة من المنعطفات والتداخلات التي تشكل شخصية الفنان وأي منعطف سواء كان سلبياً أو إيجابياً، لابد من أن تكون نتيجته إيجابية، فالمنعطف السلبي نوع من التحفيز والتحريض وعنصر التحريض عنصر أساسي في مسيرة الإنسان، فمن دون التحريض لا يمكن للقدرات أو الموهبة أن تظهر وأن تنعكس على العمل الفني وتشكل الشخصية، وهنا أستعين بعبارة قالها لي الأستاذ حسن م يوسف: (أنت رجل الحافة).. أستمتع وأنا أمشي على الحافة التي فيها خطر السقوط وهي ليست مغامرة بالمعنى المطلق، بل هي عبارة عن تحدٍّ وأنا أقبل بالتحدي وأسير فيه إلى النهاية.
• هل تخاف الخسارة؟
•• على الإطلاق، فإذا لم أخسر لن أربح بالتأكيد!
• ماذا خسرت؟
•• خسرت كثيراً ولمرات عديدة وليس مرة واحدة، خسرت توقعاتي لبعض الأمور، كنت أتوقع أن ينال عمل ما درجة الأفضل مثلاً، لكن نتائجه لم تكن كما المتوقع، وهنا أعود وأنظر في نقاط الضعف ولا أنكر أنه أحيانا هناك ظروف لا تخدم العمل وأحياناً هناك ظروف تخدمه، ومن خلال أعمالي ومسيرتي الفنية شكلت شخصيتي، أي تراكم هذه الأعمال وخياراتي كانت دقيقة جداً وممتازة، إضافة إلى ظروف إنتاجية خدمت أعمالي، وهناك الحظ الذي هو جزء من تركيبة أي إنسان..
• نجدت أنزور محظوظ؟
•• طبعاً محظوظ!. وإن لم أكن محظوظاً لما نجحت!
• لكن الحظ وحده لا يكفي أليس كذلك؟
•• طبعاً، والموهبة وحدها لا تكفي، والإمكانات وحدها لا تكفي، وكل هذه التفاصيل تكمل بعضها.
• أنت عضو في مجلس الشعب، كأنك تريد لرسالتك الفنية أن تمتد إلى المؤسسات السياسية؟. ماذا أضاف هذا الموقع لك وماذا أخذ منك؟
•• أخذ جزءاً من وقتي من دون شك وهذا شيء طبيعي، فاليوم لا نستطيع عزل أنفسنا عما يحدث حولنا، خصوصاً في بيتنا الداخلي سورية، وأحد أهم رغباتي الحقيقية التي كانت وراء ترشحي لمجلس الشعب، أن نكون جزءاً من هذا التغيير الذي يحصل في هذا المجتمع، أي لا نتلقى التغيير ونحن جالسون على مقاعدنا، بل يجب أن نساهم في هذا التغيير من خلال تاريخنا الفني الذي قدمناه ومن خلال معرفتنا وعلاقاتنا… ومجلس الشعب أضاف لي الكثير فهو هذب شخصيتي أكثر ولا أنكر أنه كان هناك نوع من التمرد المفتوح لدي، واليوم مازال التمرد موجوداً لكن ضمن ضوابط وضمن فهم آلية العمل السياسي، فهذه التجربة مهمة جداً بالنسبة إلي وهي أكملت نضجي سواء الفني أو الاجتماعي وحتى السياسي.
• على ماذا تمرد نجدت أنزور؟
•• تمردت على كل شيء، وأوله الصورة، تمردت على الشكل التقليدي في التلفزيون، وقدمت شكلاً آخر لايزال إلى اليوم يُقلد ويتبع، وطبعاً هذا ليس معيباً فهو أصبح فيما بعد جزءاً من هوية الدراما السورية.
• أيهما أقوى، دور الفنان في المجتمع أم دور السياسي؟
•• الاثنان معاً، هنا تكون القوة، وأنا جمعت الأمرين إلى حد ما، وأي إنسان يشاهد أعمالي فإنه لا يستطيع عزلها عن السياسة أبداً!.
• أنت مخرج مهم جداً على ما يرى أغلب النقاد ومن المخرجين الذي يحترمون عقل المشاهد العربي بسبب نتاجك الغني والثري الذي يتغنى بالوطن والأمة وهمومها، وقدمت عصارة فكرك كي تليق بهذا الوطن والشعب الذي يفتخر بك… هل أعطاك الوطن بقدر ما أعطيته؟
•• ليس المطلوب أن يعطيني الوطن شيئاً، وإذا قدم فيكون هذا أمراً استثنائياً وبمنزلة مكافأة إضافية، وأنا أخدم الوطن ولا أنتظر مقابلاً، فهو قدم لنا الكثير، ونحن تربينا في هذا الوطن وله فضل علينا في تنشئتنا، وكلنا يعلم أن في سورية المدارس والجامعات والمشافي لا تكلف مبالغ باهظة مثل بعض الدول المتقدمة، فسورية قدّمت الكثير، ونحن نرد لها الجميل ولا ننتظر مقابلاً.. ولكن نحن نصطدم مع حكومات لا تستطيع أن تفي بالحد الأدنى من حاجات المواطن، نصطدم مع مسؤول لا يفهم قيمة ورسالة الفن، ومن هنا تأتي ضرورة التمرد على الآفات والعيوب الموجودة في المجتمع، ومن ثم على المسؤول الذي لا يستطيع أن يحقق معادلة الجمع بين الإرادة الحقيقية للمواطن والخدمات الأساسية له، ألا يكون في موقع المسؤولية، وهنا أريد أن أذكر ما حصل في دمشق من أمطار هائلة، فهي كشفت لنا عيوباً كثيرة نعانيها، هنا يجب أن نعي أننا لا نخدم المواطن بل نخدم وطننا، وعندما يكون الطريق على مايرام وبشكل صحيح فهذه خدمة للوطن قبل المواطن.
• لماذا لا تناقشون هذه الموضوعات في مجلس الشعب؟.
•• نناقشها، ولكن ليس بالضرورة أن يصل كل ما يحدث في المجلس إلى جميع الناس، فنحن دورنا تشريعي ورقابي، ومن ثم لا نغير أو نبدل كفاءات المسؤول.. فالمسؤول يأتي بتركيبة معينة أما مجلس الشعب فوظيفته سن القوانين والتشريعات اللازمة لإزالة أي عقبات أمام المواطن، ومراقبة عمل الحكومة.
• من يتابع أعمالك الإخراجية، يشاهد فيها الكثير من الهموم والشجون والتعب، والقيمة الأخلاقية التي تقدم للمجتمع فناً راقياً يدل على عبقرية والذي انطلق من واقعك المحلي مخترقاً جدار المحلية إلى درجات العالمية.. ماذا بعد كل هذا العطاء؟
•• طموحي الرئيس أن تكون لنا محطات تلفزيونية مستقلة، ودعم القطاع الخاص لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يطور العملية الفنية، فالقطاع العام أو الدولة بشكل عام تعاني أعباء ومسؤوليات كبيرة.. أما الطموح الثاني فأن نجعل من السينما مكاناً تستطيع أن تذهب العائلة إليه لتلقي القيمة الفنية والتسلية والخروج من الواقع الذي تعيشه، فنحن في السبعينيات أو الثمانينيات، كان لدينا الكثير من دور السينما، أما اليوم فالعملية في تراجع، وعلى الدولة أن تؤمن مراكز ثقافية وتفعّلها، وتفعِّل دور السينما وأيضاً دور الشباب، واليوم لدينا موضوعات هائلة نستطيع تقديمها، فما حصل في سورية غير مسبوق عالمياً.
• يسجل لك اهتماماتك بتحفيز الممثلين الذين حولك، للارتقاء بالأداء، عبر نسج علاقة مميزة في المشهد، وهذا يطرح عدة أسئلة عليك كمخرج:
أولاً مفهومك للبطولة والنجومية والكومبارس؟.
•• النجومية ليست شعاراً مطلقاً، بل قيمة فنية، تمتزج فيها طبيعة الشخصية مع الأداء أي الموهبة، وهناك الكثير من الفنانين يأخذون فرصاً ويتألقون ومن الممكن تسميتهم نجوماً، فهم حققوا نسبة مشاهدة عالية والناس أحبتهم، وهناك فرق بين نجم محبوب وآخر غير محبوب… وفي كل أعمالي أقدم وجوهاً جديدة وهذا شيء مفروغ منه، وهو جزء من تركيبة عملي، ولكن مدى نجومية الشخص ونجاحه أو عدم نجاحه هذا يتوقف على موهبته والعطاء وقوة الشخصية، والنجومية ليس لها علاقة بموضوع الجمال على الإطلاق، فالجمال نسبي، والأمر متوقف على صدق هذه الشخصية فيما تقدم.. بالنسبة لموضوع الكومبارس، نحن ليس لدينا كومبارس ولا نمتلك أدوات لتهيئته وهذه إحدى المعضلات في الدراما السورية سواء في التلفزيون أو السينما وحتى المسرح، والسبب الرئيس هو إساءة وعدم احترام الكومبارس من قبل المنتجين، ويجب أن نعي أن الكومبارس شيء أساسي لكل عمل، لذلك أدعو إلى فتح مكاتب خاصة لتعليم وتهيئة الكومبارس لنستطيع أن نأخذ نتائج مرضية على الشاشة.
• هل لك أن تصف لنا ملامح الدراما السورية حالياً؟.
•• متخبطة، فهي في حالة البحث عن شخصية جديدة ضمن هذا الحراك العالمي الذي نشهده، وضمن هذه الحرب المجندة التي نعيشها والتي شاركت فيها جميع الأطراف في سبيل زعزعة هذا المجتمع، واليوم تراجعت الدراما السورية، وسبب التراجع هو رغبة الطرف الآخر بذلك وتحديداً، السعودية والخليج، أرادوا كسر شوكة الدراما السورية وتحويلها إلى أعمال هجينة وهذا ما لاحظناه في الفترة السابقة فقد كانت معظم الأعمال تهدف إلى ربح معين من دون وجود قصة للعمل أو قيمة.. بالنسبة إلي فإن معظم أعمالي التي قدمتها، كانت مشتركة، ولكن اليوم لدينا مشكلة في التسويق، والأعمال السورية ولو كانت بعيدة عن السياسة تعامل بذل و«احتقار»، حتى المحطات اللبنانية التي لم نكن نعمل لها أي حساب، أصبحت تضع شروطاً على الدراما السورية وتشتريها بأرخص الأسعار، ولا ننكر أن هناك سبباً آخر للتراجع وهو دخول بعض المنتجين الذين ليس لهم هدف سوى تبييض الأموال.
• ما مدى تدخل العملية الإنتاجية ككادر وتمويل، في التأثير في درجة الإبداع؟
•• هي رقم واحد قبل الإخراج وقبل السيناريو.. فالتسلسل يأتي كالآتي: الإنتاج والإخراج والموضوع، والعملية الإنتاجية أثرت بشكل سلبي كبير في الدراما السورية..
• كان هناك مشروع أو فيلم تقوم بتحضيره عن الرئيس المؤسس حافظ الأسد.. أين هو اليوم؟
•• انتهيت من العمل بالسلسلة الوثائقية منذ زمن بعيد، وهي ثماني حلقات على مستوى عالمي وصرفت عليها مبالغ كبيرة إلى حين انتهاء العمل بها، لكن الظروف غير مواتية للعرض الآن، والسلسلة تتضمن مواد أرشيفية جديدة تعرض أول مرة ولقاءات مهمة مع شخصيات مهمة جداً، وسميتها: (الصراع مازال مستمراً)، تم إنجازه منذ عام 2014.
• ولماذا لم يتم عرضه حتى الآن؟.
•• قرار عرضه ليس في يدي، ولكن أتمنى أن يعرض لأنه سيطرح مفهوماً جديداً، فالأزمة لم تأتِ مصادفة، بل أتت نتيجة مواقف مبدئية لسورية، فعندما قلت في فيلم (ملك الرمال) إن ملوك السعودية من أصول يهودية، استهجن البعض الأمر، ولكن اليوم هم ذاتهم اعترفوا بذلك، وبصراحة لم أقدم الفيلم كي «أجاكر» السعودية بل قدمته خوفاً على هذا المجتمع وقدمت دلائل ووقائع، ومع الأسف التيار الديني -مع الاحترام للجميع- الذي انقسم إلى تيار وطني وتيار عميل، أثّر وساهم في الأزمة بشكل أو بآخر، ونحن مع الدين الذي لا يمس سيادة الدولة، ففصل الدين عن الدولة، شيء أساسي، ويجب إعطاء كل مواطن حقه في التعبير سواء كان متديناً أو متعصباً أو أياً كان، واليوم يجب أن نفهم وندرك بعد هذه الأزمة أننا لا نملك إلا محبة بعضنا، ويجب أن نتعاون ونتكاتف على أسس ومبادئ جديدة، وهذا دائماً ما أحاول قوله، لنعود إلى حياة القائد فإذا ما تناولناها درامياً فهي عمل عظيم، ويتطلب إمكانات هائلة، على عكس «ملك الرمال» فهو لم يتطلب مني أكثر من عدد من الخيم وعدد من الجمال!. ولا نستطيع أن نقدم عن القائد المؤسس حافظ الأسد، عملاً بإمكانات بسيطة، لأن مجرد التعريج إلى حرب تشرين وعظمتها يحتاج الكثير، ويجب ألا نقدم عملاً عن القائد المؤسس بلا قيمة، حتى قيمته الانتاجية يجب أن تكون عالية وهذا الشيء غير متوافر في الوقت الحاضر، وحياة القائد فيها الكثير من المحطات المهمة ولكن أريد إمكانات للقيام بذلك، فالقائد هو شخصية غير عادية على الإطلاق ونتاج هذه الشخصية كان على مستوى عالمي وليس محلياً فقط، فهو شخصية عظيمة والمتطلع إلى عمل عالمي يحتاج إمكانات ضخمة..
• معظم أعمالك تتناول الإرهاب، حتى قبل أن تبدأ الحرب السورية، إلى أي درجة استطعت أن تقوم بإيصال الرسالة التي تريدها؟.
•• بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، قدمت كل ما أستطيع وحذرت من الخطر الذي سيمس المجتمع بكل أطيافه، وهذا ما حصل للأسف الشديد واليوم عندما نقدم أي عمل ليس حباً بالإثارة، بل هو واقع عاشه الشعب السوري، ومن الصعب نسيانه وتجاهله، ويحتاج وقتاً طويلاً من أجل إعادة ترميم هذا المجتمع.
نحتاج عقدين على الأقل لترميمه مرة أخرى، على أسس وثوابت جديدة، لها علاقة بالسيادة والحرية الحقيقية والديمقراطية الفاعلة، التي تغير المجتمع وليست الديمقراطية الشكلية الموجودة في الغرب، وعندما قدمت أعمالاً كان فيها تصور مسبق يسبق أحياناً الحدث وأحياناً كان يلامس الواقع وأحياناً يأتي متأخراً ولكن للاستفادة من العبر.
• معظم الفنانين الذين غادروا سورية وهاجموا هذا البلد، هم أنفسهم الذين كرموا فيها!. ما رأيك بذلك؟.
•• لأننا في البداية لم يكن لدينا أي اهتمام بهذا الموضوع، فكانت الدولة تكرم الجميع، ولكن هذه الحرب، كشفت الأقنعة عن الوجوه وجعلتنا نراها على حقيقتها، ولن يكونوا مرة أخرى جزءاً من هذا المجتمع، بل سيبقون منبوذين وخارج المجتمع (أتحدث عن الفنانين الذين أثروا تأثيراً سلبياً في الأزمة بشكل أو بآخر).
• نلت جوائز عديدة عن مجمل ما قدمته من أعمال، سواء في السينما أو التلفزيون، ماذا تعني لك الجوائز والتكريمات، واليوم ما هي الجائزة التي تنتظرها بعد هذه المسيرة الطويلة؟.
•• الجوائز الحقيقية تكون عندما نستطيع تمثيل سورية في المهرجانات العالمية والتي نحن ممنوعون من المشاركة فيها للأسف الشديد.. مثل (كان) أو (برلين).. لا يسمحون للدراما السورية المشاركة فيها إلا إذا كنا ضد الحكومة السورية، فالحصار ليس ققط سياسياً أو اقتصادياً بل هو حصار فني أيضاً، واليوم أطمح لأن يكون لدي فيلم يمثل سورية في جائزة الأوسكار أو (كان) أو (برلين) أو أي مهرجان عالمي آخر، وبالنسبة للتكريمات التي كانت في البلد، فهي ذات قيمة كبيرة بالنسبة إلي، فهي تساعد في الاستمرار والعطاء وتدفع إلى أن يراجع الفنان نفسه، في سبيل الحصول على التكريم باستمرار.
• (وحدن) هو عملك الجديد لهذا الموسم، ونعلم أن المكان أعجبك وأعدت ترميمه لكي تقوم بالتصوير فيه، حيث تم التصوير في مكان واحد، وبشكل عام تعودنا الجرأة بكل ما تقدمه، ماذا حطّم هذا العمل من خطوط حمراء؟.
•• كله خطوط حمراء!. من أوله إلى آخره، فهو يجعل المتابع يشاهد الإنسان على حقيقته، من دون رتوش ومكياج، فهو كشف المستور عن المواطن السوري وعن الأزمة ولكن بطريقة لطيفة جديدة مبتكرة وليست تقليدية إطلاقاً، ونأمل لهذا العمل أن يكون عملاً متابعاً من قبل الجمهور، وأن ينجح في المنافسة ضمن أعمال رمضان.
• (كل ممنوع مرغوب) ما هو الممنوع لديك؟
•• ليس لدي شيء ممنوع!. ولا أبالغ بذلك، وفي حياتي كلها لا يوجد أحد راقب لي عملاً وإن حدث فكان من قبل أشخاص جهلاء ليس لديهم فكر تقديري، اصطدمت معهم ولكن في النهاية كانت النتيجة إيجابية ولمصلحتي، ولا ننكر أن هناك فرقاً كبيراً بين إظهار العيوب لإصلاحها وإظهار العورات للإساءة والتشهير، وأنا أركز في أعمالي على إظهار العيوب وعدم فرض الحل، بل أحترم عقل المشهد وأترك الأبواب مشرَّعة له للتقدير، واليوم عندما قدمت رجل الثورة، أثناء تقديمه أو بعد عرضه، وقعت مسرحية «دوما» المبتكرة وهي موجودة في الفيلم بالأساس مثلما ظهرت على الشاشة، فالقراءة المسبقة مهمة جداً وتحتاج ثقافة ووعياً ومعرفة، وإدراكاً لما يحدث حولنا.
• بعد هذه المسيرة الغنية، بالفكر والثراء الإنساني، وإقناع المشاهد بكل ما تقدم، ألم تفكر بافتتاح معهد خاص بك يعنى بتدريس الكوادر الشبابية على أصول صنعة الإخراج الراقي والمتطور؟
•• سؤال جيد جداً، هذا مشروع كان قبل الأزمة، كان هناك مشروع أن نعمل (مدرسة دمشق للسينما) وقمنا باختيار الأرض في يعفور وأردنا أن نفتتح معهداً عالمياً بترخيص من أحد المعاهد العالمية، كانت شهادته الجامعية معترفاً بها، واليوم مازلنا نفكر به، ولكن البديل حالياً هو الدبلوم الذي تقدمه وزارة الثقافة، فهو نوعاً ما يحتضن هؤلاء الشباب وطاقاتهم ومع إعادة الإعمار سأعود للتفكير بهذا الموضوع.. وهو لا يقتصر علي فقط بل يحتاج مجموعة كبيرة من الأشخاص ورأسمال كبيراً، وأعتقد أن الدولة ليس لديها أي مانع في هذا الموضوع، بل هي مشجعة لأنه في النهاية، يعكس أهمية الفكر السوري الذي يمكن أن نضيفه لهؤلاء الطلبة وخصوصاً بعد التجربة المريرة التي عشناها.
• إلى أي درجة يؤمن نجدت أنزور بأن ما يقدمه صحيح، وبعيد عن أي تمويل سواء كان داخلياً أو خارجياً؟
•• بشكل عام، من دون تمويل لا أستطيع العمل، ولكن في السنوات الأخيرة، كل تعاملي مع وزارة الثقافة وإذا كنت تقصدين تمويلاً من نوع آخر، فلا يوجد أحد يمولني لأن الحكومة السورية حكومة (بخيلة) لا تدفع «مصاري»!. فمثلا في أفلامي: (رد القضاء، فانية وتتبدد، رجل الثورة) وحتى الفيلم الذي أحضِّره حالياً، هي مشاركة بين القطاع الخاص ووزارة الثقافة أي ليست وزارة الثقافة وحدها.
• كيف ترى الواقع السينمائي اليوم؟
•• هناك تجارب جيدة ولكن لم تنضج بالمستوى المطلوب.
• من المعروف أن نجدت أنزور مغامر، ما أقصده بأنك تتبنى وجوهاً ومواهب جديدة، سواء كانت نصوصاً، أو وجوهاً درامية، على ماذا تراهن بذلك؟
•• نحن محلياً لدينا إمكانات جيدة، لماذا لا نستفيد منها، فمثلاً (رد القضاء) أخذ جهداً وتعباً من السيناريست ديانا كمال الدين، من خلال لقائها بالضباط والمسجونين وإلمامها بكل ما كتب حول العمل فخرجت بهذه النتيجة الجبارة والرائعة، لماذا لا نكرر هذه التجربة مثلاً، ما المانع؟ وحتى بالنسبة للممثلين، فإن (رد القضاء) فيه ثمانون وجهاً جديداً، ولا يوجد أي واحد من الكادر الفني لم يترك أثراً في قلوب من تابعه، فالموهوب والجدير بالنجاح ينجح والمواهب الجديدة جزء من رؤيتي الإخراجية ويجب أن تكون هذه نظرة أي مخرج، فخريج المعهد مثلاً أين يذهب؟ ولماذا يدرس؟ إن كان ليس لديه فرصة؟ من يقدم له الفرصة؟ نحن أولاد البلد، أم الخليج، من الأحق؟
• منذ بداية الحرب على سورية كان موقفك السياسي واضحاً تماماً وقد صرحت بأن سيادة الرئيس بشار الأسد، قادر على إنقاذ سورية مما حصل فيها، وكما رأينا جميعاً وعلى الرغم من الضغوطات الداخلية والخارجية بأن شعب سورية وقائدها بقوا صامدين، كيف ترى الواقع السوري اليوم؟
•• الرئيس الأسد، لم يصمد فقط، بل كسب المعركة، وكانت الحرب بمنزلة العض على الأصابع، لكن سيادة الرئيس كان الأكثر صموداً وقوة لذلك كانت قبضته محكمة واستطاع بنظرة سياسية محترفة أن يحول الأمور من هزيمة محققة إلى نصر أكيد، وهذا هو الواقع، واليوم الجيش العربي السوري حقق نتائج مذهلة، وقيادتنا مؤمنة، رئيسنا ثبت على هذه الأرض، ونحن قدمنا كثيراً من الشهداء والجرحى إضافة إلى خراب البنية التحتية ويجب علينا فهم الدروس والعِبر من هذه الأزمة.
• ما هو جديدك اليوم؟.
•• لدي فيلم سينمائي مع المؤسسة العامة للسينما بعنوان (خواتم نواعم)، إنتاج مشترك بين شركتنا والمؤسسة، وكتابة ديانا كمال الدين، وهو يلامس الأزمة ولكن ليس بشكل مباشر وأعتقد بأنه سيكون من الأفلام المميزة التي أتطلع خلالها للمشاركة في مهرجانات دولية وعالمية، فهو يركز على الحالات الإنسانية أكثر من أي عمل آخر!
Views: 3