لماذا نعتقد أنّ ما حدث في الأردن ضربة استباقيّة وليس انقِلابًا لتغيير النّظام؟ وكيف نزَل اعتِقال عوض الله بردًا وسَلامًا على قُلوب مُعظم الأردنيين؟ ومن هِي الجِهة التي اتّصلت بزوجة الأمير حمزة عارضةً طائرة لنقله إلى الخارج؟ وهل سيُواصِل نِتنياهو عداءه للعاهل الأردني والعمل على إسقاطه؟
ربّما من قبيل التّسرّع القول بأنّ الاعتِقالات التي طالت بعض الشخصيّات الأردنيّة يوم أمس في إطار مُؤامرة تهدف إلى زعزعة أمن البِلاد واستِقرارها كانت بمثابة مُحاولة انقلاب، والتّوصيف الأدق لها في نظرنا هو أنّها جاءت “ضربة استباقيّة” أقدمت عليها الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة لتحصين الأردن من تدخّلات إسرائيليّة وخليجيّة بأدوات محليّة في شُؤونه الداخليّة لإضعافه وتمزيق وحدته الوطنيّة، ومُحاولة امتِصاص حالة التّململ الشّعبي نتيجة انتِشار مُرعِب لوباء الكورونا، والغَلاء الفاحش، وتفاقم مُعدّلات البِطالة، ومُعاناة الفُقراء.
الأردن، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اتّفق معه البعض أو اختلف، يخوض حربًا علنيّةً مع بنيامين نِتنياهو وحُكومته اليمينيّة العُنصريّة، حول القدس المُحتلّة ومُقدّساتها وعُروبتها، ومُؤامرات نِتنياهو على الأردن لم تتوقّف، ولن تتوقّف، لأنّه يُريد إزالة الدّولة الأردنيّة من الوجود بدءًا بالتّجويع ونشر الفوضى وعدم الاستِقرار، ونقل بُذور العُنصريّة الإسرائيليّة إليه، ويُخطّط لإبعاد ثلاثة ملايين فِلسطيني من الضفّة الغربيّة إلى الأردن في إطار تنفيذ مشروع الوطن البديل.
لم يَكُن صُدفةً أن تمنع الحُكومة الإسرائيليّة الأمير الحسين بن عبد الله، وليّ العهد الأردني، من زيارة المدينة المقدّسة، والصّلاة في المسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج، لأنّها لا تُريد وجود أيّ وصاية عربيّة أو هاشميّة على هذا المسجد، أو الكنائس العربيّة المسيحيّة الأُخرى، ومن يُطالع تفاصيل البيان الرسمي الإسرائيلي الذي صدر مُتأخِّرًا ما يَقرُب من 20 ساعة، ووصفه ما حدث في الأردن بأنّه شأن داخلي، ودُون كلمة “استِنكار” واحدة، يُدرِك ما نقول.
اعتِقال السيّد باسم عوض الله الذي انحاز للاتّفاقات التطبيعيّة لدول خليجيّة، وارتبط اسمه بمشاريع تسهيل بيع أراضي وعقارات في المدينة المقدّسة للمُستوطنين اليهود وتأكيد الحُكومة الأردنيّة رسميًّا ارتِباطه بجِهات خارجيّة مُعادية للأردن (إسرائيل)، هبَط هذا الاعتِقال بردًا وسلامًا على قلب مُعظم الأردنيين، إن لم يَكُن جميعهم، ومن شتّى الأُصول والمنابت، لأنّه كان في نظرهم أحد أبرز رُموز الفساد وهدر المال العام، والإثراء الفاحِش وغير المشروع، ونُكران الجميل للبِلاد التي احتضنته ومنحته ثقتها، وقلّدته أرفع المناصب في الدّولة.
الحُكومة الأردنيّة في مُؤتمرها الصّحافي قالت إنّها حذّرت الأمير حمزة بن الحسين من الإقدام على نشاطات قالت إنّها تَمُس الأردن، وقام بالتّحريض ضدّه في مقطعيّ فيديو، وأكّدت أنّها رصدت تواصلًا بين باسم عوض الله والشّريف حسن بن زيد والأمير حمزة، مثلما رصدت تواصل شخص (لم تُسمّه) له ارتِباطات بأجهزة أمنيّة أجنبيّة مع زوجة الأمير حمزة يَعرِض عليها تأمين طائرة للخُروج فورًا إلى بلدٍ أجنبيّ، وهذه اتّهامات خطيرة تتناقض مع ما قاله الأمير حمزة في شريط فيديو من أنّه مارس حقّه الطّبيعي كمُواطن وأحد أفراد الأسرة الحاكمة، وتوجيه انتِقادات ضدّ الفساد، وبعض الأخطاء، والتّرهّل في إدارة الدّولة ومُؤسّساتها، وإذا صحّت هذه الاتّهامات المُوجّهة إليه التي تتناقص مع القانون، بهذا يعني أنّ القضاء ستكون له الكلمة الفصل، فلا أحد فوق القانون مثلما أكّد الجِنرال يوسف الحنيطي، رئيس هيئة أركان الجيش الأردني، الذي أدار الأزَمة بكفاءةٍ عالية.
لم يتطرّق المُؤتمر الصّحافي بالتّفاصيل إلى ما يتَردّد من تورّط حُكومات خليجيّة، وخاصّةً حُكومتيّ الإمارات والسعوديّة في أحداث الأردن الأخيرة، حيث أفادت تسريبات بأنّها دعمت الشخصيّات المُتورّطة والمُعتَقلة، حسب مصار بريطانيّة عالية الاطّلاع، وأنّ مُسارعتها بإصدار بيانات تضامن ودعم للأردن وقِيادته مُجرّد ذَرْ الرّماد في العُيون، وجاءت على قاعدة “كاد المُريب أن يقول خُذوني”، فالسيّد عوض الله، أحد أبرز المُتّهمين، كان من المُقرّبين جدًّا للقِيادة في البَلدين المَذكورين آنِفًا، ونحن في انتظار الأدلّة كافّة التي تُؤكِّد أو تنفي هذه التّهم، ونأمَل أن تكون شفّافة، وموضوعيّة، تُعطِي لكُل ذي حقٍّ حقّه.
خِتامًا نقول إنّ هذه الأزَمة التي هزّت الأردن، وأمنه، واستِقراره، جاءت بمثابة جرس الإنذار للدّولة الأردنيّة وقِيادتها، تُحَتِّم الإقدام على إصلاحات جذريّة سياسيّة، ووضع استراتيجيّة مُحكَمة لمُحاربة الفساد، وتقديم كُل من نهبوا ثروات البِلاد إلى العدالة، واستِرجاع جميع أموال الشّعب المنهوبة، وتوسيع دائرة المُشاركة في السّلطة في إطار نظام ديمقراطي برلماني دستوري، وإعطاء الفُرصة للدّماء الشابّة لتتولّى المسؤوليّة وتقديم الكفاءة على المحسوبيّة الوراثيّة، وإقصاء كُل الوجوه القديمة التي باتت مقرونةً بالفساد والفشَل، وقِيادة البِلاد إلى الهاوية.
الأردن في حاجةٍ إلى عهدٍ جديد عُنوانه الشفافيّة والعدالة والمُساواة، والانتِصار لقضايا الأمّة العادلة، وعلى أرضيّة مُحاربة الاحتِلال وتحرير الأرض والمقدّسات، وإلا فإنّ هذه الأزَمة الأخيرة ستتواضع أمام ما هو قادم من أزَمات “وجوديّة”، فالاحتِقان يتَضخّم، والانفِجار بات وَشيكًا.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 5